02 سبتمبر 2024
أبو سلمون يرفس الحمار
اعتاد رواد سهرة "الإمتاع والمؤانسة" أن يفتحوا سجل شخصية فكاهية معينة.. يروون أكثر من قصة وحكاية عنها، ثم ينتقلون إلى شخصية أخرى، ويسردون ما يحفظونه من حكاياتها المختلفة.
بعدما استمعنا إلى عدد من حكايات خادم العيادة "سلمون"، الذي ادعى أنه معاون طبيب جراح مختص بخياطة البطون، اقترح أبو ابراهيم أن نتذكر حكايات أخرى عنه، فسلمون من الشخصيات المعروفة على نطاق مدينة إدلب، والناس هناك يتندرون بقصصه في مجالسهم.
تدخل كمال وقال: أنا كان عندي مشروعْ تأليف رواية للفتيان عن شخصية سلمون، وخلال وجودي في إدلب قبل سنة 2011 جمعت كمية وافرة من التفاصيل اللي بتخدم الرواية، وبديت بكتابتها بالفعل، بعدين توقفت بسبب الثورة والقمع والهريبة من مكان لمكان لحد ما وصلنا أخيراً لإسطنبول واستقرينا فيها.
تدخل كمال وقال: أنا كان عندي مشروعْ تأليف رواية للفتيان عن شخصية سلمون، وخلال وجودي في إدلب قبل سنة 2011 جمعت كمية وافرة من التفاصيل اللي بتخدم الرواية، وبديت بكتابتها بالفعل، بعدين توقفت بسبب الثورة والقمع والهريبة من مكان لمكان لحد ما وصلنا أخيراً لإسطنبول واستقرينا فيها.
أبو ماهر: ان شا الله بيرجع كل إنسان لبلده، ومنخلص من الاستبداد، وبتصير سورية جنة الله على أرضه.
كمال: هادا الحلم صار بعيد المنال، لكن ما في شي بيمنع الإنسان من إنه يحلم. المهم، يا شباب؛ أنا لما بديت إكتب عن سلمون حاولت ألاقي تفسير لعادة الكذب اللي موجودة في شخصيته. فطلع معي سببين، الأول هوي الخوف، والتاني هوي الخيال الإبداعي الخصب اللي بيمتلكه.. عفواً.. أنا شايف العم أبو محمد عم يتطلع عليّ بعين حمرا، لأنه متلما منعرف أبو محمد ما بيحب الحكي النظري. حاضر يا عمي. راح إحكي لك حكايتين عن سلمون، ومن خلالهن راح تفهم وجهة نظري بدقة. كويس؟
أبو محمد: معلوم كويس. أنا لما حدا بيذكر كلمة حكاية أنا قلبي بيفرفح. هات لنشوف، سمعنا الحكاية الأولى إذا سمحت.
كمال: كان سلمون وحيد لأبوه وأمه، والأم ماتت وبقي عايش عند أبوه. وكان أبو سلمون عنده جحش حاطه في زريبة زغيرة بجوار المنزل. وللحقيقة والإنصاف إنه أبو سلمون كان يحب سلمون والجحش بنفس السوية، ويعدل بيناتهم بكل شي! حتى إنه سلمون، في مرة من المرات، كان عم ينضف الزريبة، ومر من ورا الجحش، وفي هاللحظة الجحش تحمّى ورفسه لسلمون رفسة وقعه فيها ع الأرض وغَيَّبْ صوابه. ولما أجا سلمون لعند أبوه، وشكا له من التصرف الأرعن اللي ارتكبه الجحش بحقه، تأثر الأب، ورغرغت عيونه بالدمع، وقال لسلمون تعال معي. ودخلوا التنين ع الزريبة، ووقفوا على بعد متر واحد من الجحش، وقال له: يا الله إبني يا سلمون. وحدة بوحدة والبادي أظلم. ارفسه للجحش رفسة أقوى من يلي رفسك إياها!
شرع الكل يضحكون.
وقالت أم الجود بتهكم: أنا شايفة إنه أبو سلمون أذكى من سلمون بكتير!
كمال: ملاحظة أم الجود ذكرتني بحكاية تالتة، لما بيجي وقتها راح إحكي لكم إياها. المهم. سلمون خاف ما يرفس الجحش حتى ما ينشأ بيناتهم تارات، وقال لأبوه: أنا سامحته للجحش، إذا بدك إنته البطُهْ.
فقال أبو سلمون: حيف عليك يا سلمون، يا خَوّيف. ودار ضهره وضربه للجحش بالجوز! والحقيقة إنه أبو سلمون تصرف صح برفسه للجحش، ولكنه ارتكب خطأ فادح لما وافق إنه يسجل إبنه سلمون في المدرسة. حكينا لكم – في السهرات السابقة - كيف سلمون بَدَّلْ مفاتيح الصفوف وخلى الآذن ينتف شعره ويدخل في الحيط. وهادا كان شي بسيط. أما الشي الغريب والمثير فهو التالي: كان كل يوم يدخل واحد من المعلمين إلى غرفة المدير ووجهه ما عم يتفسر، ويبلش يعرض ع المدير خيارات غريبة: الأول، إنه ينقله على صف ما فيه سلمون! التاني، إنه ينفصل سلمون من المدرسة فصل نهائي! والتالت إنه ينتقل المعلم لمدرسة بعيدة، حتى لو كان في الريف، المهم إنه يخلص من سلمون! وبيقول هادا المعلم إنه إذا ما تحقق واحد من هاي الحلول مستعد يستقيل ويتخلى عن راتبه وعن مستقبله كرمى للحقير سلمون!
أم زاهر: إنته حكيت لنا كيف فصلوه، وكان قرار الفصل بالإجماع، حتى إنه الآذن وقع عليه. بس نحن ما منعرف من سيرته غير قصة المفاتيح تبع الصفوف.
كمال: الحكاية اللي راح خبركم عنها صارت قبلما ينفصل من المدرسة. سلمون رسب في الصف التالت، وكل رفاقه نجحوا. أبو سلمون زعل كتير، وصار يبكي، ويرفع إيديه للسما ويقول: أنا قربان إسمك يا رب. صف فيه 48 تلميذ، بينجحوا 47، وبيرسب واحد، وهالواحد إبني أنا؟ اللهم لا اعتراض على حكمك. لا اعتراض. وبينما هوي عم يندب حظه وبيبكي دخل سلمون وصار يهدّيه، وقال له: طول بالك أبو سلمون، والله الشغلة مو محرزة. ما نجحنا هالسنة مننجح السنة اللي جاية. أشو في ورانا؟ خيو رَوّق، أنا هلق بعمل لك كاسة شاي أكرك عجم بيلعب عليها الخَيَّال، وبعدما تروق بدي أقول لك شغلة تعجبك.
مسح أبو سلمون دموعه وقال: يخرب بيتك يا سلمون ما أجحشك. أنا عم إبكي منشانك وإنته عم تطيّب خاطري؟
قال سلمون: اسماع مني شيل سيرة المدرسة من بالك. جارتنا أم حمودة صار له جوزا متوفي شي ست اشهر. يعني خلصت العدة وصارت أمورها جاهزة. وترى هيي بتحبك وبتريدك. أنا كنت معدي من حارتها بالصدفة وسمعتها عم تقول لجارتها أم شَحّودة هالحكي.
استدارت عينا "أبو سلمون" وسأله: أينا حكي ولاك حيوان؟
سلمون: أم حمودة موافقة إنها تتجوزك. أنا شفتها ماسكة بإيدها قطعة جبنة مسنرة، وعم تقول لأم شحودة (باخده، هوي بيجيب معه الخبزات، وبحط جبناتي على خبزاته ومنعيش سوا)، أم شحادة سألتها (مين بتقصدي وليك؟)، قامت ضحكت وتشفترت وقالت لها (هادا اللي ماتت مرته، ومربي في داره جحشين).. يعني إنته.
بلغ غيظ أبو سلمون كل مبلغ، وقال لسلمون: أنا مربي جحشين، صح، واحد عاقل وقاعد في زريبته ما بيزعج حدا ولا بيألف قصص كلها كدب بكدب، والجحش التاني فلتان وداشر، يعني إنته..
وفجأة نهض أبو سلمون وقال: تعال لعندي، في حساب بيني وبينك لازم نصفيه.
مع أن سلمون شعر بأنه سيتعرض للضرب المبرح ولكنه لم يتحرك من أرضه. قال لأبيه: إذا بدك تضربني ولا بد، وبما إني أنا جحش، اضربني بالجوز!
(للقصة تتمة)...
كمال: هادا الحلم صار بعيد المنال، لكن ما في شي بيمنع الإنسان من إنه يحلم. المهم، يا شباب؛ أنا لما بديت إكتب عن سلمون حاولت ألاقي تفسير لعادة الكذب اللي موجودة في شخصيته. فطلع معي سببين، الأول هوي الخوف، والتاني هوي الخيال الإبداعي الخصب اللي بيمتلكه.. عفواً.. أنا شايف العم أبو محمد عم يتطلع عليّ بعين حمرا، لأنه متلما منعرف أبو محمد ما بيحب الحكي النظري. حاضر يا عمي. راح إحكي لك حكايتين عن سلمون، ومن خلالهن راح تفهم وجهة نظري بدقة. كويس؟
أبو محمد: معلوم كويس. أنا لما حدا بيذكر كلمة حكاية أنا قلبي بيفرفح. هات لنشوف، سمعنا الحكاية الأولى إذا سمحت.
كمال: كان سلمون وحيد لأبوه وأمه، والأم ماتت وبقي عايش عند أبوه. وكان أبو سلمون عنده جحش حاطه في زريبة زغيرة بجوار المنزل. وللحقيقة والإنصاف إنه أبو سلمون كان يحب سلمون والجحش بنفس السوية، ويعدل بيناتهم بكل شي! حتى إنه سلمون، في مرة من المرات، كان عم ينضف الزريبة، ومر من ورا الجحش، وفي هاللحظة الجحش تحمّى ورفسه لسلمون رفسة وقعه فيها ع الأرض وغَيَّبْ صوابه. ولما أجا سلمون لعند أبوه، وشكا له من التصرف الأرعن اللي ارتكبه الجحش بحقه، تأثر الأب، ورغرغت عيونه بالدمع، وقال لسلمون تعال معي. ودخلوا التنين ع الزريبة، ووقفوا على بعد متر واحد من الجحش، وقال له: يا الله إبني يا سلمون. وحدة بوحدة والبادي أظلم. ارفسه للجحش رفسة أقوى من يلي رفسك إياها!
شرع الكل يضحكون.
وقالت أم الجود بتهكم: أنا شايفة إنه أبو سلمون أذكى من سلمون بكتير!
كمال: ملاحظة أم الجود ذكرتني بحكاية تالتة، لما بيجي وقتها راح إحكي لكم إياها. المهم. سلمون خاف ما يرفس الجحش حتى ما ينشأ بيناتهم تارات، وقال لأبوه: أنا سامحته للجحش، إذا بدك إنته البطُهْ.
فقال أبو سلمون: حيف عليك يا سلمون، يا خَوّيف. ودار ضهره وضربه للجحش بالجوز! والحقيقة إنه أبو سلمون تصرف صح برفسه للجحش، ولكنه ارتكب خطأ فادح لما وافق إنه يسجل إبنه سلمون في المدرسة. حكينا لكم – في السهرات السابقة - كيف سلمون بَدَّلْ مفاتيح الصفوف وخلى الآذن ينتف شعره ويدخل في الحيط. وهادا كان شي بسيط. أما الشي الغريب والمثير فهو التالي: كان كل يوم يدخل واحد من المعلمين إلى غرفة المدير ووجهه ما عم يتفسر، ويبلش يعرض ع المدير خيارات غريبة: الأول، إنه ينقله على صف ما فيه سلمون! التاني، إنه ينفصل سلمون من المدرسة فصل نهائي! والتالت إنه ينتقل المعلم لمدرسة بعيدة، حتى لو كان في الريف، المهم إنه يخلص من سلمون! وبيقول هادا المعلم إنه إذا ما تحقق واحد من هاي الحلول مستعد يستقيل ويتخلى عن راتبه وعن مستقبله كرمى للحقير سلمون!
أم زاهر: إنته حكيت لنا كيف فصلوه، وكان قرار الفصل بالإجماع، حتى إنه الآذن وقع عليه. بس نحن ما منعرف من سيرته غير قصة المفاتيح تبع الصفوف.
كمال: الحكاية اللي راح خبركم عنها صارت قبلما ينفصل من المدرسة. سلمون رسب في الصف التالت، وكل رفاقه نجحوا. أبو سلمون زعل كتير، وصار يبكي، ويرفع إيديه للسما ويقول: أنا قربان إسمك يا رب. صف فيه 48 تلميذ، بينجحوا 47، وبيرسب واحد، وهالواحد إبني أنا؟ اللهم لا اعتراض على حكمك. لا اعتراض. وبينما هوي عم يندب حظه وبيبكي دخل سلمون وصار يهدّيه، وقال له: طول بالك أبو سلمون، والله الشغلة مو محرزة. ما نجحنا هالسنة مننجح السنة اللي جاية. أشو في ورانا؟ خيو رَوّق، أنا هلق بعمل لك كاسة شاي أكرك عجم بيلعب عليها الخَيَّال، وبعدما تروق بدي أقول لك شغلة تعجبك.
مسح أبو سلمون دموعه وقال: يخرب بيتك يا سلمون ما أجحشك. أنا عم إبكي منشانك وإنته عم تطيّب خاطري؟
قال سلمون: اسماع مني شيل سيرة المدرسة من بالك. جارتنا أم حمودة صار له جوزا متوفي شي ست اشهر. يعني خلصت العدة وصارت أمورها جاهزة. وترى هيي بتحبك وبتريدك. أنا كنت معدي من حارتها بالصدفة وسمعتها عم تقول لجارتها أم شَحّودة هالحكي.
استدارت عينا "أبو سلمون" وسأله: أينا حكي ولاك حيوان؟
سلمون: أم حمودة موافقة إنها تتجوزك. أنا شفتها ماسكة بإيدها قطعة جبنة مسنرة، وعم تقول لأم شحودة (باخده، هوي بيجيب معه الخبزات، وبحط جبناتي على خبزاته ومنعيش سوا)، أم شحادة سألتها (مين بتقصدي وليك؟)، قامت ضحكت وتشفترت وقالت لها (هادا اللي ماتت مرته، ومربي في داره جحشين).. يعني إنته.
بلغ غيظ أبو سلمون كل مبلغ، وقال لسلمون: أنا مربي جحشين، صح، واحد عاقل وقاعد في زريبته ما بيزعج حدا ولا بيألف قصص كلها كدب بكدب، والجحش التاني فلتان وداشر، يعني إنته..
وفجأة نهض أبو سلمون وقال: تعال لعندي، في حساب بيني وبينك لازم نصفيه.
مع أن سلمون شعر بأنه سيتعرض للضرب المبرح ولكنه لم يتحرك من أرضه. قال لأبيه: إذا بدك تضربني ولا بد، وبما إني أنا جحش، اضربني بالجوز!
(للقصة تتمة)...