هل يعيد الغاز الطبيعي في بحر الصين الجنوبي تشكيل الاقتصاد العالمي؟

03 يوليو 2024
شبكة أنابيب الغاز في مدينة تشونغوي، مقاطعة نينغشيا، الصين، 26 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اكتشاف حقل "لينغشوي 36-1" للغاز الطبيعي في بحر الصين الجنوبي يعزز استقلال الصين الطاقي، مع توقعات ببدء إنتاج أكثر من 10 ملايين متر مكعب يومياً خلال 3-5 سنوات، مما يقلل الاعتماد على الواردات.
- يواجه المشروع تحديات تقنية وهندسية تتطلب استثمارات ضخمة، لكنه يحمل إمكانية لتحقيق "عصر ذهبي للغاز الطبيعي" في إطار الانتقال العالمي نحو طاقة أنظف.
- التأثير الفوري للاكتشاف على سوق الغاز العالمية قد يكون محدوداً بسبب الطلب المتزايد، لكنه يعكس التزام الصين بزيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتحقيق انتقال طاقي مستدام نحو مصادر أنظف.

بعد إعلان المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري عن اكتشاف حقل الغاز الطبيعي الضخم في بحر الصين الجنوبي الذي يعرف بـ"لينغشوي 36-1"، فمن المتوقع أن يبدأ الحقل في إنتاج 10 ملايين متر مكعب يومياً خلال السنوات الثلاثة إلى الخمسة القادمة، ما يصب في إطار جهود الصين لتعزيز إنتاجها المحلي من الطاقة وتقليل اعتمادها على واردات الغاز.

وبينما تشير البيانات الرسمية إلى أن الصين استوردت 165 مليار متر مكعب من الغاز عام 2023، خلصت إفادة خبيرين لـ"العربي الجديد"، إلى أن اكتشاف الغاز الجديد سيعزز احتياطات الصين من الطاقة ويقلل اعتمادها على الاستيراد، ما قد يمكنها من الاستغناء عن الغاز المستورد من الولايات المتحدة ودول الخليج العربية خلال 5 سنوات.

ويشير ذلك إلى أن العالم قد يكون مقبلاً على "عصر ذهبي للغاز الطبيعي" كجزء من الانتقال نحو طاقة أنظف، حيث تلعب الصين دوراً رئيسياً في هذا التحول، بحسب إفادة الخبيرين.

وفي السياق، يشير الخبير في الاقتصاد الدولي وشؤون الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن اكتشاف الغاز الصيني الأخير "ضخم"، لكنه "سيواجه تحديات تقنية وهندسية ضخمة"، موضحاً أن أي اكتشاف جديد في أعماق البحر عادة يحتاج إلى إنفاق مليارات الدولارات وسنوات من التطوير وتشييد البنية التحتية اللازمة قبل الاستفادة التشغيلية والتجارية.

ويرى إسماعيل أن هذا الاكتشاف سيعزز احتياطات الصين من الطاقة ويقلل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، مشيراً إلى أن الصين قد تستطيع الاستغناء عن الاستيراد من الولايات المتحدة ومن دول الخليج العربية خلال 5 أعوام.

موقف
التحديثات الحية

فالحقل الصيني الجديد "لينغشوي 36-1" سينتج بعد تشغيله خلال 3 إلى 5 سنوات ما يزيد عن 10 ملايين متر مكعب يومياً، أي 3.65 مليارات متر مكعب سنوياً، بينما استوردت الصين حوالي 165 مليار متر مكعب عام 2023، ومن هذا المنطلق لا يستبعد إسماعيل أن تحقق الصين اكتفاء ذاتياً من الغاز، وتستغني عن استيراد الغاز الروسي والأميركي والخليجي.

لكن إسماعيل ينوه، في الوقت ذاته، بأن أرقام وكالة الطاقة الدولية تفيد بأن الطلب على الغاز الطبيعي سيرتفع بنسبة 2.5% أو بمقدار 100 مليار متر مكعب عام 2024، أي إن الطلب العالمي المتزايد سيستوعب أي زيادات في الإنتاج خلال السنوات المقبلة.

ولذا يرى إسماعيل أن اكتشاف الغاز الصيني الأخير "جيد للصين"، ولكن التأثير الكبير بسوق الغاز العالمية "لن يحدث بسرعة". فالوفرة المستقبلية من إنتاج الولايات المتحدة وقطر وحقل الجافورة السعودي قد ترفع المنافسة وتبطئ ارتفاع الأسعار، بحسب إسماعيل، مشيراً إلى أن الطلب العالمي سيستمر في الارتفاع، ولذا لن تنهار الأسواق بسبب الاكتشاف الصيني الجديد.

ويصف الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، إعلان المؤسسة الوطنية الصينية للنفط عن اكتشاف غاز ضخم بأنه "مهم"، إذ يأتي نتيجة الجهود الصينية المكثفة لزيادة إنتاج النفط والغاز، وتركيز شركات الطاقة الصينية على المناطق الصينية، سواء الأرضية أو البحرية، لاستكشاف المزيد من مصادر الطاقة المحلية، حسب إفادته لـ"العربي الجديد".

ويلفت الشوبكي، في هذا الصدد، إلى أن الصين تسعى نحو زيادة حصتها من إنتاج الغاز الطبيعي بشكل خاص في إطار سعيها للطاقة النظيفة واستبدال الفحم، الذي ما زالت تعتمد عليه بنسبة 50% من احتياجاتها الطاقية.

وعلى الرغم من أهمية الاكتشاف الأخير وضخامته، فإن الشوبكي يرى أنه "جزء بسيط من حاجة الصين الحقيقية للغاز"، مشيراً إلى أن إنتاج الصين في العام الماضي سجل قرابة 325 مليار متر مكعب، ثلثيه من الغاز الطبيعي وثلثه من الغاز غير التقليدي (الصخري)، وهو ما لا يغطي كامل احتياج السوق الآنية، فضلاً عن احتياج خطط الإحلال الكامل للغاز بدل الفحم، إذ إن هذه الخطط تحتاج إلى كميات أضخم من حجم الإنتاج الحالي بكثير.

ولذا يعتقد الشوبكي بأن تأثير اكتشاف الغاز الصيني سيكون ضئيلاً على السوق العالمية، خاصة في ظل حاجة الصين المتنامية للغاز الطبيعي التي تنمو سنوياً بحدود من 7 إلى 10%.

وفيما يتعلق بانعكاس الاكتشاف الصيني على اقتصاد دول الخليج، ينوه الشوبكي بأن قطر على وجه الخصوص هي أكثر دول الخليج المعنية بسوق الغاز، وتنظر إلى الصين باعتبارها سوقاً مستهلكة للطاقة، وترتبط معها باتفاقيات طويلة المدى، وقعتها مؤخراً، وتصل مدتها إلى 27 عاماً، مؤكداً أن اكتشاف الغاز الصيني لن يؤثر بهذه العقود.

بل إن الاعتقاد السائد هو أن الصين تتجه نحو الخليج لتلبية احتياجها نحو إنتاج أكبر من الغاز، وتحقيق انتقال أسرع من الفحم كمصدر أول للطاقة الصناعية، بحسب الشوبكي، مشيراً إلى أن ذلك يحتاج إلى كميات أكبر من الغاز الطبيعي، وهو ما يبدو واضحاً في استثمارات الصين في حقل الشمال القطري.

ويخلص الشوبكي إلى أن تطورات السوق تؤشر إلى ترسيخ الاعتقاد بأن العالم مقبل على "عصر ذهبي للغاز الطبيعي" في فترة انتقالية نحو تصفير الانبعاثات الكربونية، ما يدعم استخدامات الغاز بشكل أكبر في المستقبل وإحلاله مكان الفحم كثيف الانبعاثات الكربونية، وهو ما تمثل فيه الصين لاعباً رئيسياً.

المساهمون