النجار يختبئ في الخزانة

27 ابريل 2018
+ الخط -
كان محمود يحكي لأمه حكاية واقعية بطلُها والد رفيقه في المدرسة، واسمه عبد الحميد. قال: 

- لقد وسوس الشيطان الرجيم في صدر السيد عبد الحميد، وأفهمه أن أفضل طريقة للعيش في سورية الأسد هي أن تبتعد عن السياسة، وتقعد في بيتك وتغلق الباب، ولا أبوك ولا أبو الشيطان! والرجل سمع الكلام، وامتثل، وقعد في البيت لا يغادره إلا خلال الضرورات القصوى. ولأن عبد الحميد كان مولعاً بتناول الرز والملوخية مع الدجاج، والوقت عنده طويل، فقد صار يتولى بنفسه عملية طهي الرز والملوخية، بشكل يومي تقريباً، ولكنه، ذات ليلة، قبيل الفجر، فوجئ برفس على الباب يشبه رفس البغال الشموسة، فلما فتحه وجد أمامه دورية مؤللة من الأمن العسكري، شحطه عناصرُها إلى الفرع، وهناك ضربوه، كما تُضرب البغال، وسبوه مع التركيز في السباب على أمه، مع سؤال كرره عليه جميع المحققين، هو: 

- لماذا تجلس في بيتك، يا واطي، يا حقير، ليلاً نهاراً، وتغلق على نفسك الباب؟! اعترف أحسن لك. ماذا تفعل في البيت طيلة هذه الأيام؟ ومَنْ هي الجهة التي تتصل بك؟ وأنت بمن تتصل للتآمر على بلدنا الصامد المعطاء وقائدنا التاريخي المفدى؟ 

وحينما قال لهم إنه كان يمضي الوقت في طهي الرز والملوخية بالدجاج، باعتبارها أكلته المفضلة، ضحكوا حتى وقعوا على الأرض، وقال له رئيس قسم التحقيق: 

- أنت تُذَكِّرُني بحكاية النجار الذي استدعته إحدى السيدات إلى بيتها لكي يُصلح لها فردةَ الخزانة الخاصة بالملابس، قالت له حينما حضر إن الخزانة تهتز وتصدر صوتاً ويتخلع بابُها كلما مر القطار على السكة القريبة من البيت.

قال النجار: هل أنتِ متأكدة مما تقولين؟

قالت: تفضل، اجلس داخل الخزانة وانتظر حتى يمر القطار، ووقتها سوف تتأكد من أنها تهتز أثناء مرور القطار بنفسك. 

فلما جلس في جوف الخزانة دخل زوجُ المرأة، عائداً من عمله لأنه نسي علبة سجائره في البيت، وفوجئ إذ رأى زوجته مضطربة تنظر نحو الخزانة، ففتح بابها، ووجد النجار جالساً في داخلها وسأله: ماذا تفعل هنا؟ 

فضحك النجار وقال له: هل تصدقني إذا قلت لك إنني جالس هنا أنتظر القطار؟! 

وتابع محمود روايته فقال: 

- الخلاصة، يا أمي العزيزة، لو كان عبد الحميد ينزل إلى الشارع، ويتصل بفلان وعلان وعلاك البان، لأصبح لديه جواب على هذه الأسئلة التي ما فتئ عناصر الأمن العسكري يضربونه ويعذبونه لأجل الإجابة عليها، حتى مات.

شهقت أم محمود وقالت: مات؟

قال محمود بلامبالاة: مات وأحضروه إلى زوجته، والدة رفيقي، ضمن تابوت! 

كررت أم محمود، وهي تتقدم منه، وقالت: 

- عم تحكي جد ولَكْ محمود؟ مات مات؟

فقال: أي مات. لماذا أنت مندهشة؟ أهو أول رجل يموت تحت التعذيب في هذه البلاد المناضلة؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...