إمتاع ومؤانسة في عيد الحب (1/2)

14 فبراير 2021
+ الخط -

اقترحت السيدة حنان أن نتوقف عن سرد حكاية المجنون "خود عني جيتك"، مؤقتاً، بسبب قدوم يوم 14 فبراير، ونحكي عن عيد الحب. وبعد أن لاحظت وجودَ رضا وقبول لدى الساهرين قالت: الحكي عن الحب اختياري. يعني اللي خاض قصة حب مع زوجته، أو دخل بتجربة حب فاشلة قبلما يتزوج، ممكن يحكي لنا عنها.

أبو إبراهيم: ست حنان إنتي بتعتبري قصة الحب اللي ما بتتوَّج بالزواج فاشلة؟

حنان: مو أنا اللي بعتبرها فاشلة، كل رجل (أو مَرا) لما بيحكي عن التجربة اللي مر فيها وما انتهت بالزواج بيقول (أنا بزماني خضت قصة حب فاشلة). ما بعرف، يمكن تكون قصة الحب اللي انتهت بالزواج هيي الفاشلة. شو رأيك إنتي أم الجود؟

ضحكت أم الجود وقالت: عم تسأليني أنا؟ والله بحياتي ما صار معي هيك شي. اسألي أبو الجود.

أبو الجود: أنا عمري هلق 66 سنة، مضيت منها 58 سنة في قرية البلاطة، والسنوات التمانة الأخيرة مضيتها هون في إسطنبول. خلال 58 سنة الأولانية ما سمعت حدا بكل قرية البلاطة عم يجيب سيرة الحب. لا بالتصريح ولا بالتلميح. بدكم الصراحة؟ يمكن أهل البَلَّاطة إذا شافوا واحد شايل في جيوبه حشيش، أو هيروئين، بيكون ذنبه عندهم أقل من الشخص اللي بيجيب سيرة الحب!

أبو محمد: كلام أبو الجود صحيح 100%. البلاطة صار فيها كهربا في سنة 1975، وبعد مدة اشتروا الناس تلفزيونات، وصرنا يا سيدي نتفرج عالمسلسلات، ونسمع بشي اسمه حب. وكنا نستعجب من أهل مصر لما نشوفهم في الأفلام والمسلسلات عم يحكوا عن الحب بدون أي إحراج أو خجل، وكنا نسأل حالنا: شلون الشاب المصري ما بيحسن يعيش بدون حب؟ والشي الغريب إنه البنات في المسلسلات كمان بيقولوا بدنا نحب!

أبو الجود: أنا بعدما تسرحت من العسكرية جيت لعند أبوي وقلت له: هلق ما بقي لك حِجّة.. في الأول كلما قلت لك زوجني كنت تقلي لتخلص عسكريتك. وهلق خلصت العسكرية

أبو زاهر: قبل التلفزيون كنا نروح ع حلب وندخل ع السينما، وكانت الأفلام المصرية بتشبه بعضها. لما البنت في الفيلم بتحب، وأهلها ما بيسمحوا لها تتزوج الشاب اللي بتحبه، بتعمل إضراب عن الطعام، وعن معاشرة الناس، وبتقعد في أوضتها متل السجين القاعد في المنفردة، ما حدا بيدخل لعندها غير المربية الخاصة فيها (الدادا)، وهاي الدادا بتجيب لها الأكل، وبتقول لها: كلي لك لقمتين يا حبة عيني، دا إنتي من مبارحة ما دقتيش حاجة.. بترد عليها البنت: قلت لك يا دادا ماليش نِفْس.

أبو المراديس: صحيح، والمخرجين المصريين القدامى كانوا يختاروا المربية اللي بيسموها الدادا ممثلة عندها مشكلة في إخراج الحروف، ودائماً كنا نعتقد أنه عندها زكام، لما بتحكي بتلفظ الكلام بغنّة، وبتقول للشابة المضربة عن الطعام: ما يصحش كده يا بنتي يا رجاء، دا انتي بقى لك يومين على لحم بطنك يا ضناي. وعلى ذكر أبوها للبنت العشقانة، لما سعاد بتخبّر أبوها إنه "عماد زينهم" ح يجي يطلب إيدها منه، بيقول لها: عماد زينهم؟ مين الجربوع ده؟ ده أكيد طمعان بثروتي ومركزي.

بتقله: عماد مش جربوع يا بابا، ده زميلي خريج كلية التُجَارة.

فيصفعها ويقول: اخرسي قطع لسانك.

هادا الشي بيصير قبلما تضرب عن الطعام.

حنان: حلو الحديث عن الحب في السينما، بس أنا قصدت نحكي عن تجارب واقعية. معقولة كل الموجودين هون تزوجوا من دون حب حتى لو كان حب في السر؟

أبو الجود: ماني عرفان ليش الست حنان عم تحكي عن الحب وبتتطلع فيني وفي أم الجود.

أبو جهاد: أنا بقول لك. عم تتطلع فيك، وبتقول لحالها إنه معقول يكون هالوجه وجه حب؟ يا لطيف على هالمنظر، اللهم عافينا، ولما عم تتطلع على أم الجود بتقول لحالها ألله يكون بعونك على هالرجال اللي طالع بنصيبك!

حنان: لا يا أبو جهاد.. أنا ما بقول هيك. أبو الجود ع سلامته.

أبو الجود: أنا ما عندي مشكلة، حتى لو كنتي عم تفكري متلما قال أبو جهاد. بس أنا مفكر أعطيكم صورة واضحة عن "الحب" في قرية البلاطة. يا ستي الشرط الأساسي للزواج في البلاطة إنه ما يكون فيه مجرد معرفة بين الشاب والبنت.. والدليل إنه أول سؤال بتسألُه أم البنت لأم الشاب لما بتجي لتخطبها (دخلك، والمحروس إبنك من وين بيعرف بنتنا؟).. أم الشاب بتشهق، وبتقول: بيعرفها؟ كبري ع الشيطان، من وين بده يعرفها؟ مستحيل. وبتحلف لها يمين عظيم إنه بعمره ما وقع بصره عليها، وبتقول: بس نحن جايين نطلب له إياها لأني أنا وخالاته وعماته طول النهار منمدح له فيها، أنا أكتر من مرة قلت له إن هالبنت عاقلة، وغشيمة، وما بتعرف بالدنيا غير بيتها، ومطيعة، مهما صار بينك وبينها ما بترد لك جواب، بعدين شَغّيلة، لما بتعجن بتلاقيها أحسن من ماكينة العجين تبع فرن أبو ردوف، وبتخبز عَ التنور، وبتحلب العنزات، وبتعمل جبنة ودبيركة.. وخالته أم أمجد قالت له: عندها أم يا إبن أختي ما في متلها بكل البلاطة، مضت مع زوجها أربعين سنة ولا بعمرها استرجت تسأله سؤال واحد، والبنت ما شاء الله طالعة لأمها.

وبالأخير قال: يا أمي اخطبوا لي ياها.

أبو جهاد: يا أبو الجود أنت واحد عَلّاك. الجماعة طلبوا منك تحكي عن علاقتك إنته بعيد الحب. بلشت تحكي ع القرية.

أبو الجود: طيب. موافق. يا جماعة، بكل صراحة؟ أنا حبيت أم الجود!

بعثت هذه الجملة السرور بين الحاضرين، فقد جاءت بعكس المتوقع.

حنان: هلق وصلنا للجد. احكي لنا بقى، شلون حبيتها؟

أبو الجود: أنا بعدما تسرحت من العسكرية جيت لعند أبوي وقلت له: هلق ما بقي لك حِجّة.. في الأول كلما قلت لك زوجني كنت تقلي لتخلص عسكريتك. وهلق خلصت العسكرية.

قال لي أبوي: معك حق.

وقال لأمي: روحي يا فهمية دوري له في بيوت القرية على بنت تكون مو كويسة، واخطبي له ياها. أمي شهقت وقالت له: يَاي، وليش بقى مو كويسة؟

أبوي شهق متل أمي منشان يجاكرها وقال لها: الشغلة ما بدها كتير ذكا يا فهمية، إذا بنت كويسة ما بيعطوها لهالمسطول إبنك.

ضحك الحاضرون، وقالت حنان: على أساس أنت حبيت أم الجود، شايفة إنك رجعت تحكي عن الخطبة التقليدية.

أبو الجود: هوي أنا في الأخير حبيتها. إذا بتصبروا علي بتعرفوا شلون.

(يتبع)

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...