ورغم تبني العديد من النقابات المهنية والعمالية العربية، فضلا عن حركات سياسية، لدعوات المقاطعة، إلا أن الواقع يشير إلى أن الدعوات خفتت بعد مرور شهر فقط على قرار ترامب رغم أهمية المقاطعة بوصفها أداة شعبية ضاغطة على صاحب القرار في البيت الأبيض.
ويفسر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أحمد ذكر الله، أسباب التراجع بضخامة حجم التبادل التجاري العربي الإسلامي من جهة والأميركي من جهة أخرى، كما أن معظم السلع أساسية يصعب الاستغناء عنها، مما يؤثر بالسلب على قرارات المقاطعة، فضلا عن وجود شبكات مصالح ذات نفوذ في دول المنطقة من مصلحتها استمرار استيراد المنتجات الأميركية.
ويطرح ذكر الله رؤيته لسبل إنجاح وديمومة دعوات المقاطعة للمنتجات والسلع الأميركية بأهمية البدء بمقاطعة السلع الأميركية الكمالية التي لا تدخل في الاستهلاك الضروري للأسرة العربية مع توفير البديل المناسب لها.
ويضيف أن الهيئات والشخصيات التي دعت للمقاطعة يجب عليها أن تستثمر البيئة المواتية الآن لنجاح المقاطعة عبر تحفيز الشعوب التي ترغب في أخذ زمام المبادرة وأن إعلان ترامب جاء كفرصة لها لنصرة القدس والقضية الفلسطينية عبر سلاح المقاطعة.
ويرى رجل الأعمال مصعب المصري، أن دعوات المقاطعة إن لم يخطط لها وتنفذ بشكل صحيح فستتحول إلى ضغط معنوي وليس مادياً، كما يمكن أن يقتصر التأثير على الوكلاء المحليين لتوزيع وبيع المنتجات الأميركية.
وحذر المصري من المبالغة في دعوات المقاطعة دون وجود مردود فعلي أو بدائل للمستهلك المحلي، مشيرا إلى أن وجود مصانع للشركات الكبرى في كثير من دول العالم وتحولها لشركات مساهمة جعل من الصعب تحديد جنسيتها وحصرها في دولة بعينها.
من جهته يقول الدكتور عبدالرحمن السيد، استشاري الطب النفسي إن هناك عوامل نفسية تعيق في كثير من الأحيان إنجاح المقاطعة بشكل كامل وهي تتعلق بشكل رئيس في استجابة البعض وعدم استجابة البعض الأخر مما يصيب من قاطع بالإحباط لعدم نجاح دعوته رغم أهمية القضية التي رفع من أجلها لواء المقاطعة.
ويضيف السيد أن ثقافة المواطن تلعب دورا في هذه المسألة، ففي المجال الصحي غالبا ما يلجأ المريض لاستخدام بعض الأدوية المستوردة لثبات فعاليتها، كما أن حملات الدعاية الضخمة التي تقوم بها شركات الأدوية العالمية عابرة القارات تساعد في ترسيخ تلك الثقافة لدى المستهلك.
ويشير السيد إلى أن بعض النقابات المهنية المصرية ساهمت في الدعوة للمقاطعة في الوقت الذي يستمر فيه أعضاؤها في الترويج للأدوية بدون قصد سواء الطبيب الذي يكتب روشتة العلاج للمرضى بأدوية أميركية أو الصيدلي الذي يقوم بصرفها.
ويرى السيد أن تفعيل ونجاح دعوات المقاطعة يجب أن يدعمه قرار سياسي بوقف استيراد سلع بعينها أو موقف وطني من رجال الأعمال وكلاء بعض السلع بوقف استيرادها.
دعوات عربية
ودعت نقابات عربية مهنية وأحزاب وناشطون لمقاطعة المنتجات الأميركية عقب صدور قرار ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي ينقل السفارة الأميركية للقدس.
ففي مصر، دعت نقابة الأطباء أعضاءها لمقاطعة الأدوية الأميركية، كما أكدت نقابة صيادلة مصر أنها تجري حصرا بأسماء الأدوية المستوردة والتي تنتجها الشركات الأميركية، ولها بدائل في السوق المصري، بهدف توعية الصيادلة بعدم شراء مثل تلك الأدوية.
كما أكد الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة المصريين، في تصريحات صحفية أن حجم استهلاك العرب من "الفياغرا" الأميركية فقط حوالى 1.5 مليار دولار سنويا.
ونص مشروع قانون مقدم في مجلس النواب المصري في ديسمبر الماضي بتوقيع أكثر من 60 برلمانياً، على "حظر شراء أو استيراد أية منتجات أميركية إلى مصر بصورة مباشرة، أو من خلال وكلائها، أياً كان منشأها"، وقصر الاستيراد على "حالات الضرورة التي يُحددها الوزير المختص، بعد العرض على مجلس الوزراء، واشتراط موافقة مجلس النواب".
وقال الأمين العام لاتحاد الغرف العربية التابع لجامعة الدول العربية، خالد حنفي عقب قرار ترامب إن "القرار يؤثر على المصالح الاقتصادية الأميركية في المنطقة العربية"
وفي الأردن، قال الرئيس السابق للجنة مقاومة التطبيع التابعة للنقابات المهنية الأردنية، مناف مجلي لـ "العربي الجديد": "يجب، في هذا الوقت، تفعيل حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وإطلاق حملة مماثلة لمقاطعة السلع الأميركية في مختلف دول العالم؛ لمساندة الجهود المبذولة عربياً ودولياً لعرقلة قرار ترامب غير المسؤول".
وفي تونس، قال رئيس منظمة الدفاع عن المستهلكين، سليم سعد الله، لـ "العربي الجديد" إن الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأميركية ستكون نقطة أساسية ضمن جدول أعمال المكتب الوطني للمنظمة الذي سينعقد هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن الشارع التونسي يبدي تجاوبا مع دعوات المقاطعة التي تقودها منظمته.
وتظهر بيانات عن الصادرات الأميركية أن الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، استوردت منتجات من الولايات المتحدة بأكثر من 100 مليار دولار خلال العام الماضي، وسط توقعات بتسجيل نفس الرقم تقريباً بنهاية العام الجاري، مع استثناء قيمة صفقات السلاح.
وتعتبر الدول العربية ضمن أكبر 10 دول مستوردة للسلاح من أميركا، حيث جاءت السعودية في المقدمة بواردات أسلحة تعادل 13% من مجمل صادرات الولايات المتحدة للأسلحة، أي ما يعادل 6.5 مليارات دولار، ثم الإمارات 8.72% بما يعادل 5 مليارات دولار، والعراق 5.44% بما يعادل 3 مليارات دولار، ثم مصر التي اشترت 3.57% من صادرات الأسلحة الأميركية بما يعادل 1.8 مليار دولار.