حجاب للولد الذكي سلمون

16 يونيو 2020
+ الخط -
أصبح الفتى الكذوب ذو الخيال الواسع سلمون نجمَ سهرات "الإمتاع والمؤانسة" دون منافس.. قال كمال إن حكاية سلمون مع المفتش حميد انتهت بخلاصة جميلة. فقد صرح المفتش بأن القصة التي اخترعها سلمون عن العنزة التي أكلت (دفتر التعبير والإنشاء) أجمل من كل المواضيع التي يكتبها التلاميذ، فالغالبية العظمى منهم عندما يصفون فصل الربيع يكتبون أن الطبيعة تكتسي في الربيع بساطاً سندسياً، والعصافير تزقزق وتتنقل من فنن إلى فنن، ويستشهدون ببيت البحتري: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً..

أبو المراديس: الأستاذ كمال بينحاز للحكاية لأنه في الأساس كاتب قصة قصيرة، والشي الطبيعي إنه ينفر من الموضوعات الإنشائية.

حنان: بترجاكم إنتوا التنين لا تدخّلونا بالمناقشات النظرية.. وإذا سمحتوا خلونا بسيرة سلمون. على فكرة أنا صرت إعطف على سلمون بعدما عرفت إنه والدته متوفاية.

أبو الجود: الست حنان بتعطف عليه لأنه يتيم الأم، يا ستي صحيح إن الأم منيحة وعظيمة، بس مو دائماً بتكون هيك، أنا والله العظيم ما ارتحت في حياتي شوي إلا بعد ما توفت أمي الله يرحمها. هيي صحيح كانت تحبني وتريد لي الخير، بس ما في مرة حاولت تساعدني إلا خلتني إخسر وإتبهدل!

أم الجود: أبو الجود عم يفتري على المرحومة حماتي لأنها كانت متعاطفة معي وهيي اللي نصحته يتزوجني. بظن ما في سبب تاني.


أبو الجود: نعم. وكان هالزواج أكبر غلط ارتكبناه كلياتنا، أنا وأبوي وأمي وإنتي وأهلك. المهم يا أستاذ كمال أنا بزماني سمعت قصة عن سلمون كتير كويسة، لكن نسيتها..

كمال: طيب أشو استفدنا إذا نسيتها؟

أبو الجود: إنته كمان بتعرفها. قصدي لما طلع سلمون يعمل بحث عن المشعوذ فتاح الفال.

كمال: عيني عليك يا أبو الجود. هاي حكاية ممتازة. وأنا بالفعل بعرفها.

أبو محمد: وأشو منتظر؟ هات سمعنا.

كمال: المدرسة اللي كان يدرس فيها سلمون كانت تقريباً خالية من المشاكل، المدير إنسان محترم ومحب لعمله، والمعلمين متله، والتلاميذ على الأغلب ظراف، وكان الهم الأساسي للجميع هوي التالي: إنه كيف ممكن يتخلصوا من سلمون؟ طبعاً ما في مجال يطردوه بشكل تعسفي، لأنه القانون بيعطي الحق لكل ولد في سن التعليم إنه يتعلم. وفي يوم من أيام الشتوية انتظر سلمون حتى طلعوا زملاؤه من الصف للاستراحة بين درسين، وما بقي حدا في قاعة الصف، شال البيدون اللي فيه مازوت، وطلع من الصف، وراح لمكان بعيد ضمن حديقة المدرسة، غاب شي عشر دقايق ورجع عَ الصف، وأعادْ البيدون لمكانه فوق المدفأة. ولما رجع الأستاذ فواز والتلاميذ ع الصف، لاحظوا إنه السائل الموجود ضمن البيدون سيء جداً، وكلما نزلت نقطة منه في المدفأة بينسمع صوت فش فش، وقرقعة، وتفقيع، وبعد شوي انطفت المدفأة بشكل نهائي، وصار يطلع منها دخان كثيف، ورائحة قريبة من رائحة النشادر. وركضوا الطلاب وفتحوا الشبابيك والباب، والأستاذ فواز حط أيده على منخاره حتى ما يختنق.. وبلش التحقيق في الحادثة، وكان الشي الطبيعي إنه تتوجه أصابع الاتهام لسلمون، وبعد أول كف من فواز على خد سلمون اعترف بعملته.. ولكن كالعادة سلمون حاول يبرر فعلته، فقال إنه المازوت اللي عم يشتريه الآذن أبو نمر وبيجبه عَ الصف مغشوش، لذلك أحب سلمون إنه يجرب مادة سائلة غير المازوت، لكن الظاهر إنه التجربة ما نجحت!

أبو ابراهيم (ضاحكاً): أيوااااه.. هلق فهمت من وين أجت ريحة النشادر!

كمال: المهم الأستاذ فواز بلش التصعيد ضد سلمون، وراح على غرفة المدير أبو فاروق وأخد ورقة وقلم، وصار يكتب استقالته، لكن المدير اعترض، واقترح عليه إنه يكتب طلب بيتضمن إحالة سلمون على لجنة تأديبية، واللجنة بتقترح فصله نهائياً من المدرسة، وبوقتها بيصير عند الإدارة مستند رسمي، وبتفصله من دون ما تعترض مديرية التربية على فصله.

أبو ماهر: والله هادا حل منطقي.

كمال: المهم تشكلت اللجنة التأديبية، واجتمعت في غرفة المدير. المدير أبو فاروق كان عم يتصرف وكأنه ممثل النيابة العامة، صار يكيل لسلمون التهم المتتالية، ويحكي عن فصوله اللي كان يعملها مع المعلمين والتلاميذ والآذن، والأذى اللي بيلحقه يومياً بالمدرسة، وفوق كل هالشي عقل سلمون مستغلق، ومستحيل يتعلم أو يرتجى منه خير. المهم أن اللجنة طلبت اللقاء مع التلميذ، لحتى تتأكد من كونه غير قابل للتعلم.

أم زاهر: يعني اللجنة التأديبية التقت مع سلمون؟

كمال: أي نعم. التقت اللجنة مع التلميذ النجيب سلمون. وكان أول سؤال من رئيس اللجنة لسلمون وهو التالي: ماذا تعني لك المدرسة يا سلمون؟ رد عليه سلمون بتلقائية عجيبة: إن المدرسةَ بناءٌ كبير تحيط به حديقة مليئة بأشجار السرو الباسقة، له باب كبير يقفله أبو نمر بعد الساعة الثامنة ويضطر التلميذ المتأخر لأن يتعربش على السور، ويمشي على الجَمَلون ثم يمسك بحافته ويدلي جسمه إلى الأسفل ويغمض عينيه ويطب نفسه على أرض المدرسة.

ضحك أحد أعضاء اللجنة وقال لرئيس اللجنة (متهكماً): صدقني هادا التلميذ ذكي كتير، ويخشى عليه من العين! أنا بقترح نبعته لعند أبوه خليه ياخده لعند فتاح الفال خليه يكتب له حجاب أو رقية لإنه إذا أصيب بالعين ممكن ينقصف عمره وتخسر البلاد طاقة إبداعية كبيرة.

وبينما كان عضو اللجنة يتكلم ركض سلمون نحو الباب، وتابع ركضه إلى آخر الصفوف، وتعربش على السور، وقفز إلى خارج المدرسة، وتابع جريه إلى المنزل، وحينما رآه والد راكضاً ملهوفاً تعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقال له: خير سلمون؟ أيش صاير معك؟

سلمون: ياب في وفد من الوزارة من الشام، إجوا لعندنا ع المدرسة وطلبوا مني أروح لعند الشيخ نداف اللي بيكتب حجابات منشان يكتب لي حجاب. وقالوا لي روح بسرعة خبر أبوك بهالشي لأنه إذا بتبقى بدون حجاب ممكن تموت إنته وأبوك.

دب الرعب في نفس أبو سلمون وقال: أنا؟

سلمون: هيك قالوا لي، وبالنسبة إلي يو ياب مو مشكلة إذا متت، بس إنته خطية، لسه قدامك مستقبل، ويمكن تقبل فيك أم حمودة وتتجوزوا وتخلفوا ولاد!

(للقصة تتمة)..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...