دكتور يصفع عضو قيادة قطرية

02 ابريل 2019
+ الخط -
كان "أبو ربيع" من أوائل أبناء بلدنا الذين لجأوا إلى تركيا. استوطن في مدينة الريحانية الصغيرة القريبة من الحدود السورية، وبعد أكثر من سنتين، وبينما هو يشتري بعض الخضار من دكان "عَبُو الكردي" بسوق الخضار، التقى بأبو جهاد الذي أخبره أننا نسهر على نحو شبه يومي، ونصنع أجواء "إمتاع ومؤانسة"..

فانضم إلينا بحماسة، وفي أول لقاء معنا انفتحت شهيته على الحكي. حكى أشياء كثيرة، وعلى نحو متواصل، لم يترك خلال حديثه ثغرة يمكن لأحد أن يتسلل منها مثلما تسللت الدبابات الإسرائيلية إلى غربي القناة من خلال خرق الدفرسوار سنة 1973. ومن جملة ما قال إنه إذا لم يسهر ويحكِ ويضحك، ممكن أن يطقّ مثل البرميل الذي تلقيه طائرات بيت الأسد على المدنيين..

قال له أبو الجود: طول بالك علينا يا أبو ربيع. صحيح نحن مأدبين، وإذا شفنا واحد متل حضرتك عم يكتّر حكي منسمع له، بس نحن كمان منحب الحكي، ويكون بعلمك إنو فيه بيناتنا أدباء مهجريين..


دهش أبو ربيع وقال: شلون يعني مهجريين؟ يعني متل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة والياس فرحات؟

قال الأستاذ كمال: أدباء المهجر هم أناس غادروا بلاد المشرق في أيام الفقر والتعتير، وكان في بيناتهم شعراء وأدباء أطلقوا عليهم اسم "أدباء المهجر". هلق نحن طلعنا مو بس من الفقر، وإنما بسبب البراميل اللي بيطبا ابن حافظ الأسد على المدنيين.. وكان في بيناتنا أدباء، متل صديقنا أبو المراديس، هدول بإمكاننا نسميهم "أدباء المهجر". وصلت الفكرة؟

قال أبو ربيع: وصلت، لاكن أنا بختلف معك بهاي النقطة.

وضحك وقال: قبلما قلك بأيش بختلف معك، خطرت لي قصة حلوة، قريتها من كم يوم على صفحة المهندس ماهر حميد، بيقول فيها إنو لما كان يدرس الهندسة في الجامعة، كان في مديرة قسم بعثية، والبعثيين لما بيتوظفوا عند الدولة بياخدوا أحسن الوظايف، وأعلى الرواتب، والتعويضات، ولما بتبعت وزارة التعليم العالي طلاب في بعثات إلى الخارج، بيحطوا أسماءهم في الأول، وبيطلعوا، وبيدرسوا ع حساب الدولة، وبينجحوا بمعدلات نجاح مخجلة، ومع هيك لما بيوقع تحت يدهم طالب غير بعثي بيحاولوا يهينوه، ويثبتولو أنه هوي في الأساس فاشل، وما كان ممكن ينجح لولاهم. لذلك قالت مديرة القسم لماهر، وهي تُعَيّرُه: الحق علينا إني علمناكم!

فقال لها ماهر: بصراحة يا رفيقة أنا تعلمت الهندسة على يد الدكتور علاء اللولح، وأما إنتوا فعلمتمونا التدخين!

ضحك الحاضرون وقال أبو محمد: إذا هادا رفيقك ماهر حَبّ يعملْلَا صدمة لهاي المَرَا لازم يبطل التدخين.

قال أبو زاهر وهو يضحك: بالله نكتة حلوة، وهيك بيكون أعاد لها العلم تبعها.

قلت: كان المهندس ماهر حميد من أبرز الكتاب اللي ساهموا معي في تجربة مجلة كش ملك اللي أصدرناها بشكل شهري من أواسط 2013 حتى أواخر 2016. ولما شفت كتابتو عن الدكتور اللولح، حكيت معه على التشات وسألتو عنو، فقال لي إن هاد الدكتور علاء اللولح كان في مجال الهندسة فلتة من فلتات الزمان، وكانت له مأثرة ما حدا ممكن ينساها، وهي موقفو من وهيب طنوس.

قال أبو محمد: مين وهيب طنوس؟

قلت: هادا عضو القيادة القطرية، من الموالين لحافظ الأسد، كان مسيطر على قطاع الطلبة والتعليم العالي في سورية لسنوات طويلة، وهادا الدكتور علاء اللولح، حسب ما حكى لي ماهر حميد، اختلف معه بالحكي، فسلخو كفين أصعب من فراق الوالدين.

قال أبو ربيع مخاطباً "أبو الجود": شفت شلون أنا بعطي طريق لغيري بالحكي؟

قال أبو الجود: مو بس بالحكي، لازم كمان تعزمنا لعندك وتعمل عشا، وتجيب كنافة نابلسية، وتعطينا مجال ناكل وننبسط.

قال أبو ربيع: على رأسي أنا جاهز. بس خلوني كفي لكم القصة. هادا الدكتور اللولح كان مرة ضيف على واحد من الاجتماعات الجامعية العلمية، وكان موجود في الاجتماع "مصطفى التاجر" العميد الفخري لكل الكليات الجامعية في حلب، وكان موجود كمان رئيس مجلس المدينة، وهوي واحد من زلم مصطفى التاجر. وبعدما شرح د. اللولح طبيعة المشروع اللي هوي مقدمو، وإيجابياته وعيوبه، قال رئيس مجلس المدينة:

- بهاي النقطة أنا بختلف معك يا دكتور علاء.

فرد عليه الدكتور لولح رداً يليق برجل يلعب دور التابع لشخص متنفذ:
- أنت خلافك مو معي أنا، أنت خلافك مع علم الهندسة!

وللحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...