سمر رمضاني في إسطنبول (11)
في سهرة الإمتاع والمؤانسة الرمضانية السابقة، حكى لنا الأستاذ كمال حكاية جَدّه الظريف "أبو ابراهيم"، الذي كان مولعاً بسميرة توفيق وصباح (جانيت فغالي)، وكان يدفع لحفيده الذي يأتي إليه حيث يجلس، عند باب مقهى "عطا الشيخ"، نصف ليرة إذا بَشَّره بأن التلفزيون يبث وصلة غنائية لسميرة توفيق، وربع ليرة إذا كانت الوصلة لصباح.
الحكاية، بطرافتها، أخرجتنا نحن الساهرين السامرين من أجواء الإذاعة والتلفزيون إلى أجواء البلدة الصغيرة التي عاش معظمُنا فيها طفولته، وصباه، وشبابه، وبقي بعضنا فيها حتى أخرجتهم منها براميل الجيش العربي السوري الباسل الذي راح يقتل السوريين ويهجرهم لأنهم ثاروا على الأسد الوريث بدءاً من سنة 2011.
قال أبو الجود: أنا بعرف شلون كان أبو ابراهيم، جده للأستاذ كمال، وأصدقاؤه يقعدوا.
كمال: عن جَد بتعرف؟ طيب احكي لنا.
أبو الجود: الصبح، حوالي الساعة عشرة، كانوا يقعدوا ع الرصيف الغربي، حتى ما تضربهم الشمس، وبعد العصر كانوا يقعدوا من الطرف الشرقي، لأن اتجاه الشمس بيكون تغير، ولأن الرصيف ضيق، كانوا يقعدوا على صف واحد، أبو ابراهيم كان يقعد على أول كرسي من اليمين، وجنبه أبو سلوم اللي من ضيعة البَلّاطة، وجنبه أبو حمود من قرية المجرومة، وأبو صالح اللي كان قليل الكلام، لكن لما يسمع نكتة أو قفشة بيفرط من الضحك، وأحياناً بينضم إلهم واحد مو مداوم، أو خلينا نقول "زبون طيار". وأحلى شي في الجلسة أبو سلوم وأبو حمود لما بيحكوا عن كلاب الصيد.
الأب دار وجهه، وصار يتبسّم، ولسه بنته أم سالم واقفة عم تسأله إنه بيصير زوجها يهتم بالكلب لهالدرجة؟!!!
كمال: هلق أبو الجود دخل في قصة ما إلها علاقة بسيرة التلفزيون والبرامج الرمضانية اللي كنا عم نحكي فيها. وأنا بشوف إنه ما في مشكلة. لأن سهرتنا في الأساس مخصصة للتسلية.
أم زاهر (لأبو الجود): يعني هدول الرجال الأربعة كانوا يربوا كلاب صيد؟
أبو الجود: مو الكل، بس أبو سلوم وأبو حمود. بعدين أنا عجبتني كلمة (بيربُّوا)، لأن الواحد من هدول كان عنده ولاد كتير، وتاركهم بلا تربية، لأن اهتمامه بالدرجة الأولى بينصب ع (تربية) الكلاب!
أبو ماهر (ضاحكاً): أكيد عم تمزح.
أبو الجود: لا ورحمة أبوي ما عم إمزح. وأنا هلق بحكي لك حادثة بتثبت لك صحة كلامي. يا سيدي أبو سلوم من قريتنا، البلاطة، وأنا بعرف كل قصصه.
حنان (متشوقة): طيب احكي لنا.
أبو الجود: حاضر. يا ستي كان أبو سلوم دائماً يتخانق مع مرته أم سلوم، لأنه بيميز بالمعاملة بين الكلاب وولاده! ومرة فقعت معها الشغلة، فتركت البيت وراحت على بيت أهلها، وبَلَّغت أبوها إنها ما عاد ترجع على بيت زوجها مهما كلف الأمر. ولما سمع أبوها القصة زعل كتير، وصار يلومها، قال لها: أكيد هالشي عم يصير من زمان.. كنتي لازم تخبريني، حتى أوقف زوجك أبو سلوم حده..
أم سلوم قالت لأبوها إنه هواية تربية كلاب الصيد ما كانت موجودة عند أبو سلوم في البداية، لكن من شي سنة ونص، صار يمر عليه واحد اسمه أبو حمود من قرية المجرومة، ويطلعوا سوا ع الصيد، بعدين أبو سلوم أحب هالشغلة، واستنى لحتى طلع موسم الأرض، باع الحنطة والشعير، واشترى بارودة صيد، وتلات كلاب كل واحد منهم بحجم كر الجحاش الزغير، وفلتهن في أرض الديار، وصاروا طول النهار ياكلوا ويشربوا ويوسخوا، ويا ويلي أنا ويا ويل أي واحد من ولادنا إذا منحكي شي ضد الكلاب، أو منحتج على وسخهن، وصار كل يومين أو تلاتة يلبس صف الفشك ويطلع برفقة الكلاب ع الصيد، ويجي المسا جايب معه أرنب أو أرنبين، وتبلش بقى حفلة تانية..
سألها أبوها: حفلة متل أيش؟
أم سلوم: بعدما أنا أنضف الأرانب، وأسلقهم، وأطبخ شوية رز، ويتجمعوا حوالينا الولاد منشان ياكلوا، بيحط أبو سلوم الصحن قدامه وبيصيح: تعا تعا أبو دومان. بيشرف الكلب أبو دومان، بيرمي له فخدة أرنب مسلوقة، تعا أبو عموش، بيجي أبو عموش، بيناولوا شقفة، وما بيبقى قدامنا أنا والولاد غير الرز، لأن أبو دومان وأبو عموش وأبو بريكع ما بيحبوا الرز..
الأب: أيوااااه.. وهلق، أشو صار لحتى طلعتي من الدار؟
أم سلوم: قبلما يطلع ع الصيد قلت له وقف، استنى. بدي أسألك سؤال وما بتزعل مني؟ قال لي: ما بزعل. قلت له: أستحلفك بالله وإيدي على راسك، أنت بتحب ولادك أكتر ولا الكلاب؟ ضحك، بقي يضحك يا ياب لحتى وقع، وانسند بجسمه على باب الدار، وبتعرف أشو قال لي؟
الأب: أشو؟
أم سلوم: قال لي، وليك هاي ما بدها تنين يحكوا فيها ويختلفوا عليها. أكيد بحب الكلاب أكتر. أنا ظنيت أنه عم يمزح أو عم يجاكرني. فقلت له: بتحلف ع المصحف؟ قال لي: استني شوي. دخل ع المطبخ، جاب الأبريق البلاستيك، عباه مي من الجب، ورفع عن كمامه، وتوضَّا، وجاب المصحف، وحط إيده عليه، وحلف إنه بيحب هالكلاب أكتر مني ومن الولاد. وأنا يا ياب غلطت بهالشغلة، ما كان لازم أسأله ولا أحلفه.
الأب: ليش بقى؟
أم سلوم: لأني بعرف أنه بيحبهن أكتر مني ومن الولاد. و..
الأب: ليش سكتي؟ طيب شلون عرفتي إنه بيحب الكلاب أكتر منكم؟
أم سلوم: كنا أنا وهوي في الغرفة، وبلش يحكي معي كلام كويس، ومسك إيدي وبده يبوسها، وفجأة، سمعنا صوت كلب عم يعوي، ما شفته غير صاح: هادا أبو دومان. وتركني وطلع. بيصير هيك يا ياب؟
الأب دار وجهه، وصار يتبسّم، ولسه بنته أم سالم واقفة عم تسأله إنه بيصير زوجها يهتم بالكلب لهالدرجة؟!!!