لم تصدر حتى الآن الأرقام الإحصائية النهائية عن الناتج المحلي الإجمالي، والدخل القومي، لدول عربية كثيرة عن عام 2016، وبعضها ولا حتى عن عام 2015. وكذلك، فإن الشك في صحة الأرقام وارد لدول عربية تواجه مشكلات وتحديات داخلية جسيمة، بسبب الفتن والحروب التي تجتاحها.
وتتحايل المنظمات الدولية المصدرة لأرقام الدخل القومي على النقص في المعلومات بالتقديرات العلمية، وبالوسائل الإحصائية المستندة إلى سنة مرجعية، تعتمد منطلقا لتلك التقديرات.
ولهذا، على الباحث أن يقبل بهذه التقديرات على علاتها، علماً أن بعض الفرضيات التي تستند إليها الأرقام النهائية مشكوكٌ في صحته وأهليته.
وعليه، فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية الإثنتين والعشرين مقاساً بالدولارات الدولية يساوي ما قدره 2.87 تريليون دولار، أو ما قدره 3.7% من مجموع الناتج الإجمالي الدولي مقاساً بالمعيار نفسه.
وهذا يعني أن الوطن العربي الذي يشكل ما نسبته حوالي 5% من سكان العالم لا ينتج إلا 3.7% من قيمة الإنتاج العالمي للعام 2016، علماً أن الناتج الإجمالي العربي في الأعوام 2004 - 2010 كان في حدود 5% من الإنتاج العالمي.
أما عام 2017، فمن المؤكد أن الزيادة (أي زيادة مهما كانت) ومهما بالغنا في التفاؤل، فإن الناتج المحلي الإجمالي العربي لن ينمو أكثر من نصف المعدل لعالمي ( في حدود 1.4%)، وهذا سيجعل نسبة تراجعه قياساً لإنتاج العالم في حدود 3.5%. وبالطبع، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية هو الأكبر (618 مليارا)، وثالثها الإمارات العربية المتحدة (326 مليارا) ورابعها دولة قطر (170 مليارا).
أي أن ثلاث دول خليجية يساوي مجموع ناتجها حوالي تريليون ومائة وأربعة عشر ملياراً، أو ما يساوي حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
وإذا أضفنا مصر بصفتها ثاني أكبر اقتصاد عربي، والبحرين، فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول المقاطعة لقطر يساوي حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي العربي.
يبدو أن عام 2018 المقبل قد يحمل تسوياتٍ كثيرة في بلدان، مثل سورية والعراق. أما اليمن وليبيا فلربما تتأخران حتى عن احتماليات الحل، وهناك احتمال فرض أمر واقع في فلسطين. إذن، ستبقى الأزمتان الأساسيتان في منطقة الخليج قائمتين حسب التوقعات، وهما الحرب في اليمن، والمقاطعة الاقتصادية الموجهة ضد دولة قطر.
ولو أضفنا مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول المقاطعة، بالإضافة إلى اقتصاد قطر، فإنها جميعاً تشكل ما يوازي 55% أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
دعونا ننسى مصر حالياً، لأنها ليست خليجية، وهي تسعى، بكل قوة، لكي تصوّب أوضاعها الاقتصادية، لكن اعتمادها على دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، ربما يتعرّض لتحدياتٍ، ليس لمصر يد فيها.
تعاني المملكة العربية السعودية من قانون جاستا الذي يسمح لأقارب ضحايا يوم 11 سبتمبر/ أيلول من عام 2001 برفع قضايا تعويض مادي كبير في المحاكم الأميركية. ولا تستطيع أي جهة إلغاء هذا القانون، طالما أن الكونغرس الأميركي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، يقرّه بأغلبية ساحقة.
ولكن طلع علينا اليوم، كما يبدو في الصحف الأميركية، وعلى ألسنة أعضاء في الكونغرس، من يؤكد أن الخلاف بين دولة قطر من ناحية، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من ناحية أخرى، قد ينطوي على قضايا جزائية كبرى في محاكم الولايات المتحدة.
وإذا استطاعت دولة قطر أن تقدم البراهين على ما ستدّعي به أمام المحاكم من أن الدولتين الأخريين يقومان بتمويل الإرهاب (السعودية + الإمارات)، وبيع نفط إيران (الإمارات)، وبتبييض النقود (الإمارات)، فسيدفع هذا الأمر آلاف المواطنين، ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل وفي العالم كله، لمقاضاة هاتين الدولتين. ولربما تجد قطر نفسها أمام ادّعاءات مشابهة، وإن كانت الفرصة لذلك أقل بكثير بالمقارنة مع الدولتين الأخريين، حسب ما يفهم من المنشور في الصحف من تصريحات وتعليقات.
سوف تنطوي هذه القضايا على مبالغ كبيرة جداً، ربما تصل إلى تريليون دولار أو أكثر. ولن تستطيع الإدارة الأميركية أن تفعل شيئاً إذا سعى الكونغرس إلى سن قانون جديد، مثل جاستا، أو إذا أقرّت المحاكم الأميركية، بما فيها المحكمة العليا، أحقية مطالبة الدولتين الخليجيتين بدفع التعويضات المدّعى بها.
هذه القضية خطيرة جداً. وربما تتحول إلى أكبر تحدٍّ تواجهه الدول المعنية في مجلس التعاون، والدول العربية ذات العلاقة الوثيقة بدول مجلس التعاون. وإذا صحّ هذا الأمر، ستصبح المخالفات الجديدة في المنطقة حالة حتمية، لا مجرد تخمين أو تحليل سياسي.
وعليه، فإن المطلوب لمواجهة تحديات الأعوام المقبلة، وفي ظل تنامي قوة كل من تركيا، وإيران خصوصا، وإسرائيل أن يجد العرب لأنفسهم أسلوباً جديداً في التعاون لحل مشكلاتهم، فالسيف قد يصل إلى الرقاب.
ومن اللافت للنظر أن مجلس التعاون بدأ يفقد وزنه، ومن الأدلة على ذلك أن الدعوة التي وجهتها دولة الكويت لضم الأردن إلى مجلس التعاون لم تلق صدى بالأهمية نفسها من باقي دول مجلس التعاون، أو حتى من الأردن، مثلما لقيته الدعوة حين وجهت للأردن والمغرب عام 2013.
إذا كانت الدول الخليجية التي تشكل اقتصاداتها نصف الناتج المحلي الإجمالي الغربي سوف تشهد تحدياتٍ كبرى خلال 2018، مثل التقاضي أمام المحاكم الأميركية، واستمرار حرب اليمن، واستمرار التقطع في العلاقات، فإن الوضع مرشح للانهيار.
فماذا عن آلاف العمال العرب من مصر والأردن وفلسطين والسودان والمغرب ولبنان الذين يعملون في دول الخليج؟ وماذا عن الأرصدة التي تملكها الصناديق السيادية الخليجية، والتي تربو على 1.8 تريليون دولار؟
هنالك سيناريو لعام 2018 نرجو ألا يتحقق، وأن نصحو جميعا من غفوتنا، وأن نوقف تمادينا في الانتقام من بعضنا بعضا، وأن نتذكّر أننا نسبح في بحرٍ تحيطنا فيه عمالقة أسماك القرش الجائعة والمتربصة لتأكل لحومنا.
اقــرأ أيضاً
وتتحايل المنظمات الدولية المصدرة لأرقام الدخل القومي على النقص في المعلومات بالتقديرات العلمية، وبالوسائل الإحصائية المستندة إلى سنة مرجعية، تعتمد منطلقا لتلك التقديرات.
ولهذا، على الباحث أن يقبل بهذه التقديرات على علاتها، علماً أن بعض الفرضيات التي تستند إليها الأرقام النهائية مشكوكٌ في صحته وأهليته.
وعليه، فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية الإثنتين والعشرين مقاساً بالدولارات الدولية يساوي ما قدره 2.87 تريليون دولار، أو ما قدره 3.7% من مجموع الناتج الإجمالي الدولي مقاساً بالمعيار نفسه.
وهذا يعني أن الوطن العربي الذي يشكل ما نسبته حوالي 5% من سكان العالم لا ينتج إلا 3.7% من قيمة الإنتاج العالمي للعام 2016، علماً أن الناتج الإجمالي العربي في الأعوام 2004 - 2010 كان في حدود 5% من الإنتاج العالمي.
أما عام 2017، فمن المؤكد أن الزيادة (أي زيادة مهما كانت) ومهما بالغنا في التفاؤل، فإن الناتج المحلي الإجمالي العربي لن ينمو أكثر من نصف المعدل لعالمي ( في حدود 1.4%)، وهذا سيجعل نسبة تراجعه قياساً لإنتاج العالم في حدود 3.5%. وبالطبع، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية هو الأكبر (618 مليارا)، وثالثها الإمارات العربية المتحدة (326 مليارا) ورابعها دولة قطر (170 مليارا).
أي أن ثلاث دول خليجية يساوي مجموع ناتجها حوالي تريليون ومائة وأربعة عشر ملياراً، أو ما يساوي حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
وإذا أضفنا مصر بصفتها ثاني أكبر اقتصاد عربي، والبحرين، فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول المقاطعة لقطر يساوي حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي العربي.
يبدو أن عام 2018 المقبل قد يحمل تسوياتٍ كثيرة في بلدان، مثل سورية والعراق. أما اليمن وليبيا فلربما تتأخران حتى عن احتماليات الحل، وهناك احتمال فرض أمر واقع في فلسطين. إذن، ستبقى الأزمتان الأساسيتان في منطقة الخليج قائمتين حسب التوقعات، وهما الحرب في اليمن، والمقاطعة الاقتصادية الموجهة ضد دولة قطر.
ولو أضفنا مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول المقاطعة، بالإضافة إلى اقتصاد قطر، فإنها جميعاً تشكل ما يوازي 55% أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
دعونا ننسى مصر حالياً، لأنها ليست خليجية، وهي تسعى، بكل قوة، لكي تصوّب أوضاعها الاقتصادية، لكن اعتمادها على دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، ربما يتعرّض لتحدياتٍ، ليس لمصر يد فيها.
تعاني المملكة العربية السعودية من قانون جاستا الذي يسمح لأقارب ضحايا يوم 11 سبتمبر/ أيلول من عام 2001 برفع قضايا تعويض مادي كبير في المحاكم الأميركية. ولا تستطيع أي جهة إلغاء هذا القانون، طالما أن الكونغرس الأميركي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، يقرّه بأغلبية ساحقة.
ولكن طلع علينا اليوم، كما يبدو في الصحف الأميركية، وعلى ألسنة أعضاء في الكونغرس، من يؤكد أن الخلاف بين دولة قطر من ناحية، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات من ناحية أخرى، قد ينطوي على قضايا جزائية كبرى في محاكم الولايات المتحدة.
وإذا استطاعت دولة قطر أن تقدم البراهين على ما ستدّعي به أمام المحاكم من أن الدولتين الأخريين يقومان بتمويل الإرهاب (السعودية + الإمارات)، وبيع نفط إيران (الإمارات)، وبتبييض النقود (الإمارات)، فسيدفع هذا الأمر آلاف المواطنين، ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل وفي العالم كله، لمقاضاة هاتين الدولتين. ولربما تجد قطر نفسها أمام ادّعاءات مشابهة، وإن كانت الفرصة لذلك أقل بكثير بالمقارنة مع الدولتين الأخريين، حسب ما يفهم من المنشور في الصحف من تصريحات وتعليقات.
سوف تنطوي هذه القضايا على مبالغ كبيرة جداً، ربما تصل إلى تريليون دولار أو أكثر. ولن تستطيع الإدارة الأميركية أن تفعل شيئاً إذا سعى الكونغرس إلى سن قانون جديد، مثل جاستا، أو إذا أقرّت المحاكم الأميركية، بما فيها المحكمة العليا، أحقية مطالبة الدولتين الخليجيتين بدفع التعويضات المدّعى بها.
هذه القضية خطيرة جداً. وربما تتحول إلى أكبر تحدٍّ تواجهه الدول المعنية في مجلس التعاون، والدول العربية ذات العلاقة الوثيقة بدول مجلس التعاون. وإذا صحّ هذا الأمر، ستصبح المخالفات الجديدة في المنطقة حالة حتمية، لا مجرد تخمين أو تحليل سياسي.
وعليه، فإن المطلوب لمواجهة تحديات الأعوام المقبلة، وفي ظل تنامي قوة كل من تركيا، وإيران خصوصا، وإسرائيل أن يجد العرب لأنفسهم أسلوباً جديداً في التعاون لحل مشكلاتهم، فالسيف قد يصل إلى الرقاب.
ومن اللافت للنظر أن مجلس التعاون بدأ يفقد وزنه، ومن الأدلة على ذلك أن الدعوة التي وجهتها دولة الكويت لضم الأردن إلى مجلس التعاون لم تلق صدى بالأهمية نفسها من باقي دول مجلس التعاون، أو حتى من الأردن، مثلما لقيته الدعوة حين وجهت للأردن والمغرب عام 2013.
إذا كانت الدول الخليجية التي تشكل اقتصاداتها نصف الناتج المحلي الإجمالي الغربي سوف تشهد تحدياتٍ كبرى خلال 2018، مثل التقاضي أمام المحاكم الأميركية، واستمرار حرب اليمن، واستمرار التقطع في العلاقات، فإن الوضع مرشح للانهيار.
فماذا عن آلاف العمال العرب من مصر والأردن وفلسطين والسودان والمغرب ولبنان الذين يعملون في دول الخليج؟ وماذا عن الأرصدة التي تملكها الصناديق السيادية الخليجية، والتي تربو على 1.8 تريليون دولار؟
هنالك سيناريو لعام 2018 نرجو ألا يتحقق، وأن نصحو جميعا من غفوتنا، وأن نوقف تمادينا في الانتقام من بعضنا بعضا، وأن نتذكّر أننا نسبح في بحرٍ تحيطنا فيه عمالقة أسماك القرش الجائعة والمتربصة لتأكل لحومنا.