إمتاع ومؤانسة في عصر كورونا

24 مارس 2020
+ الخط -
اتخذت مجموعة "الإمتاع والمؤانسة" الإسطنبولية قراراً خطيراً بالعزل المؤقت إلى حين أن تمر أزمة كورونا على خير. والعزل لم يكن يعني إلغاء السهرة، وإنما نقلها من العالم المجسد إلى العالم الافتراضي، وقد قام الأستاذ كمال -مشكوراً- بإحداث مجموعة على "واتساب" أسماها "إمتاع ومؤانسة في عصر كورونا"، وبعد أن أضاف الأعضاء السابقين، استشارنا بخصوص إضافة زوجاتنا المحترمات إلى المجموعة، فرحبنا بالفكرة تجنباً لتكرار الحالة الذكورية التي كنا نسير عليها إلى وقت قريب..

رحب أبو زاهر بالفكرة، وقال إن زوجته التي كانت مستعصية في ألمانيا لأنها لم تستطع الحصول على فيزا للدخول، صار بإمكانها مشاركتنا عبر "واتساب". رد عليه أبو إبراهيم إن حالة الاستعصاء في أية دولة في العالم لم يعد له علاقة بالفيزا، فبمجرد ما بدأ وباء كورونا بالانتشار بدأت كل الدول تعزل نفسها عن العالم، وما حققته العولمة حينما حولت العالم إلى قرية صغيرة، ضربته كورونا وحولت العالم إلى قرى صغيرة منعزلة، واليوم توجد إحصائية تقول إن عدد المنعزلين في بيوتهم على مستوى العالم بلغ المليار..

وكتب أبو ماهر إن زوجة أخيه حضرت إلى تركيا لكي تجدد إقامتها السياحية، واستعصت هنا في إسطنبول، ولأنها وزوجها قد تجاوزا الـ 65 فقد عصيا في البيت أيضاً بسبب قرار الحكومة التركية منع المسنين من مغادرة منازلهم حرصاً على حيواتهم، وصار الواحد منهما قبل أن يخرج من البيت يمط رأسه إلى الخارج مثل الحردون الواقف على سور الحديقة ليتأكد من عدم وجود دورية شرطة قد تعترض سبيله وتسأله عن سبب خروجه..


المعترض الوحيد على قرار المؤانسة الافتراضية كان "أبو الجود". قال إن للقرار حسنة واحدة، وهي أنه سيخلصه من مرافقة أم الجود إلى السهرة، والآن، حتى ولو أضيفت أم الجود إلى المجموعة لن يضطر لرؤيتها أو مرافقتها أو مبادلتها الكلام، فكل واحد يستطيع أن يشارك في السهرة الافتراضية من مكان وجوده. وأضاف أن لكورونا ميزة صغيرة أخرى، وهي أنها أقنعت أم الجود بضرورة الابتعاد عنه، وكلما اقتربت منه يتظاهر بالسعال، أو يفاجئها بعطسة تجعلها تهرب وتتلفت وراءها، ثم تبدأ برش المعقمات، وأحياناً تستحم بالكامل بعد تلقيها العطسة، ثم توصل الطرفان،، بعد مناقشات طويلة وجدال، إلى أن يختص هو بالغرفة الصغيرة القريبة من الباب، على أن ترسل له أم الجود ما يلزمه مع أحد الأولاد.

كتب أبو محمد: هادا هوي أبو الجود، ما بيتغير. كل شغلة بيحسن يحولها لضحك.

كتب أبو الجود: بالعكس يا عمي أبو محمد، أنا عم بحكي جد، وهلق متلمانك شايف عم إحكي عن الإيجابيات، لأن ابتعادي كل هالمسافة عن أم الجود لصالحها هي بالدرجة الأولى، يعني هيي أيش بدها تستفيد من قربها مني؟ الله وكيلك أنا ما بصلح لشي، لا شغل ولا عمل، وطول النهار بدخن وبشرب شاي تقيلة، حتى الأولاد من بيستفيدوا من وجودي شي، وابتعادي عنهم فيه فائدة إلهم. وهلق، إذا بدكم إحكي عن سلبيات القرار أنا جاهز.

كتب كمال: أي والله، يا ريت تحكي. أشو رأيك بهالقرار؟

كتب أبو الجود: القرار مؤامرة دنيئة علي أنا بشكل خاص، ولا شك أنه بده يجيب أجلي في القريب العاجل.

كتب أبو جهاد: هالشي معناته إنه القرار إله فوائد. بيخلص الناس منك.

كتب أبو الجود: خلصتوا مني هلق على كل حال. أصلاً الكورونا متلما عم يقولوا في التلفزيون ما إلها دوا حالياً، ودواها الوحيد حالياً هوي المناعة، وقالوا إنه المناعة بتجي من التغذية الجيدة، وأنا من شدة الفقر عشت عمري كله بنصف مناعة، وبصراحة تامة أنا اكتسبت شوية مناعة خلال وجودي في إسطنبول بسبب الحضور معكم في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" لأن جنابكم لما بتدعونا للسهرة ما بتخلوا أكل طيب ومغذي إلا وبتجيبوه، من عدا الحلويات والشاي والسجائر.

كتب كمال إن تناول الحلويات يضعف جهاز المناعة، وشرب الشاي بعد الطعام مباشرة يمنع الجسم من امتصاص مادة الحديد الموجودة في الأطعمة، والتدخين بيسبب السعال والرشح والعطاس..

كتب أبو الجود: أنا ما بيهمني كل هالشي، لأني موضوع الموت ماني حاطه على بالي.. وبالنسبة للتدخين طول عمره عم يضرني وبيئذيني، وحاولت مراراً إني أبتعد عنه، وما نجحت.. أما هلق ما بتخلى عنه لأنه تحول لشيء مفيد إلي.

كتب أبو ابراهيم: ضحكتني غصباً عني يا أبو الجود. دخلك شلون اكتشفت إنه التدخين مفيد إلك؟

كتب أبو الجود: عم يخليني إعطس وقت اللي بدي. وبيحقق لي ابتعاد أم الجود عني.

كتبت أم الجود: لا تصدقوا يا جماعة، أبو الجود صحته منيحة، وهمته عالياً، وهوي ما بيمرض ولا بيرشح، وهلق قصة الكورونا صار لها أسبوعين ولحد هلق ما عطس. وعلى كل حال حتى لو عطس، أنا ما عندي مشكلة. لأني بحبه.

كتب أبو جهاد: مع احترامي إلك يا أختنا أم الجود إنتي إنسانة غريبة. عن جد في حدا بيحبه لهالمنحوس؟

تدخل كمال وكتب: يا ست أم الجود متلما بتعرفي كل أحاديثنا هون بتدخل في إطار المزح.

كتب أبو زاهر: أشو صار؟ وين راح أبو الجود؟

كانت مجموعة الواتس أب قد أرسلت ملاحظة: أبو الجود غادر. قام كمال بإضافته مرة أخرى. وشرعنا كلنا نوبخه ونبهدله. وإذا به يكتب:
- انتبهوا علي وركزوا معي. أول مبارحة إجا لهون ع اسطنبول صديقنا أبو عبدو من مدينة الريحانية. وأبو عبدو استأجر سيارة منشان يستخدمها في تنقلاته، ودعاني على مشوار باتجاه القسم الآسيوي، وأنا اتصلت بأبو مرداس وطلبت منه يرافقنا، فقال لي: ما بطلع. قلت له لكان بس نخلص مشوارنا منمر عليك. فقال لي بكل صراحة: لا تمروا علي. لأن هادا وباء الكورونا بيخوف، والشغلة ما بتتحمل مجاملات.

أنا هلق بدي أكون صريح معكم بنفس الطريقة. أخي، إذا بدكم إياني أكون معكم في هاي المجموعة، كل يوم بتبعتوا لي مية ليرة تركية، بشتري منها سندويشة شاورمة أو همبرجر، وعلبة سجاير، وشاي وقهوة، أنا جاهز، ومنبقى على حالنا.. إذا ما بتبعتوا لي مية ليرة تصطفلوا، تواصلوا مع بعضكم، وإذا منشان المرح والتسلية ما شاء الله عليكم، كل واحد منكم أذكى من التاني.. والسلام عليكم.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...