حكايات من البلد (1)
قلت، في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة، إنّ نشر إحدى حكايات الفتى الأهبل فريد ابن أبو خلو الأخيرة صادف مع عيد الأم يوم 21 مارس/ آذار 2021، وصادف أن تكون والدته، السيدة "أم خلو"، بطلة الحلقة الأخيرة من حكاياته..
علّق أبو جهاد على هذه النقطة بقوله:
- الله يصلحك يا أبو المراديس، فريد بيعرف عيد الأم؟
أبو المراديس: مو بس ما بيعرف عيد الأم، فريد ما بيعرف أيش يعني أم.. والمثل الشعبي اللي بينطبق عليه هو "كله عند العرب صابون"، باختصار فريد ما بيميز بين أمه وصديقه المتشرد سلمون، الكل، عندُه، بشر عاديين.. وبما أنه حضرته مولع بالمزح، شفنا شلون استغلّ عاطفة أمه تجاهه، ودَخَّلْ في عقلها فكرة إنه هو مشتهي ياكل كبب، واعتبارها أم حنونة زيادة عن اللزوم، فتحت له باب غرفته اللي كان مسجون فيها، وهو جاب السلم الخشبي، وأسنده على حافة السقيفة، وقال لها: اطلعي، ولما تأكد أنها صارت ع السقيفة، شال السلم وخباه في مكان بعيد، وصارت السقيفة بالنسبة لأم خلو سجن ما بتحسن تغادره إلا إذا رجع عقل فريد لرأسه، ووافق يرجع السلم لمكانه. هون بقى بدي إحكي لكم عن تجربة كنا نقوم فيها أنا وصديقي المرحوم أبو النور لما كنا في إدلب.
أبو زاهر: الله يرحم أبو النور، كان شخص ظريف ورائع.
أبو محمد: أشو هيي التجربة؟
أبو المراديس: كنا، يا سيدي، نلتقي في أوقات متقاربة، ونسهر متل سهرة متل سهرة الإمتاع والمؤانسة تبعنا، ونسمع من أبو النور أو غيره حكاية عن شخصية مضحكة وطريفة، متل شخصية فريد مثلاً.. والحكاية تخلي الشباب مبسوطين، وصوت الضحك يوصل لآخر الحارة. بعد شي شهر أو شهرين لما منلتقي، ومنبلش نتداول حكايات عن الشخصيات الفكاهية، فجأة واحد من الموجودين بيقول لأبو النور:
- بالله عليك تحكي لنا على فريد أبو خلو لما طلع والدته ع السقيفة وخبا السلم.
هون يا شباب بيوقع أبو النور في مشكلة، بتتلخص بأن معظم الموجودين بيعرفوا القصة، وهلق إذا بده يعيدها منكون دخلنا في التكرار، أبو النور كان يتطلع فيني، ويعطيني إشارة حتى أساعده في الشي اللي راح يعمله، وهوي التالي: كنا نحكي نفس القصة ولكن بصياغة جديدة، وبتفاصيل ما كانت موجودة في الرواية السابقة.
أبو ماهر: شي كويس، يعني دخلنا في باب التأليف. طيب قصة لما فريد طلع أمه ع السقيفة، كيف رَويتوها في المرة التانية؟
أبو المراديس: مو بس مرة تانية، كان في تالتة ورابعة وخامسة.. المهم، خلاصة الحكايات إن فريد ركب راسه، ومتلما بتعرفوا، دماغُه جزمة قديمة، وقال لأمه:
- ما بدي أنزلك. خليكي فوق. أنا هلق ماني فاضي.
وبما أنه صار حر وطليق، تعربش ع الحيط، ونزل ع الزقاق، وراح صار يلعب مع رفاقه بلعبة "سوس بقلوب".
حنان: أشو هاي الـ سوس بقلوب؟ اسم اللعبة بيوحي إنه في حب وعشق. وخاصة "القلوب".
أبو المراديس: لا يروح ذهنك لبعيد ست حنان، فريد ورفقاته مو سمعانين بشي اسمه حُب، وما بعمرهم شافوا نور الشريف ولا نجلاء فتحي. القلوب المقصودة هي قلوب المشمش.
كمال: أنا بدي شيل كتف عن أبو المراديس. كان المشمش، في هديك الأيام نوعين، مرّي، ولوزي. المرّي كنا ناكله ونرمي العجو تبعه (القلوب) على طول إيدنا، أما اللوزي، فكان قلبه لذيذ كتير، منشان هيك كنا نجيب حجر، ونكسره، ونطلع القلب وناكله. بهيك حالة قلب المشمش بيكون إله قيمة. وكان بعض الفتيان يروحوا ع الساحة التحتانية، ويشتروا عواد عرقسوس، ويجيبوها ع البيت، وينقعوها بالماء، لحتى تصفرّ وتحمر، وتصير عرقسوس، وكنت تلاقي فتى شقي أزعر متل فريد شايل قنينة مليانة عرقسوس ومسكر فتحتها، وعم يخضها، وعم ينادي: سوس بقلوب. يعني بيعطيك جرعة من السوس بتعطيه قلوب مشمش.
أبو المراديس: وفي نوع مشمش كان يجي من الشام شكله أخضر على أصفر على أحمر، وقلبه كتير لذيذ، اسمه (شَكَرْ بَرَه).. وطبعاً سعره مرتفع لأنه نادر الوجود وطيب. وأنا كنت دائماً اسأل نفسي من وين أجت هالتسمية، وما عرفت الجواب لبعدما صار عمري 65 سنة.
أبو محمد: هات نوّرنا.
أبو المراديس: كنت ساكن في حارة بإسطنبول اسمها (sefaköy) يعني "قرية الصفا"، ومرة كنت ماشي في الشارع الرئيسي لقيت بياع مشبَّك. وبتعرفوا نحن أهل الريف السوري عموماً منحب المشبك. والأتراك بيسموا المشبك حَلْقَة (Halka)، والسبب إنهم ما بيعملوا القرص ملتف على نفسه متلنا، حلقة وحدة بس، وعند بياع المشبك شفت حلوى إهليلجية الشكل مكتوب عليها (Şeker Pare)، وع السريع فتحت القاموس على موبايلي لقيت معناها "قوس السكر"، يعني كل مشمشة من اللي حكينا عنه عبارة عن قوس سكر..
أبو جهاد: طيب خاي. فريد ترك أمه ع السقيفة وراح يلعب بلعبة السوس بقلوب. خلينا نرجع لهون إذا بتريد.
أبو المراديس: المهم، لما رجع أبو خلو وخليل وأحمد والبنات من حواش الزيتون، اكتشفوا وجود أم خلو ع السقيفة، وكان بطل القصة الظريف قاعد في غرفة السجن بكل أدب واحترام، والباب مفتوح.. طبعاً أول شي بلشوا بإجراء الإسعافات الضرورية لأم خلو، وبعدين جابوا فريد لقدام أبوه وبلش الاستجواب.
أم الجود: شي حلو. بالله اعترف إنه هوي اللي طلع أمه ع السقيفة؟
أبو المراديس: أنا وأبو النور يومها ألّفنا الرواية التالية: قلنا إنه أم خلو روت القصة متلما صارت بالضبط، لأن المرا ما بتعرف تكذب ولا بتعرف تخترع. أما فريد فأنكر، وألقى باللائمة على أمه. ولما سألوه عن هالوضع الغير طبيعي اللي خلى أمه تكون ع السقيفة، ومين اللي فتح باب غرفته.. روى لهم قصة تشيب لهولها الولدان.
أبو جهاد: هات سمعنا.
أبو المراديس: على راسي. راح إحكيها. لكن بعدما ناخد استراحة بسيطة.