أسطورة (الأستاذ) راعي الفريق الرياضي
يخطئ مَن يعتقد أن عباقرة بيت الأسد كتلة واحدة صماء، متجانسة، يا سيدي العكس هو الصحيح، مواهبهم متنوعة، ومتشعبة، ولا شك أن القاسم المشترك الوحيد بينهم هو "التفوق". في مجال كرة القدم تميز واحد منهم، عُرف بلقب "الأستاذ".
حكيت لحضراتكم، في وقت سابق، أن كلمة "الأستاذ"، في الجيش العربي السوري ليست محمودة، فالأستاذ (والدكتور مثله طبعاً)، في نظرهم، إنسان ضعيف، خروق، تشتوش، جبان، مستحيل أن يكون صالحاً لتكسير رؤوس الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأذناب الاستعمار، وهو أعجزُ الناس عن تحرير فلسطين، ويا سيدي، والله لو طلبت من (أستاذ الجيش) أن يحرر نصف متر مربع من مرتفعات الجولان لخذلك! وأما "أستاذ كرة القدم" تبع بيت الأسد، فلا أحد مثله، إنه، باختصار، فلتة من فلتات الزمان.
لا يخطرنَّ ببالكم أن الأستاذ الرياضي الأسدي حارس مرمى يصد أصعب الكرات وأشدها مكراً، أو لاعب وسط يقطع هجمات الخصوم ويمول مهاجميه بالكرات الخطرة، أو قلب هجوم بارع يراوغ الحارس والمدافعين ويسجل الأهداف باليمنى أو باليسرى أو بالرأس أو بالـ دبل كيك، أبداً، هو ليس واحداً من هؤلاء. أصلاً، "الأستاذ" لا يظهر، حتى أثناء زيارته الملاعب، إلا بالطقم الرسمي، والقميص الأبيض والكرافة، وحتى حمالة المسدس يجب أن تكون في مكانها تحت إبطه الأيسر..
لا يستعمل الأستاذ المسدس الذي يحمله، أبداً، وقد يكون خالياً من الرصاص، فهو مؤمن بالمثل القائل: (سيف العز هزُّو ولا تضرب فيه).. ولماذا يستعمل الأستاذ المسدس إذا كان ذكر اسمه بين مجموعة من الناس يجعل الروائح الكريهة تنطلق من مجلسهم؟ أخي، الأستاذ، من الآخر، رجل مرعب.
قال الإداري: أستاذ ما اختلفنا، أنا كر مكرر، لكن أنت ما جاوبتني على سؤالي، كيف نحن مفلسين، ما معنا مصاري لشراء قمصان وأحذية للاعبينا، وبدنا نشتري لاعبين أسعارهم مرتفعة؟
وصلنا الآن إلى لب الحكاية.
الأستاذ، قرر، فجأة، أن يتدخل في الشأن الرياضي، خصوصاً بعدما سمع خطاب عمه حافظ الأسد الذي يقول فيه: إني أرى في الرياضة حياة.
قال لمرافقه اطلب من الكرارة (أي الجحاش) في الاتحاد الرياضي العام أن يرسلوا لنا قائمة بأسماء الفرق السورية التي تلعب في دوري الدرجة الأولى، ودوري الدرجة الثانية، مع أسماء اللاعبين الأساسيين، والاحتياط.
نفذ مرافقه المهمة، طبعاً، وجماعة الاتحاد الرياضي أرسلوا إليه المطلوب، دون تردد أو تذمر.. وبعدما صفن "الأستاذ" في القوائم، لمدة نصف ساعة من الزمان، وضع يده فوق اسم أحد الأندية، وقال لمرافقه: أنا هادا فريقي.
ومن يومها أصبح الفريق الذي أشار إليه يعرف باسم فريق "الأستاذ".
كان وضع الفريق الرياضي الذي صار في عهدة "الأستاذ" ورعايته، في تلك الأيام، ضعيفاً، مهلهلاً، أقصى طموحاته أن يبقى في الدرجة الثانية، لأن الهبوط إلى الدرجة الثالثة يعني أن تُقام مبارياته على البيادر التي يخططها الشباب بالرمل الأبيض (النحاتة)، وفيها حجارة ناتئة عندما يسقط عليها اللاعب تتعور ركبتاه، وكوعاه.. وتكون عوارض المرميين، في أغلب الأحيان، متشققة، بالإضافة إلى أن مساحة الملعب / البيدر أقل من المساحة المتعارف عليها دولياً.
خاطب الأستاذ لاعبي الفريق الذي أصبح فريقه والمدرب والطاقمين الطبي والإداري، قائلاً: اسمحوا لي أقول لكم إنكم متل جماعة الاتحاد الرياضي العام، كرارة (أي جحاش). بتعرفوا ليش؟
سألوه بصوت واحد: ليش أستاذ؟
قال: لأنكم لم تخلقوا لتكونوا في الدرجة الثانية، وإنما في الدرجة الأولى، وأنا سأحكي مع كرارة الاتحاد أن يُحدثوا دوريّاً للدرجة الممتازة، وستكونون فيه.
غرغرت أعينُ اللاعبين والإداريين بدموع الفرح، وقالوا للأستاذ: كَفُو، والله أنك كفو يا أستاذ. وبعدما نصير في الدرجة الممتازة، ممكن، برأيك، نبقى فيها على طول؟
ضحك الأستاذ وقال: بحضّي (أي أقسم بحظي) لأخليكم تطلعوا أبطال الدوري الممتاز.. ولكن الإنسان مو لازم ينط نطة واحدة ويوصل لهدفه. خلونا نطلع خطوة خطوة.
شرح الأستاذ لعناصر فريقه الخطة التي سيتبعها للوصول إلى مبتغاه، وتبدأ بتشكيل إدارة جديدة، فيها أناس قلوبهم قوية، وواحدهم (إذا بتقوصه في عينه ما بيرفّ)، وأعضاء الإدارة الجديدة يفهمون ما يريده الأستاذ على الطائر، وينفذونه مثل الفاتحة العسكرية (نفذ ثم اعترض- لا تردد ولا تذمر)، ويجب الحصول على ماكينة حلاقة قاطعة، والحلاقة لبعض (الكرارة) المحسوبين على الإدارة المهلهلة السابقة، ولا بد من شراء بعض اللاعبين المميزين من الأندية الموجودة في هذا البلد المعطاء.. وأمرهم بأن يزودوه بأسمائهم، وعندما قعد يستعرضها كان يصف اللاعبين بإحدى الكلمتين اللتين تبدآن بحرف الكاف: كَيّس (جيد)، أو كرّ (حمار).
أعلمه أحد الإداريين، وهو مطلع على كواليس الرياضة السورية، أن أسعار اللاعبين الذين صنفهم في خانة (كَيِّس) مرتفعة، فضحك الأستاذ وقال له: قلت لك، وراح أعيد الحكي: أنت كرّ مكرر..
وضحك وقال: بحضي هاي "كر مكرر" طلعت معي طازجة، ليكوا ولاه كرارة، إذا حدا في كل سورية بيقول إنه سبقني لاصطلاح "كر مكرر" جيبوا لي اسمه لحتى أسوّد عيشته، بحضي لأضربه بوكس أخليه يقول عن كلمة خبز "خبج"!
قال الإداري: أستاذ ما اختلفنا، أنا كر مكرر، لكن أنت ما جاوبتني على سؤالي، كيف نحن مفلسين، ما معنا مصاري لشراء قمصان وأحذية للاعبينا، وبدنا نشتري لاعبين أسعارهم مرتفعة؟
وقتها اضطر الأستاذ أن يشرح خطته لأفراد جماعته، وأولها الحصول على التمويل، وقال إن المؤسسات الاقتصادية والدوائر الحكومية ورجال الأعمال الموجودين في هذا البلد المعطاء، بمجرد ما يعرفون بأن النادي صار (نادي الأستاذ)، سيدفعون المال طائعين، وما عليكم إلا أن تبلغوني باسم الشركة أو الدائرة أو رجل الأعمال (الزنكين) الذي لا يدفع لكم حتى ألعن بَيّ بَيُّو وأخليه يدفع وقدمه فوق رأسه.. وبالنسبة للنوادي التي عندها لاعب كيس إذا طلبناه وما باعونا إياه قولوا لي وأنا بتصرف.
(للسالفة تتمة)..