02 سبتمبر 2024
كوميديا النصب والاحتيال
سيرة جامعي الأموال النَصَّابين فَتَحَتْ شهيةَ العم أبي محمد على الكلام في سهرات "الإمتاع والمؤانسة" الأخيرة، مع أنه قبل ذلك كان يؤثر أن يبقى مستمعاً. قال ما معناه إن الإنسان معرضاً لكل شيء، من الممكن أن يحمل في حقيبته الصغيرة مبلغ 200 ألف ليرة سورية (أي ما يعادل 4500 دولار)، ويدخل في منطقة مزدحمة، فتسقط الحقيبة من جيبه، ويضيع المبلغ، أو تُسْرَق الحقيبة من جيبه بطريقة (النَشْتَرَة)، أو أنه قد يشتري خضاراً بثلاثمائة ألف ليرة على أمل أن يبيعها في بازار معرتمصرين يوم الجمعة ويربح بها، وفجأةً تطلع مسيرة تأييد لحافيييظ الأسد في مدينة إدلب، ويقوم عناصرُ الأمن والشبيحة بإجبار أهل البلد على ركوب الباصات والشاحنات والسفر إلى إدلب لإعلان تأييدهم (الطوعي/الإجباري) لهذا القائد التاريخي، فتكسد البضاعة، وخشية أن تذبل الخضار وتفسد يضطر لأن يبيعها بخسارة تصل إلى 200 ألف ليرة.
قال أبو جهاد معلقاً على هذه الاحتمالات: بهالحالة انته راحْ تنقهرْ وتزعلْ على ضياعْ المبلغ، أو على سرقة الحقيبة، أو على الخسارة، وأكيد راح تسبّ (في قلبك) على حافييظ الأسدْ وعلى اللي بلانا فيه هالبلوة.
قال أبو محمد: نعم. بس هادا الزعلْ يبيبقى إبنْ ساعتُه. يعني الواحد بيزعلْ وبينقهر شوي، وبعدها بينسى الموضوع.. والناس الآخرين ما بيعرفوا باللي صار معه، وإذا عرفوا راح يتضامنوا معه ويقولوا له: العَوَضْ بسلامتكْ. أما الـ 200 ألف ليرة اللي أنا أودعتْها مع النصابْ الحاج عبد الغني فصارتْ قصتها قصة، وكل أهل البلد عرفوا فيها، وما في حدا إلا لامني على تصرفي الغبي.. وبقينا يا سيدي زمن طويل ما عم نعرفْ كيف بدنا نخلص من هالسالفة.
قال أبو إبراهيم: أنا بتذكر بعض التفاصيلْ من اللي صارتْ بهديك الأيامْ. الناس المودعين مصاري مع النصاب عبد الغني كانوا يحيطوا الموضوع بالسرية التامة، لأنه المعروف عن الناس الطفرانين أصحاب الدخل المحدود إنه ما في معهم فائض، ودائماً لما بتنفتحْ سيرة المصاري الكل بيقولوا: الله يساعدنا، نحن الراتب يا دوب عم يكفينا لنص الشهر.. بتعرفوا ليش؟ لأن الواحد منهم بيخافْ إنه شي حدا يقلُّه: طالما انته فقيرْ ومفلسْ وأندبوري وراتبك ما بيكفيك لنص الشهر، من وين جبت مصاري وحطيتها مع الحاج عبد الغني؟
قلت: أنا بخشى يظهرْ كلامْ أبو إبراهيمْ وكَأَنُّه عَمْ يدينْ الناسْ الطفرانين ويتهمهم بالكذب. كلياتنا منعرف إنه الموظف في سورية كان يتزوج مَرَا موظفة بهدف إنها تشيل معه أعباء الأسرة، يعني الأسرة لازم يكون فيها راتبين، والناس كانت تتصرف بحكمة حيال المصاريف، وكتير من الأحيان بيشدُّوا الأحزمة على البطون، حتى ما ينكشفْ الحالْ ويتبهدلوا. وشي طبيعي إنهم يعملوا فائض ويودعوه مع إنسان كويس عسى يجيهم منه مبلغْ شهري إضافي يعينهم على بلاويهم. ولكن في أغلب الأحوال بيطلعْ هالشخصْ نَصَّابْ.
قال أبو إبراهيم: خلوني أكمل فكرتي. الناس عرفوا بالقصة لأن بَلَدْنا زغيرة وما فيها سرّ بيتخبى. لما الحاج عبد الغني أعلنْ إفلاسُه، ووصْل الخبر عَ البلد، بلشوا الناس يكشفوا أسرارْ بعضهم البعض عن طريق التسلسل. مثلاً، كان يجي واحد من الناس ع المقهى ويقول: بتعرفوا مين حاطط مصاري مع النصاب الحاج عبد الغني؟
ويذكرُ اسمَ أحدِ الناس، والمبلغَ الذي أودعه، فيرد عليه آخر قائلاً: أي هادا الزلمة مشكلته زغيرة (جنحة)، روح تفرج عَ المناحة اللي صايرة في بيت فلان الفلاني، اللي باع بيته وسيارته وحط مليون ليرة مع هادا الحجي النصاب.
على هذا المنوال تنتقل الأخبار من شخص إلى آخر مثلما تنتقل النار في العشب اليابس الذي يسمونه (الهشيم).
قال أبو محمد: أنا من كترْ ما أجاني اتصالاتْ بالتلفونْ، وأجوا ناس أصحاب وقرايبين لحتى يطيبوا خاطري على ضياع الـ200 ألف ليرة، أَخَدِتْ أم محمد والولاد وسافرنا ع اللادقية، استأجرنا شاليه ع البحرْ وقعدنا أسبوع، ولما رجعت عَ البلد، كنت نافض راسي من القصة، وتقريباً كنت نسيانها.. هون بقى اشْتَغْلِتْ الأفلام، أو متلما بيقول الأستاذ كمال بَلَّشِتْ الدراما.. بس اللي صار معي مو دراما.. صار هاي اللي أشو بتسموها؟ اللي بتضحك..
قال كمال: كوميديا.
قال أبو محمد: أي نعم. لأنه كان عندنا في البلد شخص نصف مجنون، تَرَكْ كل أمة الله ولحقني عَ الدعسة، على ما أظن إنه هالنصف مجنون حلف يمين إنه طوال ما هوي عايش على وجه الأرض مستحيلْ يخليني إنسى إني في وقت من الأوقاتْ صرت مَضْحَكة وأودعتْ مصاري مع واحدْ نصابْ.. كنت في بعض الأوقات أروحْ عَ المقهى حتى إتسلى بلعب طاولة الزهر، وكان يجي ويطلب مني إني إلعبْ معه.. وكنا نلعبْ، لحتى نوصل لمنتصف اللعبة، ويمسك هوي النرد ويخشخش فيه ويقول: هاي الحدفة لعيون سكرتيرة الحاجْ عبد الغني! وأنا أعصّب وأطوي الطاولة، وأوقف وأرفع يدي حتى إضربه، فيهرب من المقهى وهوي عم يضحك، وما عاد أشوفه خلالْ اليوم كله..
تاني يوم كنت أنا رايح عَ السوق فطلع قدامي شحاد مْلَتَّمْ، وصارْ يقلي: من مالْ ألله يا أخي.. قلت له: روح يا أخي، على الله.. هون رفع اللثام عن وجهه، وعرفت إنه هادا الأهبل، وقال لي: أنا لأني شحاد ما بتعطيني خمس ليرات من مال ألله، للحاج عبد الغني بتروح من هون لحلب وبتناوله 200 ألف ليرة؟ من دون يمين هالرجل النصف مجنون جنني، بدكم الصراحة؟ بهديكه الأيام صار هوي أعقل مني!
للحديث تتمة...
قال أبو جهاد معلقاً على هذه الاحتمالات: بهالحالة انته راحْ تنقهرْ وتزعلْ على ضياعْ المبلغ، أو على سرقة الحقيبة، أو على الخسارة، وأكيد راح تسبّ (في قلبك) على حافييظ الأسدْ وعلى اللي بلانا فيه هالبلوة.
قال أبو محمد: نعم. بس هادا الزعلْ يبيبقى إبنْ ساعتُه. يعني الواحد بيزعلْ وبينقهر شوي، وبعدها بينسى الموضوع.. والناس الآخرين ما بيعرفوا باللي صار معه، وإذا عرفوا راح يتضامنوا معه ويقولوا له: العَوَضْ بسلامتكْ. أما الـ 200 ألف ليرة اللي أنا أودعتْها مع النصابْ الحاج عبد الغني فصارتْ قصتها قصة، وكل أهل البلد عرفوا فيها، وما في حدا إلا لامني على تصرفي الغبي.. وبقينا يا سيدي زمن طويل ما عم نعرفْ كيف بدنا نخلص من هالسالفة.
قال أبو إبراهيم: أنا بتذكر بعض التفاصيلْ من اللي صارتْ بهديك الأيامْ. الناس المودعين مصاري مع النصاب عبد الغني كانوا يحيطوا الموضوع بالسرية التامة، لأنه المعروف عن الناس الطفرانين أصحاب الدخل المحدود إنه ما في معهم فائض، ودائماً لما بتنفتحْ سيرة المصاري الكل بيقولوا: الله يساعدنا، نحن الراتب يا دوب عم يكفينا لنص الشهر.. بتعرفوا ليش؟ لأن الواحد منهم بيخافْ إنه شي حدا يقلُّه: طالما انته فقيرْ ومفلسْ وأندبوري وراتبك ما بيكفيك لنص الشهر، من وين جبت مصاري وحطيتها مع الحاج عبد الغني؟
قلت: أنا بخشى يظهرْ كلامْ أبو إبراهيمْ وكَأَنُّه عَمْ يدينْ الناسْ الطفرانين ويتهمهم بالكذب. كلياتنا منعرف إنه الموظف في سورية كان يتزوج مَرَا موظفة بهدف إنها تشيل معه أعباء الأسرة، يعني الأسرة لازم يكون فيها راتبين، والناس كانت تتصرف بحكمة حيال المصاريف، وكتير من الأحيان بيشدُّوا الأحزمة على البطون، حتى ما ينكشفْ الحالْ ويتبهدلوا. وشي طبيعي إنهم يعملوا فائض ويودعوه مع إنسان كويس عسى يجيهم منه مبلغْ شهري إضافي يعينهم على بلاويهم. ولكن في أغلب الأحوال بيطلعْ هالشخصْ نَصَّابْ.
قال أبو إبراهيم: خلوني أكمل فكرتي. الناس عرفوا بالقصة لأن بَلَدْنا زغيرة وما فيها سرّ بيتخبى. لما الحاج عبد الغني أعلنْ إفلاسُه، ووصْل الخبر عَ البلد، بلشوا الناس يكشفوا أسرارْ بعضهم البعض عن طريق التسلسل. مثلاً، كان يجي واحد من الناس ع المقهى ويقول: بتعرفوا مين حاطط مصاري مع النصاب الحاج عبد الغني؟
ويذكرُ اسمَ أحدِ الناس، والمبلغَ الذي أودعه، فيرد عليه آخر قائلاً: أي هادا الزلمة مشكلته زغيرة (جنحة)، روح تفرج عَ المناحة اللي صايرة في بيت فلان الفلاني، اللي باع بيته وسيارته وحط مليون ليرة مع هادا الحجي النصاب.
على هذا المنوال تنتقل الأخبار من شخص إلى آخر مثلما تنتقل النار في العشب اليابس الذي يسمونه (الهشيم).
قال أبو محمد: أنا من كترْ ما أجاني اتصالاتْ بالتلفونْ، وأجوا ناس أصحاب وقرايبين لحتى يطيبوا خاطري على ضياع الـ200 ألف ليرة، أَخَدِتْ أم محمد والولاد وسافرنا ع اللادقية، استأجرنا شاليه ع البحرْ وقعدنا أسبوع، ولما رجعت عَ البلد، كنت نافض راسي من القصة، وتقريباً كنت نسيانها.. هون بقى اشْتَغْلِتْ الأفلام، أو متلما بيقول الأستاذ كمال بَلَّشِتْ الدراما.. بس اللي صار معي مو دراما.. صار هاي اللي أشو بتسموها؟ اللي بتضحك..
قال كمال: كوميديا.
قال أبو محمد: أي نعم. لأنه كان عندنا في البلد شخص نصف مجنون، تَرَكْ كل أمة الله ولحقني عَ الدعسة، على ما أظن إنه هالنصف مجنون حلف يمين إنه طوال ما هوي عايش على وجه الأرض مستحيلْ يخليني إنسى إني في وقت من الأوقاتْ صرت مَضْحَكة وأودعتْ مصاري مع واحدْ نصابْ.. كنت في بعض الأوقات أروحْ عَ المقهى حتى إتسلى بلعب طاولة الزهر، وكان يجي ويطلب مني إني إلعبْ معه.. وكنا نلعبْ، لحتى نوصل لمنتصف اللعبة، ويمسك هوي النرد ويخشخش فيه ويقول: هاي الحدفة لعيون سكرتيرة الحاجْ عبد الغني! وأنا أعصّب وأطوي الطاولة، وأوقف وأرفع يدي حتى إضربه، فيهرب من المقهى وهوي عم يضحك، وما عاد أشوفه خلالْ اليوم كله..
تاني يوم كنت أنا رايح عَ السوق فطلع قدامي شحاد مْلَتَّمْ، وصارْ يقلي: من مالْ ألله يا أخي.. قلت له: روح يا أخي، على الله.. هون رفع اللثام عن وجهه، وعرفت إنه هادا الأهبل، وقال لي: أنا لأني شحاد ما بتعطيني خمس ليرات من مال ألله، للحاج عبد الغني بتروح من هون لحلب وبتناوله 200 ألف ليرة؟ من دون يمين هالرجل النصف مجنون جنني، بدكم الصراحة؟ بهديكه الأيام صار هوي أعقل مني!
للحديث تتمة...