تُرخي الأوضاع الأمنية والسياسية ثقلها على مهرجان "كانّ"، وإنْ يبقى منظّموه بمنأى عن تأثيراتها المباشرة، لاهتمامهم الأساسيّ بالسينما، وبما تزخر به من مواضيع وأساليب اشتغال وجماليات. ولعلّ أجمل تحدٍّ لأوضاع مضطربة كهذه، يكمن في بعض السخرية والضحك.
ذلك أن بيار لسكور (1945) ـ الصحافي والإعلامي ورجل الأعمال الفرنسي، الذي عُيِّن رئيساً للمهرجان في 14 يناير/كانون الثاني 2014، للمرة الأولى، وأُعيد انتخابه في 16 يناير/كانون الثاني 2017 لـ3 أعوام جديدة ـ تمنّى أن تبقى النزاعات السياسية الحادة والتهديدات الأمنية، التي تجوب العالم، بعيدة عن المهرجان. مُشيراً إلى 3 أطراف يُحمِّلها مسؤولية الارتباك الدولي: كوريا الشمالية، والوضع الخطر في سورية، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما أنه، بنبرة طريفة ـ لا تخلو من قلقٍ إزاء مستقبل فرنسا وموقعها الدوليّ ـ يقول إن الدورة الـ70 تبدأ بعد وقتٍ قليلٍ على انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية الفرنسية، في لحظة تاريخية تُشبه "فيلم تشويق".
إذاً، بدأت الدورة هذه، التي تلقّت 1930 فيلماً، مقابل 1665 فيلماً عام 2010 (يُعرض منها 119 فيلماً في مسابقات وبرامج مختلفة). إزاء رقمٍ كهذا، أعلن المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو (1960) أن الخيارات منبثقة، أساساً، من أولوية اللغة السينمائية وجمالياتها الفنية والفكرية، وأن المشترك بين الأفلام المُختارة يتمثّل في "توثيق العيش المشترك" بين الشعوب والأفراد والثقافات والحضارات. علماً أن بعضها يأخذ مشاهديه في رحلات روحية وجغرافية وإنسانية، وإلى أماكن وحالات يصعب بلوغها، عادةً.
هذا "وعدٌ" يُعلنه فريمو، وينتظر كثيرون لمسه في الأفلام المختارة، ومنها 18 فيلماً تتنافس على "السعفة الذهبية" وجوائز أخرى، خاصة في المسابقة الرسمية، التي يترأس الإسباني بدرو ألمودوفار لجنة تحكيمها، المؤلَّفة من الألمانية مارِنْ آدي، والأميركية جيسيكا تشاستن، والصينية فان بينغبينغ، والفرنسية آنيياس جاوي، والكوري الجنوبي بارك شان ـ ووك، والأميركي ويل سميث، والإيطالي باولو سورّينتينو، والفرنسي اللبناني الأصل غبريال يارد.
أحد أفلام المسابقة يحمل عنوان "في الظلام"، للألماني التركي فاتي آكين: تنقلب حياة كاتيا رأساً على عقب، إثر مقتل زوجها وابنهما بسبب انفجار قنبلة، فتبدأ رحلة الثأر بعد انتهائها من فترة الحِداد. ويتجوّل الأميركي نوا بومباك، في "حكايات مييروفيتز"، بين الأجيال، قارئاً صراع إخوة وأخوات، في ظلّ شيخوخة والدهم. أما الفرنسي روبن كامبيلّون فيعود ـ في "120 دقّة في الدقيقة" ـ إلى تسعينيات القرن الـ20، لمتابعة نضال ناشطين مدنيين، يواجهون اللامبالاة العامة إزاء بدء تفشّي مرض الـ "إيدز"، قبل ذلك بـ10 أعوام. وعندما ينضمّ متطوّع جديد، يُصدم سريعاً براديكالية عضو أصيل في المجموعة.
الأميركية صوفيا كوبولا تستعيد، في "المغشوش"، مرحلة الحرب الأهلية الأميركية (1861 ـ 1865)، كي تروي حكاية مارتا فرانسوورث (نيكول كيدمان)، مسؤولة مدرسة داخلية خاصّة بالفتيات، بعد وصول جندي مُصاب بإصابات خطرة، توافق على العناية به، قبل أن ينخرط الجميع في تبدّلات إنسانية وانفعالية واجتماعية مختلفة. وإذْ يُمكن اعتبار شخصية فرانسوورث "حقيقية"، من دون التأكّد من هذا، فإن شخصية النحّات الفرنسي أوغست رودان (1840 ـ 1917) ستكون النواة الدرامية لـ "رودان"، للفرنسي جاك دوايون. في حين أن مواطنه فرانسوا أوزون يكشف، في "العشيق المزدوج"، بعض خفايا علاقة مُعالِج نفسيّ بامرأة تأتيه لتلقّي العلاج، بعد تعرّضها لانهيار عصبيّ.
إلى ذلك، يتناول الأميركي تود هاينس، في "وندرستراك"، حكاية صبيّين أصمّين، يعيشان في زمنين مختلفين (1927 و1977)، ويهربان من نيويورك. ورغم 50 عاماً تفصل بينهما، إلاّ أنهما مرتبطان، أحدهما بالآخر، بسرّ غامض. في حين أن اليوناني يورغوس لنثيموس يأتي إلى "كانّ" بفيلم "قتل الغزال المقدّس"، الذي يروي حكاية جرّاح مرموق وامرأته طبيبة عيون، يعانيان تدخّلاً غريباً في حياتهما من قِبل صبي يفقد والده، فيتبنّاه الجرّاح.
أما النمساوي ميشاييل هانيكه فيتناول، في "نهاية سعيدة" (مع إزابيل أوبير)، واقعاً راهناً، بسرده حكاية عائلة بورجوازية تعيش نوعاً من عزلة عن العالم، في ظلّ أزمة اللاجئين في المنطقة الفرنسية "كاليه". بينما يروي الفرنسي ميشال أزانافيسيوس، في "المريع"، مقتطفات من حياة المخرج السويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار، وعلاقته بآن فيازيمسكي (ستايسي مارتن). ويختلف "وقت طيّب"، للأخوين الأميركيين بِنْ وجوشوا سَفْدي، عنهما كلّياً، بانتمائه إلى النوع البوليسي: بعد فشل عملية سرقة، يُلقى القبض على نِكْ، بينما يفرّ شقيقه كوني، الذي سيسعى جاهداً لإنقاذه، ما يُدخل الجميع في جحيم ليلة عاصفة بالحركة والتشويق.
هناك أيضاً فيلمان لمخرجين كوريين جنوبيين: "اليوم التالي" لهونغ سانغ ـ سو، و"أوكجا" لبونغ جون ـ هو. يسرد الأول حكاية حبّ ينتهي، وثأر يبدأ، بين ناشرٍ وزوجته، التي تعثر ذات يوم على رسالة حب من عشيقته، التي تخلّت عنه. وينتقل الثاني من جبال كوريا الجنوبية إلى نيويورك، بعد قيام أحدهم بـ "اختطاف" حيوان نادر، ما يُدخل صديقته ومالكته في مغامرة استعادته (تمثيل تيلدا سوينتن).
بالإضافة إلى ذلك، هناك اليابانية ناومي كواسّي، القادمة إلى "كانّ" بفيلمها الجديد "إلى الضوء": قصة لقاء بين عاملة في صناعة السينما ومُصوِّر فوتوغرافي يفقد نظره تدريجياً. بينما يتابع الروسي أندره زفياغينتسف، في "خالٍ من الحبّ"، مسار زوجين يريدان الطلاق، فيرتّبان حياتهما، كلّ لوحده. في حين أن الأوكراني سرغي لوزنيتسا يُصوِّر، في "مخلوق لطيف"، رحلة سيدة ترغب في زيارة زوجها المسجون لجرمٍ لم يرتكبه، بعد استلامها طرداً بريدياً، أرسلته سابقاً إلى زوجها.
الإسكتلندية لين رامسي تُنجز "لم تكن هنا حقّاً": بحّار سابق يسعى إلى إنقاذ شابّة من شبكة دعارة. بينما يبتعد المجري كورنيل موندروزكو، في "قمر المشتري"، عن مسألة اللاجئين، رغم أن بطله لاجئ يخترق حدوداً، ويفرّ من رجال الأمن، قبل أن يُنقذه أحدهم، رغبةً منه في معرفة سرّه.
اقــرأ أيضاً
ذلك أن بيار لسكور (1945) ـ الصحافي والإعلامي ورجل الأعمال الفرنسي، الذي عُيِّن رئيساً للمهرجان في 14 يناير/كانون الثاني 2014، للمرة الأولى، وأُعيد انتخابه في 16 يناير/كانون الثاني 2017 لـ3 أعوام جديدة ـ تمنّى أن تبقى النزاعات السياسية الحادة والتهديدات الأمنية، التي تجوب العالم، بعيدة عن المهرجان. مُشيراً إلى 3 أطراف يُحمِّلها مسؤولية الارتباك الدولي: كوريا الشمالية، والوضع الخطر في سورية، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما أنه، بنبرة طريفة ـ لا تخلو من قلقٍ إزاء مستقبل فرنسا وموقعها الدوليّ ـ يقول إن الدورة الـ70 تبدأ بعد وقتٍ قليلٍ على انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية الفرنسية، في لحظة تاريخية تُشبه "فيلم تشويق".
إذاً، بدأت الدورة هذه، التي تلقّت 1930 فيلماً، مقابل 1665 فيلماً عام 2010 (يُعرض منها 119 فيلماً في مسابقات وبرامج مختلفة). إزاء رقمٍ كهذا، أعلن المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو (1960) أن الخيارات منبثقة، أساساً، من أولوية اللغة السينمائية وجمالياتها الفنية والفكرية، وأن المشترك بين الأفلام المُختارة يتمثّل في "توثيق العيش المشترك" بين الشعوب والأفراد والثقافات والحضارات. علماً أن بعضها يأخذ مشاهديه في رحلات روحية وجغرافية وإنسانية، وإلى أماكن وحالات يصعب بلوغها، عادةً.
هذا "وعدٌ" يُعلنه فريمو، وينتظر كثيرون لمسه في الأفلام المختارة، ومنها 18 فيلماً تتنافس على "السعفة الذهبية" وجوائز أخرى، خاصة في المسابقة الرسمية، التي يترأس الإسباني بدرو ألمودوفار لجنة تحكيمها، المؤلَّفة من الألمانية مارِنْ آدي، والأميركية جيسيكا تشاستن، والصينية فان بينغبينغ، والفرنسية آنيياس جاوي، والكوري الجنوبي بارك شان ـ ووك، والأميركي ويل سميث، والإيطالي باولو سورّينتينو، والفرنسي اللبناني الأصل غبريال يارد.
أحد أفلام المسابقة يحمل عنوان "في الظلام"، للألماني التركي فاتي آكين: تنقلب حياة كاتيا رأساً على عقب، إثر مقتل زوجها وابنهما بسبب انفجار قنبلة، فتبدأ رحلة الثأر بعد انتهائها من فترة الحِداد. ويتجوّل الأميركي نوا بومباك، في "حكايات مييروفيتز"، بين الأجيال، قارئاً صراع إخوة وأخوات، في ظلّ شيخوخة والدهم. أما الفرنسي روبن كامبيلّون فيعود ـ في "120 دقّة في الدقيقة" ـ إلى تسعينيات القرن الـ20، لمتابعة نضال ناشطين مدنيين، يواجهون اللامبالاة العامة إزاء بدء تفشّي مرض الـ "إيدز"، قبل ذلك بـ10 أعوام. وعندما ينضمّ متطوّع جديد، يُصدم سريعاً براديكالية عضو أصيل في المجموعة.
الأميركية صوفيا كوبولا تستعيد، في "المغشوش"، مرحلة الحرب الأهلية الأميركية (1861 ـ 1865)، كي تروي حكاية مارتا فرانسوورث (نيكول كيدمان)، مسؤولة مدرسة داخلية خاصّة بالفتيات، بعد وصول جندي مُصاب بإصابات خطرة، توافق على العناية به، قبل أن ينخرط الجميع في تبدّلات إنسانية وانفعالية واجتماعية مختلفة. وإذْ يُمكن اعتبار شخصية فرانسوورث "حقيقية"، من دون التأكّد من هذا، فإن شخصية النحّات الفرنسي أوغست رودان (1840 ـ 1917) ستكون النواة الدرامية لـ "رودان"، للفرنسي جاك دوايون. في حين أن مواطنه فرانسوا أوزون يكشف، في "العشيق المزدوج"، بعض خفايا علاقة مُعالِج نفسيّ بامرأة تأتيه لتلقّي العلاج، بعد تعرّضها لانهيار عصبيّ.
إلى ذلك، يتناول الأميركي تود هاينس، في "وندرستراك"، حكاية صبيّين أصمّين، يعيشان في زمنين مختلفين (1927 و1977)، ويهربان من نيويورك. ورغم 50 عاماً تفصل بينهما، إلاّ أنهما مرتبطان، أحدهما بالآخر، بسرّ غامض. في حين أن اليوناني يورغوس لنثيموس يأتي إلى "كانّ" بفيلم "قتل الغزال المقدّس"، الذي يروي حكاية جرّاح مرموق وامرأته طبيبة عيون، يعانيان تدخّلاً غريباً في حياتهما من قِبل صبي يفقد والده، فيتبنّاه الجرّاح.
أما النمساوي ميشاييل هانيكه فيتناول، في "نهاية سعيدة" (مع إزابيل أوبير)، واقعاً راهناً، بسرده حكاية عائلة بورجوازية تعيش نوعاً من عزلة عن العالم، في ظلّ أزمة اللاجئين في المنطقة الفرنسية "كاليه". بينما يروي الفرنسي ميشال أزانافيسيوس، في "المريع"، مقتطفات من حياة المخرج السويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار، وعلاقته بآن فيازيمسكي (ستايسي مارتن). ويختلف "وقت طيّب"، للأخوين الأميركيين بِنْ وجوشوا سَفْدي، عنهما كلّياً، بانتمائه إلى النوع البوليسي: بعد فشل عملية سرقة، يُلقى القبض على نِكْ، بينما يفرّ شقيقه كوني، الذي سيسعى جاهداً لإنقاذه، ما يُدخل الجميع في جحيم ليلة عاصفة بالحركة والتشويق.
هناك أيضاً فيلمان لمخرجين كوريين جنوبيين: "اليوم التالي" لهونغ سانغ ـ سو، و"أوكجا" لبونغ جون ـ هو. يسرد الأول حكاية حبّ ينتهي، وثأر يبدأ، بين ناشرٍ وزوجته، التي تعثر ذات يوم على رسالة حب من عشيقته، التي تخلّت عنه. وينتقل الثاني من جبال كوريا الجنوبية إلى نيويورك، بعد قيام أحدهم بـ "اختطاف" حيوان نادر، ما يُدخل صديقته ومالكته في مغامرة استعادته (تمثيل تيلدا سوينتن).
بالإضافة إلى ذلك، هناك اليابانية ناومي كواسّي، القادمة إلى "كانّ" بفيلمها الجديد "إلى الضوء": قصة لقاء بين عاملة في صناعة السينما ومُصوِّر فوتوغرافي يفقد نظره تدريجياً. بينما يتابع الروسي أندره زفياغينتسف، في "خالٍ من الحبّ"، مسار زوجين يريدان الطلاق، فيرتّبان حياتهما، كلّ لوحده. في حين أن الأوكراني سرغي لوزنيتسا يُصوِّر، في "مخلوق لطيف"، رحلة سيدة ترغب في زيارة زوجها المسجون لجرمٍ لم يرتكبه، بعد استلامها طرداً بريدياً، أرسلته سابقاً إلى زوجها.
الإسكتلندية لين رامسي تُنجز "لم تكن هنا حقّاً": بحّار سابق يسعى إلى إنقاذ شابّة من شبكة دعارة. بينما يبتعد المجري كورنيل موندروزكو، في "قمر المشتري"، عن مسألة اللاجئين، رغم أن بطله لاجئ يخترق حدوداً، ويفرّ من رجال الأمن، قبل أن يُنقذه أحدهم، رغبةً منه في معرفة سرّه.