هل يعصف حصار قطر بالعلاقات الاقتصادية بين السعودية وتركيا؟

01 يوليو 2017
مئات آلاف الخليجيين يزورون تركيا سنوياً (Getty)
+ الخط -
حركت شائعة إصدار سفارة المملكة السعودية في أنقرة بياناً، نبهت خلاله السعوديين الراغبين في السفر لتركيا لتغيير وجهتهم إلى دول أخرى، مخاوف الأتراك والسعوديين في آنٍ واحد، بأن تؤثر مواقف أنقرة السياسية من الأزمة الخليجية في العلاقات الاقتصادية والسياحية.
وبلغت السعودية المرتبة الثانية عشرة بين الدول الأجنبية المستثمرة في تركيا بجميع القطاعات، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين نحو ثمانية مليارات دولار، بل تصاعدت الآمال بتشكيل تحالف اقتصادي تركي مع دول الخليج عموماً والسعودية على وجه الخصوص، بعد ثماني قمم مشتركة واتفاقات على الأصعدة كافة.
ونفت السفارة السعودية في أنقرة البيان المنسوب إليها قبل أيام، مشيرة إلى أنه مزوّر وعارٍ من الصحة وأنها لم تصدر أي بيان يتعلق بتنبيه السعوديين لتغيير وجهة سفرهم أو طلب من رعايا السعودية مغادرة تركيا.

آثار محدودة

يرى المحلل التركي، جهاد آغير مان، أن الاقتصاد حتى الآن بعيد عن المواقف السياسية، على الرغم من التغيرات البسيطة التي بدأت تظهر، سواء في قدوم السعوديين إلى تركيا خلال عيد الفطر، إذ كان المتوقع أن تأتي أعداد كبيرة لقضاء العطلة، أو تجميد بعض الأعمال التجارية.
ويؤكد آغير مان، لـ"العربي الجديد"، أن تركيا لا تريد أي مشاكل اقتصادية مع السعودية، بل ثمة حرص من المسؤولين على تطوير العلاقات وفصل الملفات، وتجلّى ذلك خلال الوساطة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو خلال زيارة وزير الخارجية داود أوغلو للرياض أخيراً.
لكن حرص تركيا على عدم تطور الأزمة والحل عبر الحوار وليس الحصار، بدأ ينعكس تدريجياً على الاستثمارات والسياح وربما لاحقاً على حجم التبادل، وفق رأيه.
وساق المحلل التركي مثالاً: "كنت شاهداً قبل أيام على عدم إتمام صفقة شراء عقارات من رجل أعمال سعودي في إسطنبول، رغم أن الاتفاق كان سارياً، والعذر جاء أن الفترة حرجة وسنؤجل الشراء".
واعتبر المحلل التركي أن التخوف الذي بدأ يظهر على رجال الأعمال السعوديين خاصة، هو بدوافع ذاتية وليس بتوجيه رسمي من المملكة، متوقعاً أن الآثار على الاقتصاد مرتبطة بمدى التوتر بمنطقة الخليج أو حل الأزمة بين قطر والدول التي تحاصرها

وجهة السياح

ويؤكد غياث حسن، المسؤول في شركة جاكوار للسياحة في إسطنبول، أن موقف تركيا من الأزمة الخليجية، بدأ يؤثر على قدوم السياح السعوديين إلى تركيا، إذ جرى إلغاء حجز 86 أسرة لدى شركته، رغم أن الحجوزات قائمة منذ ثلاثة أشهر.
ويضيف حسن لـ "العربي الجديد" قائلاً: "تواصلنا مع الشركات السعودية، فأكدوا أن هناك حالة تردد من السعوديين خلال هذه الفترة، وأشاروا إلى تبديل الحجز "الترانزيت" الذي كان يمر عبر قطر، إلى الإمارات أو الكويت أو البحرين.
وأشار حسن إلى أن 350 حجزاً لأسر سعودية كان قائماً لدى شركته، لكن إلغاء الحجز بدأ يتزايد، إذ غيرت 100 عائلة وجهتها، معتبراً أن تطور الأحداث السياسية هو وحده ما سيحدد ملامح القدوم السياحي السعودي لتركيا.
ويشير المسؤول بشركة السياحة المتخصصة في منطقة الخليج إلى أن التعويل على الموسم الذي بدأ هذه الأيام كان كبيراً على السياح السعوديين الذين وصلوا العام الماضي إلى أكثر من 500 ألف سائح، معتبراً أن السياح العراقيين والقطريين يمكن أن يسدوا الفارق، فيما لو استمر إلغاء الحجوزات، مشيراً إلى أن إنفاق السائح الخليجي 7 أضعاف إنفاق السائح الأوروبي.
وعن الإجراءات التي تقوم بها الشركات السياحية، يضيف حسن: "بدأنا التواصل مع مكاتب الترويج والشركات السعودية لتأكيد الحجوزات، وفي الوقت نفسه مع الشركات بالعراق ودول الخليج الأخرى، ومما عممناه على المرشدين السياحيين والسائقين عدم التكلم بالسياسة لأننا قطاع سياحي اقتصادي ولا علاقة لنا بالسياسة".
ودخل السعوديون بالاستثمار السياحي في تركيا، خاصة في المدن المطلة على البحر الأسود، بعد السماح لهم بالتملك.

مصالح سيادية

ويقول المحلل التركي، أوكتاي يلماظ، "أتمنى ألا تتأثر العلاقات الاقتصادية ولا الاستراتيجية بين تركيا والسعودية بمواقف تركيا من الأزمة الخليجية، والتي تنطلق من التوفيقية والحرص على السلام ورأب الصدع والمصالحة، متمنياً تحييد الشعوب ومصالحها عن المواقف السياسية وتحكيم العقل".
ويضيف يلماظ لـ "العربي الجديد" "معروف عن تركيا أنها ترفض أي وصاية خارجية، كما ليس من سياسة تركيا أن تدعم مواقف أي دولة لا تناسب سياستها، ولعل في مواقف تركيا الثابتة من الاتحاد الأوروبي، بل ومن الولايات المتحدة، دليل على سياستها، والتي نتمنى ألا تؤثر على العلاقات مع السعودية".
وأكد يلماظ أن حرص تركيا على علاقتها مع قطر أو إقامة قاعدة عسكرية بالدوحة، هو شأن خاص بالدولتين ومن المفترض ألا يؤثر على علاقة السعودية بتركيا أو يُقرن استمرار العلاقة بقطع التعامل مع قطر أو المساهمة في محاصرتها.
ويشير المحلل التركي إلى أن هناك كثيراً من الخلافات بالرأي بين أنقرة والرياض، وربما أهمها الانقلاب على الشرعية بمصر، لكنها لم تؤثر على تطوير العلاقات وزيادة الاستثمارات والسياح وحجم التبادل، بعد عام 2013.
وأوضح أن علاقات بلاده مع دول الخليج دخلت أطواراً مختلفة منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" للسلطة في تركيا عام 2002، وتطورت عبر لقاءات وتفاهمات واتفاقات عدة، منها انضمام دول الخليج العربي إلى مبادرة إسطنبول التي طرحها حلف الناتو عام 2004 المتعلقة بتصور الحلف وتركيا لحفظ الأمن في منطقة الخليج العربي.
وكان عام 2008 النقطة البارزة في العلاقات التركية الخليجية، بعد توقيع الجانبين مذكرة تفاهم للشراكة الاستراتيجية على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في دورته رقم 108 بمدينة جدة السعودية، ليرتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي من 1.5 مليار دولار عام 2002 إلى 12.5 مليار عام 2011 ووصل هذا الرقم إلى 17.5 مليار دولار نهاية عام 2016.


تهديد الاستثمارات

ويرى محللون أن تصعيد أزمة حصار قطر ستمتد آثارها إلى أبعد من دول الخليج، لتطاول دول المنطقة سلباً وتفيد بعض الدول الغربية وإسرائيل والولايات المتحدة.
ويمكن برأي هؤلاء أن تعيد هذه الأزمة العلاقات التركية السعودية للتوتر، ما يهدد بتجميد الاستثمارات المتبادلة أو سحبها، ويؤثر على حجم التبادل بين تركيا ودول مجلس التعاون، بعد أن تضاعف أخيراً 12 مرة، منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة بتركيا، وخياره الانفتاح على الدول العربية والإسلامية.
وذكرت بيانات وزارة الاقتصاد التركية أن الاستثمارات الخليجية زادت بتركيا بنسبة 414% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، لترتفع من 107 ملايين إلى 550 مليون دولار.
وكانت الاستثمارات السعودية في مقدمة الدول الخليجية، إذ وصل عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا إلى نحو ألف شركة، في حين يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في السعودية قرابة 200 شركة، بحجم أعمال إجمالي يبلغ 17 مليار دولار أميركي، ورأسمال يتجاوز 600 مليون دولار.
ويتوقع المحلل الاقتصادي محمود حسين، أن يأخذ التصعيد أشكالاً متدرجة بين الدول المحاصرة لقطر وتركيا، وسيرتبط التصعيد بعدم حل الأزمة ودخولها مراحل أبعد من الحصار الاقتصادي.
وفي حين يؤكد حسين من إسطنبول أن إدخال الاقتصاد بالسياسة سيؤثر على الأطراف جميعها، يلفت إلى أن الاقتصاد التركي ربما يكون الأكثر تضرراً، في حال سحب الاستثمارات السعودية خلال الفترة الأولى على الأقل، خاصة بعد فتح تركيا لرأس المال السعودي كل طرق الجذب والتسهيلات، حتى تضاعفت الشركات 90 مرة منذ عام 2011 حتى نهاية 2016.
ولفت المتحدث إلى أن رأس المال السعودي بتركيا لم يدخل قطاع العقارات فقط، كما يظن بعضهم، بل ثمة نحو 658 شركة سعودية تستثمر في الطاقة والصناعة والأغذية بشكل رئيس، وهو ما يشكل 73% من إجمالي الشركات السعودية المستثمرة في تركيا، معتبراً سبب زيادة الاستثمار السعودي يعود لفرص الربح الكبيرة بتركيا، فضلاً عن قانون التمليك الذي أقرته أنقرة منذ عام 2011.
ويضيف الاقتصادي حسين خلال حديثه لـ "العربي الجديد" أن تركيا قدمت ميزات ربما تكون خاصة للسعودية على صعيد الاستثمار، ولعل في الاستثمار الزراعي مثالاً على تلك الخصوصية، حيث أعلنت الحكومية التركية دعم الاستثمارات السعودية في مجال الثروة الحيوانية بولايتي ديار بكر وشانلي أورفة جنوب شرق البلاد، من خلال تخصيص حوافز بقيمة 1.5 مليون يورو لتلك الاستثمارات التي يبلغ حجمها ثلاثة ملايين يورو. ووصلت الميزات لتقديم أراضٍ مجانية، شريطة أن يستمر التشغيل لمدة خمس سنوات.

سوق العقارات

يعتبر مراقبون أتراك أن دخول الرأس مال الخليجي، والسعودي خاصة، كان له أثر مهم في تنشيط سوق العقارات بتركيا خلال العامين الأخيرين، خاصة بعد تأسيس أول صندوق تركي سعودي للاستثمار العقاري عام 2015، فضلاً عن دور تغيير قانون المُلكية للأجانب عام 2012 الذي سمح لهم بالتملك.
كذلك طرحت 35 شركة تركية شراكات تجارية وصناعية وخدمية مع نظيراتها السعودية مؤخراً. وبلغت نسبة أعداد الشركات السعودية التي تستثمر في العقار بتركيا 27%، وهو ما يمثل نحو 249 شركة سعودية من إجمالي الشركات المستثمرة في تركيا.
واشترى المواطنون السعوديون 285 عقاراً من تركيا خلال مايو/ أيار الماضي، ليحتلوا المرتبة الأولى بين الأجانب الأكثر شراء للعقارات التركية، تبعهم العراقيون بنحو 277 عقاراً، والروس 134 عقاراً، والكويتيون 125 عقاراً، والأفغان 70 عقاراً، وفق معطيات هيئة الإحصاء.
وشهدت السوق العقارية التركية إقبالاً من رجال الأعمال السعوديين، إذ أطلقت العام الجاري مجموعة الوليد للاستثمار السعودية، وشركة مايرا لتكنولوجيا البناء التركية، بالتعاون مع شركة تركية متخصصة بتكنولوجيا البناء، ثلاثة مشروعات سكنية في مدينة إسطنبول التركية (مشروعات مايرا)، في ظل الإقبال الكبير للمستثمرين من الدول العربية وبقية دول العالم على سوق العقارات في تركيا.
المساهمون