الدكتور يخطط لإجراء مقلب مضحك

01 يونيو 2020
+ الخط -
استأنف الأستاذ كمال في لقاء "الإمتاع المؤانسة" الأخير الحديث عن الممرض الظريف "سلمون" الذي تناوله أستاذُنا حسيب كيالي بقصة قصيرة ظريفة.. كمال نظر إلى القصة من زاوية مختلفة عن الزاوية التي استخدمها الأستاذ حسيب، أو لنقل إن كمال أراد أن يتوسع في وصف هذه الشخصية الهزلية، فقال إن كل أهالي مدينة إدلب وأريافها الذين يدخلون عيادة الدكتور عبد السلام كانوا يستغربون بقاء الممرض سلمون في عمله، على الرغم مما يسببه للدكتور والزبائن من إرباكات، ويتوقعون أن يطرده الدكتور من العمل في أية لحظة.

وأضاف كمال:
- الناس كانوا مفكرين إنه الدكتور عبد السلام بيعرف الفصول اللي عم يساويها سلمون في غيابه، الحقيقة إنه ما بيعرف، والدليل إنه كان يستغرب ليش لما الناس يسلموا عليه وهني مبتسمين. وهوي صار يفكر بشكل إيجابي، ويقول لحاله:
- وين المشكلة إذا كانوا الناس مروقين ومبسوطين ومتفائلين؟ هيك أحسن.

لكن في يوم من الأيام أجا لعنده صديقُه أبو شكري، وقال له:
- يا دكتور أنا قاصد رب العالمين وقاصدك بشغلة، وأنا متأكد إنك ما راح تخجلني، لأنك إنسان معروف بكونك إنسان طيب وكريم ومحترم، وبتتعامل مع الناس بمحبة، منشان هيك تلات أرباع أهل البلد بيجوا عَ عيادتك، وبيتعاينوا عندك، وبيوثقوا بعلمك، وحكمتك.

لم يلاحظ الدكتور عبد السلام نبرة مزاح أو تقريق في كلام أبو شكري، لذا جاوبه بمنتهى الجد قائلاً:
- تحت أمرك خاي أبو شكري. يا ريت تحكي معي بدون مقدمات وتقلي بوضوح، أيش لازمك؟


أبو شكري: بدي بكرة أجيب أبوي لعندك ع العيادة منشان تعمل له كَمْ عملية جراحية في بطنه، وبدي إياك تتوصى فيه، لأنه هوي رجال ختيار وجسمه ما بيتحمل. لا تسألني عن نوع العمليات، إنته افتاح بطنه، وأشو ما لقيت عنده شغلات مالا لزوم شيلا، وبطريقك، إذا ما فيها لبكة، أبوي عنده فتاقة مزمنة، كلما قلت له (يا ياب روح استأصلها) بيقلي: لك إبني أنا رجال ختيار وما عادت تحرز.. هلق يا دكتور لما إنته بتكون فاتح بطنه بيكون هوي مبنج (مخدر)، ومو عرفان أيش عم يصير، بقى بترجاك شيل الفتاقة، واستأصل له كمان الزائدة والمرارة، لأن الشغلة صايرة وصايرة!

الدكتور عبد السلام عندما سمع هذه الكلام من صديقه أبو شكري اندهش، لأن كل الناس في المنطقة يعرفون أنه طبيب عام، وليس جراحاً، بل إنه يكره منظر الدم، وأيقن أن أبو شكري يمزح، سيما وأن والد أبو شكري الذي قال إنه سيحضره غداً إلى العيادة متوفى منذ بضع سنوات. أراد أن يقول ذلك، فسارع أبو شكري ليقول:
- بس بشرط. ما بدي الممرض تبعك سلمون يرجّع المصارين والحباشات تبع والدي كل شي لمحله ويخيّط الجرح. بصراحة؟ سلمون مانُه نضايفي، ممكن الوالد يصير معه تسمم.

الدكتور عبد السلام في الحقيقة يحب شخصية الممرض سلمون ويستطرفها، وحينما يمر اسمُه في سياق مزحة أو طرفة يضحك تلقائياً. وعندما كان أبو شكري يتحدث عن قيام سلمون بعملية خياطة البطن ارتسمت في مخيلته صورة سلمون وهو مرتدٍ ثيابَ الجراحين الخضراء المعقمة، ويضع الكمامة الواقية على وجهه، ومنهمك في خياطة بطن مريض، ففرط من الضحك وقال لأبو شكري:
- سلمون بيرجع المصارين وبيخيّط؟ من وين أجتك هالفكرة الغريبة؟

أبو شكري: هيي الفكرة غريبة صحيح، لكن مانها خيالية. ممرضك سلمون ما ترك حدا في البلد وما شكا له منك، عم يقول إنك طول النهار بتفتح بطون المرضى، وهوي عم بيتلبك بترجيع كل شي لمحله وخياطة البطن! ويا ريت يا دكتور تعطيه تعويضات أو مكافآت لقاء هالمجهود الاستثنائي، يعني بصراحة؟ حضرتك عم تستغله! كمان في شغلة تانية كتير مهمة. أنا البارحة شفت سلمون وحكى لي كيف طردوه من المستشفى الوطني، وصار دخوله عالمستشفى خط أحمر.

عبد السلام: طول بالك أبو شكري. سلمون شو علاقته بالمستشفى الوطني كمان؟ هوي أصلاً بيداوم بعيادتي من الساعة تمانية، وما بينصرف قبلما يأدن المغرب.

أبو شكري: أشو عم تحكي؟ عم يقول سلمون إنه هوي بيروح ع المستشفى الوطني تلات أيام في الأسبوع، سبت وإتنين وأربعاء، لأن بهالأيام التلاتة إنته بيكون عندك عمليات جراحية، ولما إنته تعاقدت مع المستشفى منشان العمليات اشترطت عليهم إنه يكون الخياط اللي بده يساعدك هوي سلمون، إدارة السمتشفى عرضت عليك عدد من الممرضين المختصين الموظفين أساساً في المستشفى وإنته رفضت، وقلت ما بقبل حدا يلمس المرضانين تبعي غير سلمون. الشرط الأساسي أنك إنته بتشق وسلمون بيخيط.

ضحك الإثنان، وقال الدكتور:
- لكان هيك عم يصير وأنا ما عندي خبر؟ إنته بتعرف يا أبو شكري، وكل أهل إدلب بيعرفوا إني أنا طبيب عام، وما بسترجي إمسك المشرط وأعمل عملية جراحية حتى ولو كانت بسيطة، وسلمون بيشتغل عندي بتنضيف العيادة، يعني آذن، ومع ذلك لما كنت عم تحكي لي كنت عم إتخيل حالي وأنا واقف بغرفة العمليات وحوالي شي خمس مساعدين، وسلمون عم يخيط الأماكن اللي أنا تدخلت فيها جراحياً. يا أخي صحيح سلمون كذاب، لاكن عن جد هادا إنسان مبدع. على كل حال أنا متشكرك لإنك حكيت لي هالقصة . بكرة بدي أعمل في سلمون مقلب بيعجبك ع المظبوط. بتشترك معي؟

أبو شكري: أنا جاهز عند عيونك دكتور.

عبد السلام: طيب لكان راح أجيب ورقة وقلم، ومنرسم أنا وإنته خطة محكمة ومنعمل في سلمون مقلب تاريخي!

(للقصة بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...