02 سبتمبر 2024
الإرهابيون لا يحششون
روى أبو الجود في مطلع جلسة الإمتاع والمؤانسة حكاية مشوقة؛ ملخصها أن صديقه أبا عبوش كان يقود موتوسيكله وهو شارد، فدخل في باب دائرة حكومية، ودخل بعد ذلك السجن، وفيما بعد (دخل بالحيط)، إذ تحولت قضيتُه التي تبدو عادية إلى "قضية أمن دولة"..
وكانت طريقة التحول في مسار القضية جد هزليّة، فالرفيق محمود عضو قيادة فرع الحزب تساءل بحضور رئيس فرع مخابراتي:
- يا ترى هالشغلة ممكن تكون وقعت بالصدفة، يعني قضاءْ وقَدَرْ، ولّا عملية انتحارية فاشلة؟
صاح رئيس الفرع على طريقة أرخميدس:
- وجدتُها. أكيد هاي عملية انتحارية! أنا هلق ما عندي شك بإنه راكب الموتوسيكل اللي دخل بالمؤسسة الحكومية عضو بمنظمة إرهابية، وهاي المنظمات عم تشكلها وتدعمها دول التآمر على سورية لضرب اللحمة الوطنية التي تحققت في ظل القيادة التاريخية للأب القائد حافيييظ الأسد.
شعر أبو الجود، وهو يشفط من كأس الشاي الديري الثقيل، بأن القصة تشعبت فقال:
- ما بدي أخلط عَبَّاس بدباس، ولا بدي أفوتكم بالحيط متلما فات صاحبي أبو عبوش. أحسن شي إني نكمل القصة من محل ما وقفنا. يا سيدي، لما أبو عبوش سأل السجين العتيق "أبو دباح" عن الحكم اللي ممكن يصدر بحقه بعدما دخل بموتوسيكله بباب الدائرة الحكومية، قال أبو دباح وهوي عم يتمسخر: مو أكتر من شهر..
وضحك، وأوعز للمساجين يضحكوا.. وفي هاللحظة رفع إيده لفوق وخبط فيها على راس أبو عبوش خبطة قوية وقال له:
- ناشدتك بالله، وإيدي على راسك، هدول المساجين الفراطة المهرهرين اللي شايفهم قدامك جدبان ولا مو جدبان؟
خجل أبو عبوش وقال: والله يا معلم أنا ما بعرف، كل الناس خير وبركة.
فقال أبو دباح: صدقني جدبان. بقلك ليش؟ لأنه أنا هلق طَبّيت نكتة، وضحكوا، مع إنه تلات أرباعهم ما فهموا النكتة. بس هني مجبورين يضحكوا لأني أنا اللي طبيت النكتة.. بتعرف لو ما ضحكوا أشو كنت بعمل فيهم؟ كنت شفتني هلق طالع فوقهم وعم أعجّق عليهم برجلي اللي أكبر من المخباط. والدتي الله يرحمها كانت تشتري الحصرم من السوق وتجيبه ع البيت وتعبيه بكيس خام، وتربط الكيس وتقلي: تعا ولاك أبو رجل المخباط، عَجّق فوق الكيس حتى ينعصر. وكنت إطلع وعجق عالكيس لحتى ينعصر. بتعرف ليش أنا بضرب مين ما بدي من المساجين أو بعجق عليه متل كيس الحصرم؟
قال أبو عبوش: لا والله ما بعرف، ليش؟
قال: لأنه اللي بيكون متلي محكوم خمسطعش سنة ما بيهمه إذا بيصير حكمه خمسطعش سنة وشهرين، أو خمسطعش سنة ونص.. إخ كخ كخ ترخ..
في هذه الأثناء دخل عالقاووش شرطي، سلم عالحاضرين، وسحب "أبو عبوش" من يده وقال له:
- بعد إذن الشباب، بدي إحكي معك كلمتين على انفراد..
وبعدما ابتعدوا شي عشر أمتار لاحظ المساجين إنه الشرطي عم يحكي وأبو عبوش عم يكش ويقصر متل قماش الـ "تْشِيت" اللي كانت أمي تخيّط لنا منه تياب نوم. وكلما توسخت البيجاما وغسلتها أمي تكش وتقصر، لحتى صرنا نلبس البنطرون ونطلع ع الشارع فيصيحوا رفقاتنا: يا عيب الشوم بيطلعوا ع الشارع بالكلسون!
قال أبو زاهر: أكيد الشرطي عم يحكي له إنه قضيته صارت "أمن دولة". صح؟
قال أبو الجود: أي نعم. ومن كتر ما كش صاحبنا أبو عبوش وقع ع الأرض، هون دبت النخوة العروبية براس أبو دباح فأوعز لتنين من المساجين أنهم يسحبوه لجوة، وكل واحد منهم مسك أبو عبوش من رِجْل وسحبوه لحتى صار قدام أبو دباح اللي قال له:
- شد حيلك عين عمك. احكي لي أشو وجعك، وما في شي عندنا في هالقاووش ما إله حل.
أبو عبوش حكى للمساجين قصة العملية الانتحارية اللي بدهم يتهموه فيها، فقال له أبو دباح: شغلتك عَلْكة وشَحْطة.
قال له: ما فهمت.
قال أبو دباح:
- إنته يا عين عمك ما فهمت لأنك مْخَرْيِطْ، يعني خوفان، والزلمة لما بيخاف بيوقف مخه وما عاد يشتغل. طيب أنا بدي إسألك سؤال، هدول الجماعات اللي بيعملوا عمليات انتحارية وبيدخلوا بالحيطان، بيحششوا؟
قال له أبو عبوش: مستحيل يحششوا، هدول السيجارة العادية ما بيدخنوها.
قال له: خلص. اعتبر مشكلتك محلولة.
قال أبو محمد: أبو الجود قال إنه ما بده يخلط عباس بدباس وما بده يدخلنا بالحيط، ومع هيك أنا فتت بالحيط. بدي إفهم أيش دخل الحشيش بحل المشكلة؟
قال أبو الجود: بالأول ما كان أبو عبوش بيعرف. بس اللي صار بعدين خَلَّاه يفهم كل شي. هاي الشغلة يا سيدي صارت يوم الإتنين، يوم التلاتا كان موعد الزيارات، وبلش الصَيَّاح كل شوي يصيح اسم سجين، والسجين يقول "حاضر"، ويطلع لبره، يوقف على الشَبَك، ويحكي مع أهله، والأهل كانوا يجيبوا للسجين مأكولات من اللي بيعملوها ستات البيوت، متل السنبوسك والكبب والكوارع، وفي ناس بيكونوا مشغولين، فبيشتروا أشياء جاهزة متل الفراريج المشوية أو بيعملوا صفايح بلحمة أو لحم بعجين أو عش البلبل، وبتجي كمان أكياس تفاح وبرتقال وموز وكرمنتينا.. المهم، بعدما انتهوا عناصر الشرطة من تفتيش الأطعمة، سلموها للمساجين.. هون دخلوا الشباب بمرحلة التفتيش التانية، اللي هيّ إنه المساجين بيعملوا بحث في جوف أقراص السنبوسك ودعابيل الكبة المقلية، وفي أسفل صحون المهلبية، وبيستخرجوا منها صرر الحشيش اللي بيكونوا أهالي المساجين بعتوها لأبنائهم، لأنه مو حلوة إنه هدول يعيشوا في سجن وتنحجز حريتهم وما يكونوا مكيفين!
بعد ما انتهت عمليات حصول المساجين على صرر الحشيش، كان أبو عبوش قاعد في طرف القاووش ومتكوم متل شجرة عتيقة مكسرة. قال له أبو دباح:
- إنته يا أخي أبو عبوش لازم تدخن سيجارة حشيش قدام المساجين. علناً.
صار جسم أبو عبوش كله يرجف وقال له: أنا ما بدخن حشيش. أبوي في قبره بيغضب علي إذا دخنت.
قال أبو دباح: هلق اتركنا من أبوك. إنته مو متهم بإنك عضو في مجموعة جهادية انتحارية؟
قال: بلى.
قال أبو دباح: بتدخن سيجارة حشيش وحدة، وكل هدول المساجين بيشهدوا إنك واحد حشاش، وبوقتها مستحيل حدا يتهمك إنك عضو في تنظيم جهادي، لأنه الجهاديين ما بيحششوا. وفضت يا عرب.
(للقصة بقية)
صاح رئيس الفرع على طريقة أرخميدس:
- وجدتُها. أكيد هاي عملية انتحارية! أنا هلق ما عندي شك بإنه راكب الموتوسيكل اللي دخل بالمؤسسة الحكومية عضو بمنظمة إرهابية، وهاي المنظمات عم تشكلها وتدعمها دول التآمر على سورية لضرب اللحمة الوطنية التي تحققت في ظل القيادة التاريخية للأب القائد حافيييظ الأسد.
شعر أبو الجود، وهو يشفط من كأس الشاي الديري الثقيل، بأن القصة تشعبت فقال:
- ما بدي أخلط عَبَّاس بدباس، ولا بدي أفوتكم بالحيط متلما فات صاحبي أبو عبوش. أحسن شي إني نكمل القصة من محل ما وقفنا. يا سيدي، لما أبو عبوش سأل السجين العتيق "أبو دباح" عن الحكم اللي ممكن يصدر بحقه بعدما دخل بموتوسيكله بباب الدائرة الحكومية، قال أبو دباح وهوي عم يتمسخر: مو أكتر من شهر..
وضحك، وأوعز للمساجين يضحكوا.. وفي هاللحظة رفع إيده لفوق وخبط فيها على راس أبو عبوش خبطة قوية وقال له:
- ناشدتك بالله، وإيدي على راسك، هدول المساجين الفراطة المهرهرين اللي شايفهم قدامك جدبان ولا مو جدبان؟
خجل أبو عبوش وقال: والله يا معلم أنا ما بعرف، كل الناس خير وبركة.
فقال أبو دباح: صدقني جدبان. بقلك ليش؟ لأنه أنا هلق طَبّيت نكتة، وضحكوا، مع إنه تلات أرباعهم ما فهموا النكتة. بس هني مجبورين يضحكوا لأني أنا اللي طبيت النكتة.. بتعرف لو ما ضحكوا أشو كنت بعمل فيهم؟ كنت شفتني هلق طالع فوقهم وعم أعجّق عليهم برجلي اللي أكبر من المخباط. والدتي الله يرحمها كانت تشتري الحصرم من السوق وتجيبه ع البيت وتعبيه بكيس خام، وتربط الكيس وتقلي: تعا ولاك أبو رجل المخباط، عَجّق فوق الكيس حتى ينعصر. وكنت إطلع وعجق عالكيس لحتى ينعصر. بتعرف ليش أنا بضرب مين ما بدي من المساجين أو بعجق عليه متل كيس الحصرم؟
قال أبو عبوش: لا والله ما بعرف، ليش؟
قال: لأنه اللي بيكون متلي محكوم خمسطعش سنة ما بيهمه إذا بيصير حكمه خمسطعش سنة وشهرين، أو خمسطعش سنة ونص.. إخ كخ كخ ترخ..
في هذه الأثناء دخل عالقاووش شرطي، سلم عالحاضرين، وسحب "أبو عبوش" من يده وقال له:
- بعد إذن الشباب، بدي إحكي معك كلمتين على انفراد..
وبعدما ابتعدوا شي عشر أمتار لاحظ المساجين إنه الشرطي عم يحكي وأبو عبوش عم يكش ويقصر متل قماش الـ "تْشِيت" اللي كانت أمي تخيّط لنا منه تياب نوم. وكلما توسخت البيجاما وغسلتها أمي تكش وتقصر، لحتى صرنا نلبس البنطرون ونطلع ع الشارع فيصيحوا رفقاتنا: يا عيب الشوم بيطلعوا ع الشارع بالكلسون!
قال أبو زاهر: أكيد الشرطي عم يحكي له إنه قضيته صارت "أمن دولة". صح؟
قال أبو الجود: أي نعم. ومن كتر ما كش صاحبنا أبو عبوش وقع ع الأرض، هون دبت النخوة العروبية براس أبو دباح فأوعز لتنين من المساجين أنهم يسحبوه لجوة، وكل واحد منهم مسك أبو عبوش من رِجْل وسحبوه لحتى صار قدام أبو دباح اللي قال له:
- شد حيلك عين عمك. احكي لي أشو وجعك، وما في شي عندنا في هالقاووش ما إله حل.
أبو عبوش حكى للمساجين قصة العملية الانتحارية اللي بدهم يتهموه فيها، فقال له أبو دباح: شغلتك عَلْكة وشَحْطة.
قال له: ما فهمت.
قال أبو دباح:
- إنته يا عين عمك ما فهمت لأنك مْخَرْيِطْ، يعني خوفان، والزلمة لما بيخاف بيوقف مخه وما عاد يشتغل. طيب أنا بدي إسألك سؤال، هدول الجماعات اللي بيعملوا عمليات انتحارية وبيدخلوا بالحيطان، بيحششوا؟
قال له أبو عبوش: مستحيل يحششوا، هدول السيجارة العادية ما بيدخنوها.
قال له: خلص. اعتبر مشكلتك محلولة.
قال أبو محمد: أبو الجود قال إنه ما بده يخلط عباس بدباس وما بده يدخلنا بالحيط، ومع هيك أنا فتت بالحيط. بدي إفهم أيش دخل الحشيش بحل المشكلة؟
قال أبو الجود: بالأول ما كان أبو عبوش بيعرف. بس اللي صار بعدين خَلَّاه يفهم كل شي. هاي الشغلة يا سيدي صارت يوم الإتنين، يوم التلاتا كان موعد الزيارات، وبلش الصَيَّاح كل شوي يصيح اسم سجين، والسجين يقول "حاضر"، ويطلع لبره، يوقف على الشَبَك، ويحكي مع أهله، والأهل كانوا يجيبوا للسجين مأكولات من اللي بيعملوها ستات البيوت، متل السنبوسك والكبب والكوارع، وفي ناس بيكونوا مشغولين، فبيشتروا أشياء جاهزة متل الفراريج المشوية أو بيعملوا صفايح بلحمة أو لحم بعجين أو عش البلبل، وبتجي كمان أكياس تفاح وبرتقال وموز وكرمنتينا.. المهم، بعدما انتهوا عناصر الشرطة من تفتيش الأطعمة، سلموها للمساجين.. هون دخلوا الشباب بمرحلة التفتيش التانية، اللي هيّ إنه المساجين بيعملوا بحث في جوف أقراص السنبوسك ودعابيل الكبة المقلية، وفي أسفل صحون المهلبية، وبيستخرجوا منها صرر الحشيش اللي بيكونوا أهالي المساجين بعتوها لأبنائهم، لأنه مو حلوة إنه هدول يعيشوا في سجن وتنحجز حريتهم وما يكونوا مكيفين!
بعد ما انتهت عمليات حصول المساجين على صرر الحشيش، كان أبو عبوش قاعد في طرف القاووش ومتكوم متل شجرة عتيقة مكسرة. قال له أبو دباح:
- إنته يا أخي أبو عبوش لازم تدخن سيجارة حشيش قدام المساجين. علناً.
صار جسم أبو عبوش كله يرجف وقال له: أنا ما بدخن حشيش. أبوي في قبره بيغضب علي إذا دخنت.
قال أبو دباح: هلق اتركنا من أبوك. إنته مو متهم بإنك عضو في مجموعة جهادية انتحارية؟
قال: بلى.
قال أبو دباح: بتدخن سيجارة حشيش وحدة، وكل هدول المساجين بيشهدوا إنك واحد حشاش، وبوقتها مستحيل حدا يتهمك إنك عضو في تنظيم جهادي، لأنه الجهاديين ما بيحششوا. وفضت يا عرب.
(للقصة بقية)