دخلت الجزائر العام 2018 بمعطيات ومؤشرات اقتصادية تنذر بعام أصعب من 2017، إذ تواجه الحكومة الجزائرية تحديات بدأت تزيد مع دخول الأزمة المالية بالبلاد عامها الرابع على التوالي بسبب تراجع إيرادات النفط، كما تزيد مخاوف المواطنين على مستقبل جيوبهم المنهكة من انفلات جديد للأسعار في مختلف السلع.
وإذا كانت الأزمات المالية صداعاً حقيقياً في رأس الحكومة، فإن ما ينتظرها على المستوى الداخلي خاصة في ما يتعلق بواجبات "الدولة" تجاه الشعب، يبقى تحدياً أكبر يحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، خاصة وأن سنة 2018 ستكون الأخيرة في عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الرئاسية الرابعة، والذي لم يفصل بعد في أمر ترشحه للعهدة الخامسة من عدمه.
فحكومة أحمد أويحي التي نجحت في توفير 16 مليار دولار لميزانية "الدعم" الذي يوجه لأسعار المواد واسعة الاستهلاك كالحليب والخبز والأدوية بالإضافة إلى الوقود والكهرباء والماء وتمويل الخدمات كالصحة والتعليم، ستجد نفسها أمام عقبة كبيرة وهي "حماية القدرة الشرائية" للمواطن التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بفعل تواصل تدهور الدينار الذي انزلق قرابة 35% من قيمته في ظرف سنتين، ما أثر على وتيرة التضخم التي بلغت 6% قي شهر نوفمبر/تشرين الثاني وهو رقم أكبر من توقعات الحكومة التي وضعتها عند بداية السنة الماضية والتي لم تتعد 3.8%.
ضعف القدرة الشرائية
يرى الخبير الاقتصادي الدولي ومستشار الحكومة سابقًا، عبد الرحمن مبتول أن "الحكومة تتعهد بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن السنة القادمة دون أن تكشف لنا عن الطريقة أو الآليات التي ستعتمد عليها للوصول إلى هذا الهدف، فالتضخم وانهيار الدينار قفز بالأسعار قرابة 30% وهناك بعض المواد قفزت أسعارها 50%، في حين أن رواتب العمال بقيت مستقرة".
وأضاف مبتول في حديثه لـ "العربي الجديد": "الحكومة توجهت نهاية السنة الماضية إلى طبع ما يعادل قرابة 12 مليار دولار من النقود في ظرف شهرين فقط، حتى تسمح للخزينة العمومية بالاقتراض من البنك المركزي، ولا ندري كم ستطبع من الأموال السنة الجارية، مضيفاً: "المعلوم أن طبع الأموال في اقتصاد ريعي غير منتج كالاقتصاد الجزائري سيخلف ارتفاعاً في مستويات التضخم، ويهوي بقيمة العملة، وبالتالي ستكون القدرة الشرائية للمواطن أمام أكبر "امتحان بقاء" لها منذ بداية الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، حسب مبتول.
النمو والبطالة
اقــرأ أيضاً
ومن أبرز التحديات التي تنتظر الحكومة على المستوى الداخلي خلال سنة 2018، إحداث حراك في الاقتصاد الجزائري الذي مسه الركود منذ 2015، ما أثر على نسب النمو التي لم تتعد 3% في أحسن الأحوال حسب آخر أرقام صندوق النقد الدولي، ومن أجل ذلك قرر أويحي رفع التجميد على المشاريع الحكومية بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2018، ما سيمح بخلق مزيد من مناصب الشغل والحد من البطالة التي بلغت لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة 12% في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حسب إحصائيات رسمية.
كما قررت الحكومة الجزائرية فتح 48 منطقة صناعية كبرى في الجزائر مطلع 2018، ومنحها للمستثمرين بالقطاع الخاص، من أجل إقامة مصانع، ولم تتوقف الحكومة عند هذا الحد من تقديم امتيازات للمستثمرين، بل تعداه للتنازل عن الشركات العمومية للقطاع الخاص، بعد إبرام اتفاقية بين الحكومة ورجال الأعمال والاتحاد العام للعمال الجزائريين، أخيراً، يقضي بفتح رأسمال الشركات العمومية أمام الخواص مقابل تعهد رجال الأعمال بعدم تسريح العمال.
وحسب الخبير الاقتصادي، إسماعيل لا لماس، لـ"العربي الجديد" فإن "الحديث عن تنويع الاقتصاد وفك ارتباطه بعائدات النفط هو حديث قديم ولا ندري ما الجديد الذي سيأتي به سنة 2018، فتنويع الاقتصاد لا يكون بقرارات إدارية وعشوائية لا ندري عواقبها، فقبل 20 سنة قررت الحكومة خصخصة الشركات بـ "الدينار الرمزي"، حيث تنازل عن الشركات العمومية مجاناً، ولا ندري إلى اليوم ما مصير تلك الشركات، هل لا تزال على قيد الحياة أم اندثرت اقتصادياً؟"
ويضيف الخبير الجزائري أن "تنويع الاقتصاد وكبح الواردات وغيرها من القرارات الكبرى يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وليس إلى شعارات وعناوين براقة بعيدة عن واقعية الاقتصاد ومنطق الأرقام التي تكذب كل مرة الخطاب الرسمي".
منع الاستيراد
تواصل الحكومة للعام الثالث على التوالي كبح الواردات في مقدمة أهدافها السنوية، حيث دشنت حكومة أويحي السنة الجديدة بخطة مغايرة للحكومات التي سبقتها منذ 2016، تعتمد على المنع الكلي للاستيراد عوض التقليص الكمي، إذ تم منع دخول نحو 1000 منتج إلى الجزائر بدءاً من الشهر الجاري، بعدما قررت الحكومة إلغاء نظام الرخص الإدارية الذي تم اعتماده مطلع 2016 والذي يحدد كمية وقيمة ما يتم استيراده سنوياً من سلع، وبررت الحكومة هذا الإلغاء بمحدودية تأثير "رخص الاستيراد" على كبح الواردات التي تراجعت بملياري دولار فقط، من 49 مليار دولار سنة 2016 إلى 47 مليار دولار السنة الحالية.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "وضع قائمة سوداء للمواد والسلع الممنوعة من الاستيراد لن يختلف تأثيره كثيراً عن تأثير رخص الاستيراد التي أثبتت الأرقام فشلها، فكثير من السلع الموضوعة في القائمة لا تتعدى فاتورة استيرادها 50 مليون دولار وهناك ما لا يتعدى حتى 10 ملايين دولار".
تآكل الاحتياطي
تعتبر حماية احتياطي البلاد من العملة الصعبة من التآكل السريع أول هدف تريد الحكومة الوصول إليه من منع استيراد أكثر من ألف منتج، حيث هوى الاحتياطي إلى 102 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بعدما كان 115 مليار دولار عند بداية السنة الماضية، وتتوقع الحكومة الجزائرية، حسب تصريحات وزير المالية الحالي، عبد الرحمان راوية، أن ينخفض الاحتياطي إلى 85.2 مليار دولار في العام 2018، أي ما يعادل 18.8 شهراً من الواردات، ليصل إلى 79.7 مليار دولار نهاية 2019، ثم 76.2 مليار دولار، قي 2020.
وحسب أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة الجزائر، عبد الرحمان عية، لـ "العربي الجديد" فإن "الحفاظ على احتياطي الصرف ليس بيد الحكومة الجزائرية، بل يخضع لعوامل أخرى منها داخلية وأخرى خارجية"، مضيفاً أن "وتيرة الاستيراد، بالإضافة إلى تطور أسعار النفط في الأسواق الدولية هي التي تحدد مصير احتياطي الصرف، فالجزائر مثلاً خسرت السنة الماضية قرابة 30 مليار دولار من الاحتياطي في ظرف 9 أشهر فقط بسبب استقرار وتيرة ما يتم استيراده، قابل ذلك تواصل انهيار أسعار النفط تحت عتبة 50 دولاراً وأحياناً كثيرة تحت 45 دولاراً".
اقــرأ أيضاً
وإذا كانت الأزمات المالية صداعاً حقيقياً في رأس الحكومة، فإن ما ينتظرها على المستوى الداخلي خاصة في ما يتعلق بواجبات "الدولة" تجاه الشعب، يبقى تحدياً أكبر يحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، خاصة وأن سنة 2018 ستكون الأخيرة في عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الرئاسية الرابعة، والذي لم يفصل بعد في أمر ترشحه للعهدة الخامسة من عدمه.
فحكومة أحمد أويحي التي نجحت في توفير 16 مليار دولار لميزانية "الدعم" الذي يوجه لأسعار المواد واسعة الاستهلاك كالحليب والخبز والأدوية بالإضافة إلى الوقود والكهرباء والماء وتمويل الخدمات كالصحة والتعليم، ستجد نفسها أمام عقبة كبيرة وهي "حماية القدرة الشرائية" للمواطن التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بفعل تواصل تدهور الدينار الذي انزلق قرابة 35% من قيمته في ظرف سنتين، ما أثر على وتيرة التضخم التي بلغت 6% قي شهر نوفمبر/تشرين الثاني وهو رقم أكبر من توقعات الحكومة التي وضعتها عند بداية السنة الماضية والتي لم تتعد 3.8%.
ضعف القدرة الشرائية
يرى الخبير الاقتصادي الدولي ومستشار الحكومة سابقًا، عبد الرحمن مبتول أن "الحكومة تتعهد بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن السنة القادمة دون أن تكشف لنا عن الطريقة أو الآليات التي ستعتمد عليها للوصول إلى هذا الهدف، فالتضخم وانهيار الدينار قفز بالأسعار قرابة 30% وهناك بعض المواد قفزت أسعارها 50%، في حين أن رواتب العمال بقيت مستقرة".
وأضاف مبتول في حديثه لـ "العربي الجديد": "الحكومة توجهت نهاية السنة الماضية إلى طبع ما يعادل قرابة 12 مليار دولار من النقود في ظرف شهرين فقط، حتى تسمح للخزينة العمومية بالاقتراض من البنك المركزي، ولا ندري كم ستطبع من الأموال السنة الجارية، مضيفاً: "المعلوم أن طبع الأموال في اقتصاد ريعي غير منتج كالاقتصاد الجزائري سيخلف ارتفاعاً في مستويات التضخم، ويهوي بقيمة العملة، وبالتالي ستكون القدرة الشرائية للمواطن أمام أكبر "امتحان بقاء" لها منذ بداية الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، حسب مبتول.
النمو والبطالة
ومن أبرز التحديات التي تنتظر الحكومة على المستوى الداخلي خلال سنة 2018، إحداث حراك في الاقتصاد الجزائري الذي مسه الركود منذ 2015، ما أثر على نسب النمو التي لم تتعد 3% في أحسن الأحوال حسب آخر أرقام صندوق النقد الدولي، ومن أجل ذلك قرر أويحي رفع التجميد على المشاريع الحكومية بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2018، ما سيمح بخلق مزيد من مناصب الشغل والحد من البطالة التي بلغت لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة 12% في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حسب إحصائيات رسمية.
كما قررت الحكومة الجزائرية فتح 48 منطقة صناعية كبرى في الجزائر مطلع 2018، ومنحها للمستثمرين بالقطاع الخاص، من أجل إقامة مصانع، ولم تتوقف الحكومة عند هذا الحد من تقديم امتيازات للمستثمرين، بل تعداه للتنازل عن الشركات العمومية للقطاع الخاص، بعد إبرام اتفاقية بين الحكومة ورجال الأعمال والاتحاد العام للعمال الجزائريين، أخيراً، يقضي بفتح رأسمال الشركات العمومية أمام الخواص مقابل تعهد رجال الأعمال بعدم تسريح العمال.
وحسب الخبير الاقتصادي، إسماعيل لا لماس، لـ"العربي الجديد" فإن "الحديث عن تنويع الاقتصاد وفك ارتباطه بعائدات النفط هو حديث قديم ولا ندري ما الجديد الذي سيأتي به سنة 2018، فتنويع الاقتصاد لا يكون بقرارات إدارية وعشوائية لا ندري عواقبها، فقبل 20 سنة قررت الحكومة خصخصة الشركات بـ "الدينار الرمزي"، حيث تنازل عن الشركات العمومية مجاناً، ولا ندري إلى اليوم ما مصير تلك الشركات، هل لا تزال على قيد الحياة أم اندثرت اقتصادياً؟"
ويضيف الخبير الجزائري أن "تنويع الاقتصاد وكبح الواردات وغيرها من القرارات الكبرى يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة وليس إلى شعارات وعناوين براقة بعيدة عن واقعية الاقتصاد ومنطق الأرقام التي تكذب كل مرة الخطاب الرسمي".
منع الاستيراد
تواصل الحكومة للعام الثالث على التوالي كبح الواردات في مقدمة أهدافها السنوية، حيث دشنت حكومة أويحي السنة الجديدة بخطة مغايرة للحكومات التي سبقتها منذ 2016، تعتمد على المنع الكلي للاستيراد عوض التقليص الكمي، إذ تم منع دخول نحو 1000 منتج إلى الجزائر بدءاً من الشهر الجاري، بعدما قررت الحكومة إلغاء نظام الرخص الإدارية الذي تم اعتماده مطلع 2016 والذي يحدد كمية وقيمة ما يتم استيراده سنوياً من سلع، وبررت الحكومة هذا الإلغاء بمحدودية تأثير "رخص الاستيراد" على كبح الواردات التي تراجعت بملياري دولار فقط، من 49 مليار دولار سنة 2016 إلى 47 مليار دولار السنة الحالية.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "وضع قائمة سوداء للمواد والسلع الممنوعة من الاستيراد لن يختلف تأثيره كثيراً عن تأثير رخص الاستيراد التي أثبتت الأرقام فشلها، فكثير من السلع الموضوعة في القائمة لا تتعدى فاتورة استيرادها 50 مليون دولار وهناك ما لا يتعدى حتى 10 ملايين دولار".
تآكل الاحتياطي
تعتبر حماية احتياطي البلاد من العملة الصعبة من التآكل السريع أول هدف تريد الحكومة الوصول إليه من منع استيراد أكثر من ألف منتج، حيث هوى الاحتياطي إلى 102 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بعدما كان 115 مليار دولار عند بداية السنة الماضية، وتتوقع الحكومة الجزائرية، حسب تصريحات وزير المالية الحالي، عبد الرحمان راوية، أن ينخفض الاحتياطي إلى 85.2 مليار دولار في العام 2018، أي ما يعادل 18.8 شهراً من الواردات، ليصل إلى 79.7 مليار دولار نهاية 2019، ثم 76.2 مليار دولار، قي 2020.
وحسب أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة الجزائر، عبد الرحمان عية، لـ "العربي الجديد" فإن "الحفاظ على احتياطي الصرف ليس بيد الحكومة الجزائرية، بل يخضع لعوامل أخرى منها داخلية وأخرى خارجية"، مضيفاً أن "وتيرة الاستيراد، بالإضافة إلى تطور أسعار النفط في الأسواق الدولية هي التي تحدد مصير احتياطي الصرف، فالجزائر مثلاً خسرت السنة الماضية قرابة 30 مليار دولار من الاحتياطي في ظرف 9 أشهر فقط بسبب استقرار وتيرة ما يتم استيراده، قابل ذلك تواصل انهيار أسعار النفط تحت عتبة 50 دولاراً وأحياناً كثيرة تحت 45 دولاراً".