أطلق كلابك في الشوارع

15 مارس 2019
+ الخط -
خلال جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي تطرقتْ لموضوع السجون والمعتقلات السورية، أعطينا النصيب الأكبر من الحديث لابن بلدنا "أبو زاهر"، لأنه أمضى ست عشرة سنة في سجن تدمر الذي كُتِبَتْ في مدخله عبارة: يا داخل هذا المكان إنسَ الزمان. 

قال الأستاذ كمال، معلقاً على هذه الناحية: يعني لو كان معنا في هذه الجلسة سجناء سابقون أمضوا ثلاث أو أربع سنوات وحتى عشر سنوات في السجن يجدر بهم أن يقفوا باستعداد أمام "أبو زاهر" ويضربوا له سلام تعظيم!

ضحك الخال أبو جهاد وقال: من زمان، في سجن إدلب، صارت قصة بتضحِّكْ. إذا بتسمحوا لي بحكي لكم إياها من أولها. 

قلنا: تفضل.

قال: ابن عمي ماجد كان عم يسوق سيارتو الخاصة في حي القصور، فاصطدم بسيارة حكومية، وسبّب لها أضرار طفيفة. ولما أجت دورية شرطة السير، حاول ماجد أنو يحل المشكلة من دون كتابة ضبط، وأبدى استعدادو لدفع الأضرار اللي سببها للسيارة الحكومية، ولكن سائق السيارة اتصل بمديرو، وسألو أيش نعمل يا معلم؟ فقال المدير: اعملوا ضبط، لأنو البلد فيّا قانون. المهم، أحالوه لماجد عَ المحكمة، وانحكم شهر، ودخل سجن إدلب اللي كان قريب من ساحة هنانو، مقابل بناء مديرية التربية. ماجد مانو متعود عَ السجن، يعني هاي كانت أول مرة بيدخل، لذلك صار يقعد في طرف المهجع ويبقى وجهو حزين، ومهموم، وعايف حالو. وكان في المهجع واحد مرتكب تلات جرائم جنائية مع بعضُنْ، ومحكوم 20 سنة، التفت على ماجد وسألو: ولَكْ عين عمك، أنت شقد محكوم؟ قال ماجد: أنا عملت حادث سيارة وانحكمت شهر. فانفلت السجين بالضحك وقال له: تضرب أنت وحادث السيارة والشهر، عليّ الطلاق أنا بمضي الشهر في التواليت، وشرط يكون راسي لتحت ورجلاي لفوق!

ضحكنا على النكتة، وأردف أبو جهاد قائلاً: وهاد هوي حالنا نحن مع أبو زاهر.

قال أبو زاهر: ما في أحلى من السجناء اللي كل واحد منهم بيعرف المدة الزمنية اللي بدو يمضيها في السجن. يعني حتى اللي محكوم 20 سنة، إذا حصل في نهاية سجنو على عفو ربع المدة، بيبقى عليه أنه ينام 15 سنة ويطلع. وخلال الـ15 سنة أهلو بيزوروه، وبيشوفوا خلقتو الشريفة. وأما في سجن تدمر فكان في عنا مهجع اسمه مهجع البراءة. 

قال العم أبو محمد مندهشاً: شلون يعني مهجع البراءة؟

 

قال أبو زاهر: النظام السوري لما بيعمل حملة اعتقالات بيطلعوا عناصر الأمن إلى الشوارع بنفس الطريقة اللي حكى عنها "الشيخ إمام" لما خاطب الحاكم وقال له: اطلقْ كلابكْ في الشوارع. كلاب الأسد اللي بينطلقوا في الشوارع بياخدوا الناس بطريقة التحميل دوكما (يعني: لا على التعيين). وبعدما ينقعوهم في فروع الأمن، بينحالوا على فرع فلسطين، أو على فروع أخرى فيها نفس السوية من الإجرام، وأحياناً بيبعتوا قسم كبير منهم إلى سجن تدمر، وبالأخير بيوصلوا الجميع لمحكمة أمن الدولة. وفي معتقلين أصدرت محكمة أمن الدولة الفاشستية نفسها قرار بأنهم أبرياء، ومع ذلك لم يطلق سراحهم.

قال أبو نبهان: يا ساتر. وما طالعوهن؟

قال أبو زاهر: اكتشفنا بعدين أنو إطلاق سراح هالسجناء الأبرياء كان بيحتاج لموافقة خاصة من حافظ الأسد، وكان حافظ يتعمد تركهم في السجن لفترة طويلة، لأنو هوي في الأساس لما كان يسجن الناس بهاي الطريقة ما كان هدفو أنو يربيهن. 

قال أبو إبراهيم: يا أبو زاهر أنت هيك ضيعتنا. شلون ما كان هدفو يربيهن؟

قال أبو زاهر: متلما عم قلك. كان هدفو إنو يربي الملايين اللي برات السجن. ويبعت لهم رسالة صريحة: إنو ديروا بالكن تعملوا هيك ولا هيك. ترى اللي بيدخل السجن ما عاد يطلع بسهولة. 

للحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...