حبس البرلماني أبو نعيم رغم الحصانة

30 ابريل 2019
+ الخط -
حينما كنا نحن المهجرين، المنفيين من ديارنا، المقيمين في مدينة الريحانية بجنوب تركيا، نستعد لاستقبال شهر رمضان، اقترح أبو زاهر أن نتوقف عن سهرات السمر مؤقتاً، لكي نعطي أنفسنا فرصة لإتمام تحضيراتنا واستعداداتنا لاستقباله.

احتج "أبو الجود" على مقترح أبو زاهر قائلاً إنه إذا نُفِّذَ هذا الاقتراح فسوف يكابد ثلاثة أنواع من الجوع، أولها الجوعُ الأزلي الذي ورثه من والده المرحوم ورضعه من ثدي والدته، وثانيها الجوع الذي سينشأ عن توقف سهرات السمر، والثالث هو الجوع الذي يشعر به فجأة حينما يرى زوجته أم الجود.. وضحك وقال:

- والله العظيم يا شباب، لما أم الجود بتبلش تحكي رَشَّاً، وبتشوبر بأصابيعها، أنا فوراً بحس أنو بطني عم يقرصني، حتى لو كنت آكل قبل دقيقتين.
قال أبو جهاد: بهالحالة أم الجود مجبورة تطعميك.. ريتك انشالله تاكل سم الأفاعي!
قال أبو الجود: والله أم الجود ما بتقصر، كلما شافتني جوعان بتجيب لي خبزة مدهونة بلبن أو دبيركة وبتقلي نفس العبارة اللي قالها أبو جهاد: كول، ريتك انشالله تاكل سليماني وسم الأفاعي..


قال العم أبو محمد: كل الموجودين هون بيعرفوا قصتك مع الفقر والطفر والنحس والجوع، ومشاحناتك مع أختنا أم الجود. يا ريت تحكي لنا شي ما منعرفو.

قال أبو الجود: أنا بأمرك عمي أبو محمد. أيش بتحب نحكي؟
قال العم أبو محمد: أمس، يوم كنا سهرانين في بيت أبو إبراهيم، حكيت لنا كَامْ قصة عن جاركُنْ "أبو نعيم دَرَّاز الخرقة" اللي صار عضو مجلس الشعب وهو في عمر الستين. وقلت لنا إنو صار معو مرض الديسك والروماتيزم بعدما صار عضو في المجلس، وآخر شي اشترى بيكآب سكودا، وفي أول مشوار ضرب البيكآب بحيط "أبو دحام الكندورة".
قال أبو الجود: نعم. كان أبو دحام متزاعل مع أختنا أم دحام، وواصلة الأمور بيناتُنْ للطلاق، والناس الطيبين اللي بيحبوا الخير تدخلوا، واستطاعوا يوصلوا لاتفاق وحل ودي بين الطرفين. وبموجب الاتفاق شالتْ أختنا أم دحام بقجتها ورجعت من بيت أهلها على بيت جوزها. ولما بلشت تعاتبو لأبو دحام عن الأخطاء اللي بدرت منو وأدت للزعل، حط إصبعتو السبابة على فمو بالطول وقال لها: هس. لا تحكي ولا كلمة. أنا غلطت، وإنتي غلطتي، وأمي غلطت بحقك، وأبوكي غلط بحقي، وهالسالفة صارت تعبانة ومعتّة.. أحسن شي الآن أنو أنا وإنتي نشقّ هالصفحة، ونفتح صفحة جديدة، ونعيش بقية حياتنا مع بعض بالخير والبركة.
اقتنعت أم دحام بالفكرة وقالت له: والله معك حق.

ولحتى يعبر أبو دحام لأم دحام عن صدق كلامو مسك يد أم دحام، وقرب عليها لحتى يبوسها، وفي هاي اللحظة (التاريخية) بَلَّشْ الحيط يوقع، ودخل بوز البيكآب السكودا تبع أبو نعيم لنص الغرفة، وربك لطف أن الحادث ما نتج عنو ضحايا، واقتصر على الأضرار المادية.

قال العم أبو محمد: ومجلس الشعب؟ أيش صار معه بمجلس الشعب؟
قال أبو الجود: مجلس الشعب مو مشكلة، لأنه العضو إذا غاب اجتماع أو اجتماعين ما حدا بيحكي معو، وأبو نعيم كان عندو صلاحيات أنو يغيب على طول الخط لأنو وجودو ما بيقدم ولا بيأخر، ما عدا الاجتماعات اللي بدها تصويت، اللي لازم يقول (موافق)، هاي حضورها إجباري.

قال العم أبو محمد: أنا قصدي كيف مَضَّى الأربع سنين وهوي عم يعاني من الديسك والروماتيزم والسعلة الشهاقة؟

ضحك أبو الجود وقال: ولعلمك إنو فوق كل هدول صار عندو ضخامة في البروستات، ومع هيك مضت الأربع سنين، ومددوا له أربع سنوات تانية. بس مو هون النكتة.
سأله الأستاذ كمال: بالله؟ وين النكتة؟

قال أبو الجود: النكتة أن أبو دحام اشتكى عليه للمخفر، ونَسَبْلُو تهمتين، أول تهمة ضَرْب الحيط وتهديم الغرفة، والتانية إفساد الجو العائلي ومنع أبو دحام من إتمام عملية الصلح مع زوجته! ورئيس المخفر لما فهم القصة من "أبو دحام" غضب وأصدر أمر بتوقيف أبو نعيم. وبالفعل راحت دورية الشرطة وألقت القبض عليه، وحجزوا البيكآب اللي هوي أداة الجريمة. وفي المحصلة رئيس المخفر أجتو عقوبة كبيرة من قائد الشرطة منشان هاي الشغلة.

قال أبو جهاد: وليش العقوبة؟
قال أبو الجود: لأنو رئيس المخفر ما كان بيعرف أنو أبو نعيم عضو مجلس الشعب، وفي عندو حصانة، وما بيجوز إلقاء القبض عليه.

وللحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...