سمر رمضاني... أبو عبوش يعشق عيشة الكلاب (10)
- يا سلام. ما أطيب الأكل السوري اللي مليان زَفَر ودَسَم. صحيح أنو بيئذي وهضمُو صعبْ، وبيسبب ارتفاعْ نسبة الشحوم والكوليسترول في الدمّْ، وبيساهم في تضيق شرايين القلب، بس يا خيو هالأكل طيب. ويا عين عيني على الشاي السوري اللي سُكَّرُو في قلبو، ومغلي على أصولو، ومختمر.
ثم أجال بصره فينا بمحبة وقال: ما أطيب ريحة الأهل. يا ترى أيمتى بدي سافرْ وأجتاز الحدود وأدخلْ عَ سورية؟
قال له أبو الجود بلا مبالاة: لا تستعجل ولا تعصّ على حالك كتير، لحقان تروح على سورية وتعيش هناك عيشة الكلاب. بتعرف حكاية اللاجئ السوري في ألمانيا اللي سألو القاضي كيف كنتوا عايشين في سورية؟
قال أبو عبوش: بعرفها. اللاجئ قال للقاضي كنا عايشين عيشة الكلاب. فقال القاضي: عظيم. ليش لكان نزحتوا؟! (لأنو عيشة الكلاب في ألمانيا خمس نجوم).
ضحك أبو جهاد وقال: كان المفروض باللاجئ السوري يوضحلو للقاضي إنو كنا عايشين عيشة الكلابْ السورية، مو الألمانية.
قال أبو محمد: طولوا بالكم يا شباب. كل إنسان الله خلقْلُو عقلْ مختلفْ عن عقولْ الناس التانيين، وأكيد أخونا أبو عبوش عقلو بيعجبو.
قال أبو الجود: هذا إذا كان فيه عقل أصلاً. أنا مستعد أحلف بالفقر المزمن، والطفر المشرش، والنحس الأزلي، أنو "أبو عبوش" ما فيه نصّ جرامْ عقلْ. وإذا بدكن أدلة عَ كلامي أنا جاهز.
قال أبو عبوش: من دون أدلة وإثباتات، أنا موافق عَ كلام أبو الجود. نعم أنا ما فيني عقل.
قال أبو جهاد: يا شباب هاد أبو الجود واحدْ عَلَّاكْ. يا أخي وين المشكلة إذا الواحد ما عجبتو العيشة في ألمانيا وحَنّ لبلدو سورية ورجع؟
قال أبو الجود: أنا بدي أحكي لكُنْ السالفة من أولها، وإذا كنتْ غلطان يمكن أخونا "أبو عبوش" يصحح لي. "أبو عبوش" ما كان واقف مع الثورة، وكان دائماً يقول لنا (يا شباب اقعدوا عاقلين وبَطّلُوا مظاهرات) ويحلف لنا بشرفو أن ابن حافظ الأسد اللي ورث هالدولة من أبوه مستعد يخرب الدولة على رؤوس أصحابها ولا يتخلى عن السلطة.
قال أبو زاهر: نعم. للأسف تبين أنو كلامْ أبو عبوشْ صحيح.
قال أبو الجود: وفي أول قصف مدفعي نَفَّذُو جيش الأسد على بلدتنا وقعتْ أضرارْ طفيفة بعدد من البيوت، أما بيت "أبو عبوش" فتهدمْ بالكاملْ! ووقتها حمد أبو عبوش الله تعالى لأنه أثناء القصف كان براتْ البيت، يعني اشتغل على طريقة جحا الذي وقع قميصو من الأسطوح ع الزقاق فحمد الله على أنو القميص وقع وهوي فاضي، لو كان جحا لابسو كان وقع معو وتكسرتْ عضامو!
قال أبو عبوش: يا شباب لما بيقول أبو جهاد إنو "أبو الجود" رجلْ عَلَّاكْ أنا كنتْ أتضايق منو، لاكن ثبتْ لي هلقْ أنو عَلَّاكْ فعلاً.
قال أبو محمد: ليش زعلت منو؟ كلامه غلط؟
قال أبو عبوش: لا والله، كلامو صحيح. أنا بالفعل ما كنت واقفْ مع الثورة، ومع هيك صرتْ أكبر المتضررين من نظام ابن حافظ الأسدْ. ولحتى ما يكتِّرْ أبو الجود من العلاك تبعو أنا راح إحكي لكن تتمة الحكاية. يا شبابْ أنا بعتْ أنقاضْ بيتي اللي دمرتو المدفعية، وبعتْ أرضي اللي كنت عايش منها، وهربتْ عَ الريحانية، وبعدها عَ اسطنبول، وبعدها عَ إزمير، ودفعت مبلغْ كبيرْ للمهرب حتى وَصَّلْني بالـ (بَلْمْ) ع اليونان، ومشينا من اليونان لألمانيا عَ الأقدام.. والألمان عاملونا معاملة حسنة، وعطونا بيت وراتب شهري معقول.. ومرة من المراتْ دخلتْ على أحدْ المولات، وشفتْ بعيني الجناحْ الكبيرْ المخصصْ لأطعمة الكلابْ التي عايشة في بلادُنْ أحسن من عيشتنا في سورية.
قال أبو ماهر: ومع هيك رجعتْ من ألمانيا، وناوي ترجع عَ سورية!
قال: مو بس هيك يا أبو ماهر، أنا رجعتْ من ألمانيا تهريبْ، لأن الألمان ما عطوني موافقة عَ العودة، قال أشو؟ خايفين عَ حياتي.
قال كمال: يعني فينا نقول إنك، يا أخونا أبو عبوش، رجعت بسبب حبك للوطن مثلاً؟
قال أبو عبوش: بصراحة يا أستاذ كمال ما رجعت بسبب حب الوطن، ولا منشان أي شعار بيخطر على بالك. الحكاية، بكل بساطة، إني أنا ما بصْلُحْ للعيشْ في مجتمع كل شيء فيه منظم وطبيعي وبيحترم الإنسان والحيوان والأشجار!