أبو سلوم شق رأس صديقه

12 يونيو 2018
+ الخط -


(رمضان 2005 - إحدى الليالي).

حينما انتهينا من تناول الطعام، في منزل الخال فارس، وباشرنا بغب المياه والعصائر، توجهت الأنظار نحو الأستاذ كمال الطبنججي لأنه كان قد وعدنا، قبل سماع صوت المدفع، بأن نخصص جلسة اليوم لـ"الإبداع".

ولكن أبو سلوم قطع الطريق على الجميع وقال:

لازم تحكوا عن الإبداع، ولكن ليس في حضوري! أنا الآن سأنتظر حتى تصل صينية الكنافة، وسأملأ منها صحناً، وآخذه وأخرج من هنا، وأذهب إلى البيت، وسأطعم زوجتي وأولادي من "الكنافة أم النارين" التي لم تذقها زوجتي منذ أن كانت فتاة صغيرة، وأما أولادي فالكبار منهم يعرفونها، وأما الصغار الذي دون السادسة فلم يتعرفوا عليها، لأنني لم أحضر كنافة إلى البيت منذ ست سنوات.. المهم، بعد أن أخرج من هنا يصير بإمكان الأستاذ كمال الطبنججي أن يسيد ويميد ويحكي لكم عن (الإبداع)، وأما أنا فسأحمل بيدي حجراً، ومن يحاول أن يلحق بي سأفتح في رأسه شارعاً.. و..

ضحك الخال فارس وقال: و.. أشو؟

قال: وسيصرخ الشخص الذي شققتُ رأسه: آخ يا أمي آخ، أبو سلوم شق رأسي.. وأنا سأتركه وأمشي بطريقة (واثق الخطة يمشي ملكاً)، وأنتم الساهرون هنا ستسمعون صوت استغاثته وتخرجون راكضين، وستحملونه وتصعدون به إلى السيارة البيك أب مازدا التي يمتلكها السيد المحترم عموري، وتضعون على رأسه قماشة بيضاء من شأنها إيقاف النزيف، وتذهبون بسرعة البرق إلى المستوصف الطبي الموجود في مركز الناحية، وهناك لن تجدوا أحداً، لأن هذا المستوصف في أيام الخير لا يفتح، فكيف يفتح في ليالي رمضان، والمواد الطبية الإسعافية التي يستلمها الممرض أبو حنوش لا يستخدمها في إسعاف أحد، بل يبيعها إلى الصيدلي ذي الوجه الناشف الملقب (المُقَدَّد) وقد لقب المقدد لأن وجهه مثل القرع والباذنجان والكوسا الذي تحفره النساء في الصيف، وينشرنه تحت الشمس حتى ينشف ويصبح قديداً ويستخدم لطبخ "المحشي" في الشتاء، والصيدلي المقدد يشتري السبيرتو والقطن والشاش من الممرض بربع ثمنها، ويربح بها 75% فقط.

قال الخال فارس متشوقاً: المهم، المستوصف مسكر. ماذا يفعل الشباب بالرجل المصاب؟

قال أبو سلوم: بإمكانهم أن يذهبوا إلى منزل الدكتور عادل، ويقرعوا عليه الباب. وقتها سيخرج لهم الدكتور ويطلب منهم أن يسبقوه إلى العيادة، فيسبقونه، ويلحقهم بسيارته، وحينما يصل يقوم الشباب بتزجية المصاب على طاولة المعاينة، والدكتور عادل يكشف على الجرح فيجده عميقاً، فيعتذر عن خياطته، ويضع له قطنة نظيفة، ويقول لهم أسرعوا به إلى المستشفى الوطني، فيركبونه في البيك أب، ويذهبون، وفي قسم الإسعاف يدخلونه فوراً إلى غرف العمليات.. وبينما الطبيب الجراح المناوب يخيط له الجرح تأتي دورية شرطة من المخفر الخاص بالمستشفى، ويطلبون مُرَافقي المريض للتحقيق، وحينما يسألونهم عن سبب شق رأسه يقولون له إن الأخ أبو سلوم رفض أن يسمع أي حديث له علاقة بالإبداع، وهذا الرجل المصاب لحق به وطلب منه أن يعود إلى المضافة ويصغي لحديث عن الإبداع، فشق رأسه كما ترى.

كان الحاضرون يضحكون على نحو متقطع أثناء هذه السحبة الطويلة، وضحكوا أكثر عند قفلتها.. وأنا اغتنمت الفرصة وقلت للحاضرين: 

- والله إنه لا يوجد إبداع أجمل من هذا الإبداع. وأنا، إكراماً لأخينا أبي سلوم سأتبرع له بحصتي من الكنافة. 

تصنع الخال فارس منتهى الجد وقال: أي كنافة؟ 

قال أبو سلوم: أنت قلت لنا أثناء الإفطار إن الكنافة على الطريق.

تابع الخال فارس تمثيل الدور وقال: والله كنت عم إمزح!  

قال كمال: اعترف بالكنافة أحسن ما يشق رأسك.    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...