تعليم خنفشاري (3)

26 يوليو 2019
+ الخط -
قال الأستاذ مجيد إن وجود معلم ذا عقل ديمقراطي في تلك الأيام كان يشبه وجود زهرة نابتة في أرض قاحلة.. فالأب، عموماً، كان يضرب أبناءَه في البيت لأتفه الأسباب، وحينما يسلمهم للمدرسة يوصي المعلمين بضربهم دون الحاجة إلى أخذ موافقة منه، ومعظم الزملاء المعلمين كانوا على قناعة تامة بأن الضرب هو الوسيلة الأكثر فاعلية لجعل التلاميذ يتعلمون، ويرسخ العلم في عقولهم.. 

قال أبو الجود: متلما بتعرفوا أنا إمكانياتي العقلية تحتْ الوسطْ.. منشان هيك بقيت إنْجَحْ وإسْقُطْ، وفي بعض الأحيان كانوا ينجحوني بعدما ينعقد "مجلس الرحمة" ويضيفوا لي كم علامة زيادة عن العلامات اللي بستحقها، حتى وصلت للصف التاسع وعترستْ في الشهادة الإعدادية متل الحمار الضعيف لما بيعْلَقْ في طين ضيعتنا، من دون يمين، في مرة من المراتْ علقْ حمار بالطين وما قدرنا نطالعه لحتى جبنا رافعة من البلدية!

قال أبو جهاد: بلش أبو الجود بالكذب، أصلاً ضيعتنا بهديك الأيام ما كان فيها بلدية، ولما صار عندنا بلدية كانت فقيرة ومو قادرة تشتري رافعة.
ضحك أبو الجود وقال: طيب خاي أبو جهاد، كرمالك راح خَلّي الحمار تبعْ القصة عالقْ في الطين ونكمل حكايتنا.
قال كمال: أنا متابع قصص أبو الجود من زمان بعيد. أهم ميزة من ميزاته إنه أحياناً بيضرب مثالْ، وبعد شوي بيترك القصة الأصلية وبيناقش المثالْ. بتذكر أنه مرة كان عم يحكي لي عن حوار جرى بينُه وبينْ أختنا أم الجود، وكانت عَمَّ تلومُه لأنُّه ما بيحبها متلما بيحب عبد الحليم حافظ حبيبتُه، وبيغني لها وهوي راكب ع البسكليت في الفيلم: (أحبك. كلمة بقالها أيام وليالي تدوب فيَّ). أبو الجود رد عليها وقال لها: بيقولُوا في الأمتال يا ست أم الجود إنه واحد قال للتاني (حبني وأنا بشتري لك جَحْش) التاني رد عليه: المحبة ما بتصيرْ دَحْشْ. ولما أبو الجود حكى لي القصة ترك موضوع الحب وصار يناقش موضوع الجحش.
قال الأستاذ مجيد وقد بلغ قمة الاندهاش: من أيَّ زاوية ناقشُه؟
قال كمال: من زاوية إنه الواحدْ ممكن يقبل العرض، ويقول لصديقه (طيب، أنا مستعد أحبكْ. اشتري لي جحش). وصاحب العرض تاني يوم بيروح على بازار الخميس في معرتمصرين وبيشتري جحش، وبيزور صديقُه وبيناولُه الجحش. بهالحالة الرجل اللي تلقى الهدية راح يوقع في مأزق، ولازم يجيب على مجموعة أسئلة منها: وين ممكن يربط الجحش؟ ومن وين بده يجيب له طعام؟ وإذا نهق أيش ممكن يقولوا الجيران؟ يعني هاي الحالة بتشبه حالة المتل اللي بيقول (النصيحة بجَمَلْ).. فإذا واحد نصحك وطلعت النصيحة ناجعة، وإنته عطيتُه جَمَلْ، أيش ممكن يتصرف خصوصاً إذا كان بيته في بناية ذاتْ طوابق؟


قال أبو إبراهيم: إذا بدك تمشي مع أبو الجود وتسمع التعليقات الفرعية الخاصة فيه أكيد بتنسى الموضوع الأساسي. يا ريت هلق نرجع للقصة الأصلية ونسمع تتمتها.
قال أبو الجود: أنا وصلت للشهادة الإعدادية وعلقت فيها متل حمار ضعيف علق بالوحل.. ومَضّيت شي أربع سنين وأنا مرة بسقط بالعربي، ومرة بالإنكليزي، ومرة بالديانة، ومرة بالفيزيا.. لحد ما أبوي قرر يوقف الـ.. الـ.. أشو اسمها بالعربي يا أستاذ مجيد؟
قال مجيد بالفصحى: أرادَ أبوكَ أن يوقفَ هذه المهزلة!
قال أبو الجود: نعم. وبوقتها أمسكْ بخوانيقي وقال لي: علي الطلاقْ من والدتك إذا بتروح ع المدرسة بدي أكسر رجليك. وأنا خفت يكسر رجليّ، وأروح على طبيب العظمية منشان عملية تجبير الكسور والطبيب يطلب مصاري وأنا متلما بتعرفوا ما معي مصاري.
ضحكنا، وقال له أبو جهاد: خفت على رجليك وما خفت على والدتك إنها تصير مطلقة؟
قال: أنا طول عمري ما تعاطفت مع والدتي، لأنها كانت سبب تعاستي لما تزوجت وحبلت جابتني ع الدنيا حتى إتبهدل. المهم في الموضوع، أبوي ما اكتفى بأنه خلاني أتركْ المدرسة.. قرر فجأة إنه يزوجني. ولحتى ما ياخد قرارْ ويندم عليه، راح لعند رفيقُه أبو حمدان، وعرض عليه الفكرة وقال له: عطيني رأيك.. إذا زوجناه مو أحسن ما يبقى داشر متل جْحَاشْ الحَجَّارين؟
أبو حمدان ما طلع عن موضوع الجحاش والحمير، قال لأبي: إبنك متل الجحش اللي حطوه على آلة متح المياه من الجب. هالجحش مشي خطوتين وتعب ووقع على الأرض قبل ما تطلع المي من الجب. ركض واحد من الناس وقال: الجحش داخ رشوا لُه مَي على وجهه؟ فقال صاحب الجحش: لو كان طَلَّعْ مَي من الجب كنا رشينا لُه.
ملاحظة: أعجب الجميع بالحكاية. وقال أبو الجود: في السهرة القادمة بحكي لكم حكاية زواجي العجيبة.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...