سمر رمضاني... أسطورة هلالة التي تنخل في الطاحون (7)

31 مايو 2018
+ الخط -
(رمضان 2005 ــ إحدى الليالي)
حينما سمع أبو سلوم بأن السامرين سيتوقفون عن أكل الدسم خلال أسبوع كامل اعتباراً من يوم الغد، لاعتبارات صحية، لوح بأصابع يده اليمنى وصار يقول:
- انخلي يا هلالة.
وأتبعها بالقول: بيتي انخرب يا ناس والكلب عَزَّاني.
قال الخال فارس: إذا بيتك انخرب أو تعمر، ما في مشكلة عندي أنا، بس أنا بدي أسالك: مين هلالة؟

لم يرد أحد، وأما أبو سلوم فقد قال، والغضب ما يزال منقطاً من وجهه:
- أنا أعرف هلالة، ولكنني لن أحكي عنها ما لم ينسفوا القرار الخاص بموضوع الدسم. أأنتم تنوون تجويعي؟
قال ابن عمي ماجد: أنا عندي حل وسط.
قلت له: ما هو؟

قال: خَلِّ مَن يدعونا إلى السهرة كل يوم يحسب حساب أبو سلوم بأكلة دسمة ينقط منها الدهن والسمن تنقيطاً، وباقي المدعوين يأكلون طعاماً خفيفاً.
قال الخال عموري: الأستاذ ماجد هَمُّه في الحياة أن يرضى أبو سلوم، وهو يعرف أن أبو سلوم يحضر كل الولائم ولا يولم لأحد.

ضحك أبو سلوم، وقال: أنا لا أولم لكم لأنني أخاف على صحتكم. يشهد الله إن الطعام الذي يُقدم للمساجين في سجن "تَدْمُر" لذيذ ومغذٍّ أكثر من طعامي أنا!

قال الخال فارس: لا تنسى يا أبو سلوم أن تحكي لنا عن هلالة وليش يقولون: انخلي يا هلالة.
قال أبو سلوم: هلالة كانت إنسانة فقيرة تعمل في الطاحون الذي يمتلكه ابن بلدنا الحاج ناظم الباغوش؛ عملُها الأساسي هو وضع الطحين الخشن في المنخل الكهربائي، ونخله لكي تحصل منه على طحين ناعم يصلح لصناعة الخبز المدعوم الذي يسمونه في المدن "خبز بيروت". ونحن نسمع به ولا نعرفه، ونسميه "الخبز السياحي" أصلاً نحن لا نعرف ما هي السياحة.

المهم، كان المنخل المخصص للنخل مصنوعاً من معدن النحاس يتم تشغيله بمأخذ كهربائي فيذهب يمنة ويسرة وينخل..

وفي يوم من الأيام أصبحت مفاصلُ المنخل المعدنية صدئة ومتخلعة، تُصدر أثناء النخل أصواتاً مزعجة..

قال كمال الطبنجي: يعني مثل الآلات الموجودة في معظم معامل الدولة، من كثرة الإهمال والسرقات تتعطل بسرعة.. ومدير المعمل في هذه الحالة بدلاً من أن يزعل على آلته التي تعطلت تراه فرحاً مشقرقاً، لأنه يستطيع أن يختلس من عملية الإصلاح ما يشاء من الفلوس، باعتبار أن لجان الشراء تزور الفواتير وهو يوقع عليها ويصرفها، ويأخذ المبلغ المختلس إلى جيبه.

قال الخال عمران: كان شرطنا الأساسي يا أستاذ كمال ألا نحكي في السياسة، أنت دائماً تخالف شروط السهرة..
قال كمال: أنا آسف.
قال أبو سلوم: أنت آسف وأما أنا فقد وقعت في مشكلة.
قال الخال عموري: أيش المشكلة التي وقعت فيها؟
قال أبو سلوم: المشكلة أن السياسة تدخل في تركيبة الحكاية الخاصة بالسيدة هلالة، التي كنت على وشك أن أحكيها.

قال أبو الجود: مهما تكن الحكاية، أريد أن نسمعها. وإذا صار عليها سين وجيم يمكنكم أن تنسبوها إلي، أنا معتاد على استدعاء المخابرات لي والتحقيق معي.

قال أبو سلوم: كان صاحب الطاحون عضواً في حزب سري ممنوع، وكان يتحدث مع رفيق له في حزبهما، ويتناولان أموراً خطيرة، ولم يكن صوتهما مسموعاً بسبب الضجيج الذي يصدره منخل السيدة هلالة. وفجأة توقفت هلالة عن النخل، وإذا بالعمال الموجودين في المكان، وبضمنهم هلالة، يسمعون جانباً من الحوار الخطير.

خاف صاحب الطاحون من أن يكون بين العمال مُخبر متعاون مع أحد فروع الأمن فينقل ما سمعه منه ومن رفيقه إلى فرع الأمن، وبدوره الفرع يرسل دورية مؤللة إلى الطاحون ليعتقله. وكان أفضل حل أن يعمل جهاز المنخل الذي يصدر الضجيج، فيغطي على الحديث من جديد، فصاح على طول صوته:
- انخلي يا هلالة!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...