الفتى الأهبل نبيه طباخاً ماهراً

28 فبراير 2017
+ الخط -
ذات مرة، في أيام الحصاد، ذهب أبو أحمد وزوجته وأبناؤه وكناتُه وأحفادُه إلى الحصاد في الصباح الباكر، متعمدين ترك "نبيه" في الدار لقناعة راسخة لديهم مفادها أنهم لو اصطحبوه معهم إلى الحصاد لخرَّبَ أكثر مما يمكن أن يعمر.

وفي ضحى النهار، استيقظ "نبيه" من نومه، ووجد الجو خالياً، فشرع رأسُه الكبير الأجوف يتفتق عن أشياء هي غاية في الطرافة والخطورة، فقد حمل أصص الزريعة التي صففتها أمه بمحاذاة الجدران في أرض الديار ووضعها على صف واحد فوق السور الأمامي للعليّة، ثم أحضر كمية كبيرة من "قرم" الحطب ودسها في الأثفية، ووضع فوقها الكثير من القش اليابس، ثم أشعل النار، وأحضر أكبر طنجرة موجودة في المطبخ، ورفعها فوق الأثفية، وحمل قادوسين مملوءين بالماء وأفرغهما فيها، ثم دخل إلى غرفة المؤونة وأحضر حوالي رطلين من البرغل، ورطلاً من العدس ووضعهما في الطنجرة، ثم حمل تنكة زيت الزيتون النصفانة وأفرغها فوق تلك التشكيلة العجيبة من المواد الغذائية.

وبعد ذلك أحنى جسده حتى أصبح فمه مقابل فتحة الأثفية، وراح ينفخ فيها كل نفخة أقوى من الزوبعة، والنار تتأجج، والماء يبقبق والزيت يصدر وشيشاً حاداً..!

ثم إنه تذكر أمراً ما، فهرع إلى غرفة المؤونة وأحضر حوالي عشرين بصلة ألقاها جميعها في الطنجرة دون تقشير، فراحت البصلات تنط إلى الأعلى وتنزل مثل العوامة حينما تقلى بالزيت المحمى، وحينما بدأت النار تنتقل من الأثفية إلى كومة الحطب والقش الموجودة بجوارها لعب القدَرُ لعبته الرحيمة، إذ شم الجيران رائحة الحريق فتدخلوا وأنقذوا الموقف. 

في المساء سأله أبوه وهو يكاد يتميز من الغيظ عن سبب فعلته النكراء، فقال:

- أبداً، ولالا شي، بس كنت مفكر أطبخ مجدرة وأتغدى منها!

فما كان من أبيه إلا أن رفع الحطاطة عن رأسه، وأمسك بشعره وصار يشده بقوة وخرج من الباب وهو يصيح:

- يا ناس يا عالم يا هو أناشدكم بالله ومحمد رسول الله شوروا علي، ماذا أفعل بهذا الولد المجنون؟ أأقتله أم أقتل نفسي وأرتاح من هذه العيشة؟ دليلي احتار والله.


----------------

سيرة مسلسلة ــ يتبع   

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...