19 يناير 2024
معركة المحكمة الدستورية العليا في أميركا
عاشت الولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين معركة أجواء سياسية حادة بشأن تعيين قاض جديد في المحكمة الدستورية العليا، ولم يكن الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين بوصفه صراعاً حزبياً تقليدياً، وإنما صراع حول توجه أميركا المستقبل نحو سياسة تقدّمية يسارية الطابع، أم نحو أميركا يمينية شديدة المحافظية، فالمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة تضم تسعة قضاة يعينون مدى الحياة. ويعود عليهم البتّ في قضايا مصيرية كثيرة، ليس السياسية فحسب، وإنما أيضا الاجتماعية منها والاقتصادية. ولذلك دوما ما يقال إن عضو المحكمة الدستورية العليا يعادل 60 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، لأن تعيينه يحتاج موافقة ستين عضوا في مجلس الشيوخ، بعد اقتراحٍ يأتي من الرئيس، لكن دوره في صياغة القوانين والطعن بها، أو دفعها، يعادل التشريع الذي يحتاج ستين عضواً في مجلس الشيوخ. ولذلك تبدو المعركة على أشدها اليوم بين الطرفين، وتستخدم فيها كل الأسلحة من أجل تعيين/ أو منع أو حتى تأخير أو تأجيل تعيين القاضي المقترح من الرئيس ترامب، وهو القاضي كافانا.
في العادة يقوم كل رئيس أميركي بولايتين دستوريتين كاملتين، مدتها ثماني سنوات، بتعيين قاضيين للمحكمة الدستورية العليا، حيث غالبا خلال ثماني سنوات من حكم أي رئيس أن يتوفى أو يعلن تقاعده عضو في المحكمة الدستورية العليا. ولذلك غالبا ما يعيّن الرئيس المنتخب قاضيا قريبا من توجهاته الليبرالية أو المحافظة، لتعزيز وجهة النظر التي يؤمن بها داخل المحكمة، وكي تقوم المحكمة بالحكم في القرارات المصيرية وفق التوجهات العامة التي يتمنّاه بها.
ولذلك تتم مراجعة كل الإنتاج العلمي والبحثي للقاضي المرشح، لمعرفة توجهات حكمه على الأشياء، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً، لكن أعضاء مجلس الشيوخ يأخذون هذه العملية
بجدّية كبيرة للغاية، لما لها من أثر على مستقبل أميركا بالعموم، وعلى مستقبل توجهات ناخبيهم. وغالبا ما يعتبر تعيين قاض جديد في المحكمة أحد إنجازات الرئيس، ويسجل دوماً في سجل نجاحاته، سيما إذا كان القاضي فاعلا في دعم القوانين التي توافق توجهات الرئيس، محافظة أم ليبرالية، كما جرى مع تعيين الرئيس ريغان القاضي سكاليا.
لماذا المعركة؟ ما حدث أن القاضي سكاليا، أحد أعمدة القضاة المحافظين في تاريخ المحكمة، توفي قبل 11 شهرا من الانتخابات الرئاسية في عام 2016، وكان الرئيس السابق، باراك أوباما، قد قام بتعيين قاضيين في المحكمة الدستورية العليا خلال سنواته الثماني في البيت الأبيض، لكن وفاة القاضي سكاليا المفاجئة اعتبرت فرصة استثنائية لتغيير التوازن في المحكمة لصالح القضاة ذوي التوجهات الليبرالية، مع غلبة عددهم في هذا التعيين، قام الرئيس أوباما بترشيح قاض جديد، لكن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون رفض هذا التعيين، بل ورفض أن يعقدوا جلسات استماع له، وقالوا إن الرئيس الجديد هو من عليه أن يقوم بهذا التعيين. وقاموا بتعطيل هذا التعيين 11 شهراً. فاز ترامب على غير المتوقع، فعيّن قاضيا جديدا يدعى نيل غورزيتش الذي أظهرت مواقفه وكتاباته في المحكمة الدستورية العليا خلال العام الماضي أنه شديد المحافظية، حتى أكثر من القضاة المحافظين في المحكمة نفسها. وبالتالي، هذا ما عزّز شكوك الديمقراطيين أن التعيين الجديد إذا ما تم سيقود المحكمة نحو أغلبية محافظية، وستعيد الطعن بقرارات كثيرة سابقة خاصة بالهجرة وحقوق المثليين وغيرها، ما تعتبر مكاسب مهمة للتيار الليبرالي والديمقراطي في الولايات المتحدة.
أعلن القاضي كينيدي، في يونيو/ حزيران الماضي، أنه سيتقاعد، وبالتالي سيترك فراغاً في
المحكمة الدستورية العليا. كينيدي قام بتعيينه الرئيس ريغان، لكنه خدم في المحكمة الدستورية العليا 30 عاماً، واشتهر بآرائه المرجحة، خصوصا فيما يتعلق بحكم المحكمة الدستورية العليا فيما يتعلق بزواج المثليين في عام 2006، وبالتالي أحدث تقاعده فراغاً مبكراً للرئيس ترامب الذي لم يمض على وجوده في البيت الأبيض أقل من عامين. وسيعين عضوين في المحكمة الدستورية العليا، والأشخاص الذي سيتم تعيينهم هم في مقتبل العمر، ومن خلفيات شديدة المحافظة، وبالتالي سيكون لهم تأثير في الثلاثين عاماً المقبلة في تحديد مستقبل المحكمة، ومستقبل الولايات المتحدة وتوجهاتها.
ولذلك، بدت المعركة بشأن تعيين القاضي كافانا الذي نجح بفارق أصواتٍ ضئيل للغاية (50 صوتا مع مقابل 48 صوتا ضد) إلى أشدّها مع اتهامه بالتحرّش الجنسي في مرحلة المدرسة الثانوية واتهامه بالكذب، وغير ذلك من الأساليب التي استخدمها الديمقراطيون لعرقلة تعيينه بأي شكل، حتى الانتخابات النصفية المقبلة، على أمل أن يحصل الديمقراطيون حينها على أغلبية في مجلس الشيوخ، وبالتالي يستطيعون عرقلة أي مرشح يمكن أن يأتي من الرئيس ترامب، أو إجباره على تعيين قاض ليبرالي، أو على الأقل أكثر توازناً من الترشيحات التي قدمها.
كانت معركة سياسية بالأساس، لكن تداعياتها ضخمة فيما يتعلق بتحديد مستقبل أميركا وتوجهاتها المستقبلية على مدى العقود المقبلة. وبقدر ما تكون نتائج المعركة ذات أثر كبير، وذات أهمية، بقدر ما تحلل فيها كل الوسائل، بهدف منع تعيين القاضي الجديد الذي يُخشى أن يكون الصوت الراجح في تغيير كثير من أحكام المحكمة الدستورية العليا، خصوصا بعدما أظهر حزبية واضحة في مداخلاته خلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، حيث قال إن منع تعيينه هو أشبه بانتقام هيلاري كلينتون من فشلها في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام الرئيس الحالي دونالد ترامب. وهو توجه أخاف ديمقراطيين كثيرين يعتقدون أنه سيكون قاضيا شديد الحزبية وشديد المحافظية.
في العادة يقوم كل رئيس أميركي بولايتين دستوريتين كاملتين، مدتها ثماني سنوات، بتعيين قاضيين للمحكمة الدستورية العليا، حيث غالبا خلال ثماني سنوات من حكم أي رئيس أن يتوفى أو يعلن تقاعده عضو في المحكمة الدستورية العليا. ولذلك غالبا ما يعيّن الرئيس المنتخب قاضيا قريبا من توجهاته الليبرالية أو المحافظة، لتعزيز وجهة النظر التي يؤمن بها داخل المحكمة، وكي تقوم المحكمة بالحكم في القرارات المصيرية وفق التوجهات العامة التي يتمنّاه بها.
ولذلك تتم مراجعة كل الإنتاج العلمي والبحثي للقاضي المرشح، لمعرفة توجهات حكمه على الأشياء، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً، لكن أعضاء مجلس الشيوخ يأخذون هذه العملية
لماذا المعركة؟ ما حدث أن القاضي سكاليا، أحد أعمدة القضاة المحافظين في تاريخ المحكمة، توفي قبل 11 شهرا من الانتخابات الرئاسية في عام 2016، وكان الرئيس السابق، باراك أوباما، قد قام بتعيين قاضيين في المحكمة الدستورية العليا خلال سنواته الثماني في البيت الأبيض، لكن وفاة القاضي سكاليا المفاجئة اعتبرت فرصة استثنائية لتغيير التوازن في المحكمة لصالح القضاة ذوي التوجهات الليبرالية، مع غلبة عددهم في هذا التعيين، قام الرئيس أوباما بترشيح قاض جديد، لكن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون رفض هذا التعيين، بل ورفض أن يعقدوا جلسات استماع له، وقالوا إن الرئيس الجديد هو من عليه أن يقوم بهذا التعيين. وقاموا بتعطيل هذا التعيين 11 شهراً. فاز ترامب على غير المتوقع، فعيّن قاضيا جديدا يدعى نيل غورزيتش الذي أظهرت مواقفه وكتاباته في المحكمة الدستورية العليا خلال العام الماضي أنه شديد المحافظية، حتى أكثر من القضاة المحافظين في المحكمة نفسها. وبالتالي، هذا ما عزّز شكوك الديمقراطيين أن التعيين الجديد إذا ما تم سيقود المحكمة نحو أغلبية محافظية، وستعيد الطعن بقرارات كثيرة سابقة خاصة بالهجرة وحقوق المثليين وغيرها، ما تعتبر مكاسب مهمة للتيار الليبرالي والديمقراطي في الولايات المتحدة.
أعلن القاضي كينيدي، في يونيو/ حزيران الماضي، أنه سيتقاعد، وبالتالي سيترك فراغاً في
ولذلك، بدت المعركة بشأن تعيين القاضي كافانا الذي نجح بفارق أصواتٍ ضئيل للغاية (50 صوتا مع مقابل 48 صوتا ضد) إلى أشدّها مع اتهامه بالتحرّش الجنسي في مرحلة المدرسة الثانوية واتهامه بالكذب، وغير ذلك من الأساليب التي استخدمها الديمقراطيون لعرقلة تعيينه بأي شكل، حتى الانتخابات النصفية المقبلة، على أمل أن يحصل الديمقراطيون حينها على أغلبية في مجلس الشيوخ، وبالتالي يستطيعون عرقلة أي مرشح يمكن أن يأتي من الرئيس ترامب، أو إجباره على تعيين قاض ليبرالي، أو على الأقل أكثر توازناً من الترشيحات التي قدمها.
كانت معركة سياسية بالأساس، لكن تداعياتها ضخمة فيما يتعلق بتحديد مستقبل أميركا وتوجهاتها المستقبلية على مدى العقود المقبلة. وبقدر ما تكون نتائج المعركة ذات أثر كبير، وذات أهمية، بقدر ما تحلل فيها كل الوسائل، بهدف منع تعيين القاضي الجديد الذي يُخشى أن يكون الصوت الراجح في تغيير كثير من أحكام المحكمة الدستورية العليا، خصوصا بعدما أظهر حزبية واضحة في مداخلاته خلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، حيث قال إن منع تعيينه هو أشبه بانتقام هيلاري كلينتون من فشلها في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام الرئيس الحالي دونالد ترامب. وهو توجه أخاف ديمقراطيين كثيرين يعتقدون أنه سيكون قاضيا شديد الحزبية وشديد المحافظية.