شيوعي كافر.. ولكن وجهه منور
إنه لمن الطبيعي أن يلاقي الفكر الشيوعي صعوبات كبيرة لدى إدخاله إلى هذه البيئة المحافظة.. فالمجتمع المتدين يتأثر ببعض العلماء ذوي الأفق المحدود، ويسارع إلى إلصاق تهمة (الكفر) به، وتتلازم الصفتان مع اسمه وكأنهما جزء لا يتجزأ من هويته فيقال: فلان الفلاني (شيوعي كافر)..
وتجدر الإشارة إلى أن الأغلبية الغالبة من الناس كانوا يلفظون كلمة شيوعي من دون حرف الياء فيقولون: (فلان شوعي كافر)!
من هؤلاء المنتسبين إلى الحزب الشيوعي، على نحو مبكر من عمره، واحد من أصدقائي القدامى، يدعى "حامد".
عشق حامد الحزب الشيوعي إلى درجة أنه كان يغامر بنفسه في أيام الوحدة ويخرج في الليل ليدحش المنشورات التي كان يصدرها الحزب تحت الأبواب، فيسارع مَنْ يحصل عليها إلى إحراقها أو تمزيقها قبل أن يقرأها، خشية أن تقع في يد جماعة المكتب الثاني فيضطرونه، تحت الضرب والتعذيب، إلى الاعتراف بأنه مناضل (شوعي)، ويدكونه في سجن المزة، مع أنه لا يميز بين بكداش الذي يبيع البوظة المدقوقة في سوق الحميدية والرفيق خالد بكداش الذي عاش ومات وهو على رأس عمله في قيادة الحزب الشوعي.
المهم في الموضوع.. بعد سنوات من النضال في صفوف الحزب الشيوعي، قرر حامد أن يخطب ويتزوج (على سنة الله ورسوله)!
وعلى الفور بدأ أهالي العروسات اللواتي وقع اختياره عليهن يرفضونه، من دون مناقشة تقريباً، ويبلغون أهلَه بالسبب المعلن للرفض، وهو أنه (لا يوجد نصيب)، ويخفون عنهم السبب غير المعلن، وهو أن حضرته (شوعي كافر)!
قال حامد لنفسه: لدي طريق واحد، لا ثاني له، وهو أن أستميل فتاة ما، فأعشقها وأوقعها في حبي، وهي بدورها سوف ترغم أهلها على القبول بي، وهكذا يفعل الحب المعجزات، كما يقولون في الأفلام السينمائية.
وهذا ما كان بالفعل، فقد عشق الرفيق حامد فتاة جميلة متخرجة من دار المعلمات اسمها (ناهد).. فحصل، على الفور، خلاف في وجهات النظر بين ذويها، وكان عم العروس "نادر" من أكثر المعارضين تطرفاً، إذ قال لأبيها:
- يا أبو رمضان، ناهد بنت جميلة، ومعلمة، راتبها ماشي. يعني هناك ألف شاب محترم في البلد يتمنونها، مو حرام تعطيها لواحد (شوعي كافر)؟ والله ضيعانها فيه!
ولكن عمها (أكرم) كان متعاطفاً مع حامد، فقال للأب:
- بالعكس خاي أبو رمضان، حامد إنسان طيب، وعاقل، وحباب، وبيتوتي، وأنا بصراحة ما بظن أنه (شوعي).
قال الأب: يا أكرم أنا معك، حامد أخلاقه جيدة، ولكن ماذا نفعل وإذا كان (شوعي) بالفعل؟!
قال أكرم: أخي اتركه لي، وأنا سأفحصه.
وذهب أكرم إلى حامد، وجلس معه أكثر من ساعة وهو يوجه إليه أسئلة لاختباره فيما إذا كان شيوعياً أم لا، وحامد يجيب عن الأسئلة، بذكاء خارق، محاولاً إبعاد التهمة عن نفسه.
أخيراً اقتنع أكرم، وقال: هلق تأكدت إنك مو (شوعي).
ثم ابتسم وقال بلهجة المنتصر:
- أنا من الأول قلت لحالي، هذا الوجه المنور مستحيل يكون وجه شوعي كافر!