كوكب فيديل [3/9].. نموذج الصمود الكوبي

12 مايو 2016
التعليم إلزامي حتى المرحلة الثانوية (العربي الجديد)
+ الخط -

قطعت الجزيرة الكوبية الشيوعية بسواعد ثوارها الطريق أمام أي تدخل دولي فيها؛ هي سيدة نفسها. لا قوانين دولية تلتزم بها. ولا مؤسسات اقتصادية عالمية تقودها أو تفرض عليها برامج ومعايير لاستحقاق الانضمام إلى ملعب النظام العالمي الجديد.

حين اشتدّ الخناق الأميركي على الجزيرة، اشتدّ معه عناد فيديل كاسترو لقتال الإمبريالية. لم يُسلّم. حصّن البلاد من أي "عدوى" رأسمالية. سيّجها بحواجز افتراضية، لم يسمح حتى بدخول الفكرة أو المعلومة. اتجه نحو الاتحاد السوفييتي لإنقاذ الاقتصاد، ولما سقط تحوّل نحو الصين. السوق الكوبية اليوم تغرق في المنتجات الصينية، خصوصاً السيارات والإلكترونيات. لا منافس فعليا لها في كوبا، باستثناء بعض السلع الغذائية من إسبانيا أو تركيا. السلع الكوبية المحلية لا تتجاوز المنتج الغذائي الذي يزرع في الجزيرة الخصبة.

 حركة العملتين 

في بداية تسعينيات القرن الماضي، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، خسرت كوبا داعماً أساسياً لها، فاهتزّ اقتصادها أكثر وارتفع التضخم بشكل غير مسبوق، وانهارت عملتها.
عندها تدخل الحكّام الشيوعيون، ليضعوا قوانينهم الخاصة، فأنشأوا في عام 1994 عملة ثانية "كوك" وساووها بالدولار الأميركي. أجبروا السياح على التعامل بها. غرقت السوق بالعملة الصعبة، وأنقذت البلاد نفسها من الغرق. 

قبل نحو ثلاثة أعوام، قالت كوبا إنها ستوحّد عملتها. لكن في الواقع لا يزال التداول في العملتين جاريا؛ الأولى للكوبيين وتسمى (كوب أو بيزوس). والثانية (كوك) للأجانب، لكنها باتت متاحة للكوبيين أخيراً بعدما كانت محظورة عليهم. بحسب أحد الدبلوماسيين المقيمين في الجزيرة، فإنّ هافانا هي البلد الوحيد بالعالم الذي يملك عملتين، والعملة الثانية (كوك) غير مسجلة في التعاملات الدولية، وبالتالي، سيكون عليها أن توحّد عملتها مع الانفتاح الذي توّجته زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التاريخية للبلاد.

و(الكوك) يساوي 25 (كوباً). ورغم أنّ السلطة ساوت "الكوك" عند إنشائه بالدولار الأميركي، غير أنّها تتقاضى عليه نسبة 13 في المائة، أي أنّ قيمته تفوق فعلياً قيمة الدولار الأميركي (الدولار الأميركي يُصرف بـ 0.87 كوك).

رعاية شاملة

يحلو لألكس أن يتغنى بمآثر بلاده وثورتها، يقول: "عند اندلاع الثورة، كان في كوبا نحو 6 آلاف طبيب، هاجر غالبيتهم بعد الثورة، اليوم لدينا 90 ألف طبيب. مستوى النظام التعليمي عال جداً في كوبا (وهو إلزامي حتى المرحلة الثانوية). الصحة شاملة، الدواء بالمجان تقريباً، أغلى دواء هو "الأنتي بيوتيكس" ثمنه 2 كوك.
الدواء المجاني فقط للكوبي. بالنسبة للأجنبي عليه أن يدفع ثمنها بالكوك، وفي العادة يكون أغلى من السعر العالمي.
يتحدث قنصل عربي مقيم في هافانا عن الخدمات العامة التي تقدّم للكوبي، يقول إنّ الحكومة تقدّم لكل مواطن كوبي حتى يبلغ الـ 12 من عمره، وجبات غذائية شهرية. يحصل عليها من متاجر تابعة للحكومة. وفي المتاجر نفسها، تُباع السلع الغذائية الأساسية للمواطنين الكوبيين بأسعار زهيدة.


طبيعة حرّة.. ملوّنة متوازنة

تظهر ملامح البرّية للجزيرة الكوبية من الأجواء حين يقع النظر عليها للمرّة الأولى. مساحات خضراء شاسعة، لا مباني شاهقة أو مصانع تلوث البيئة وتقضي على تنوّعها البيولوجي. في كوبا، تسرح أبقار في حقول واسعة لترعى بحرّية. تجول في الأفق طيور لا تعدّ ولا تحصى بتنوعها، بعضها صغير لا يتجاوز طوله ثلاثة سنتيمترات. لا كلاب أو قطط مقيّدة، تجوب هي الأخرى في الشوارع لتتآلف مع شريكها الإنسان. يكاد سحر الطبيعة في "كوكب كوبا"، كما يصف ألكس بلاده، وتوازنها يُنسي المشاكل البيئية العالمية.

لا قيود اجتماعية أو دينية ترتبط بالزواج، هنا. الحب لا يقيّده عقد أو شهود، كما تقول يايانا؛ هي أمّ لطفل يبلغ 6 أعوام، تستغرب عند سؤالها عن زوجها، تقول "أي زوج؟ لا أريد زوجاً ليزيد عبء أعمالي المنزلية". تقاطعها ماريا لتستفسر عن السؤال. ماريا لا تجيد الإنكليزية كما يايانا؛ هي أم لثلاثة أولاد وبنتين، كانت مشغولة بتطريز ورود قطنية، وشكّها على فستان زفافها. ماريا ستتزوج من صديقها وأبي أولادها بعد علاقة دامت لـ 17 عاماً.

في سنوات ما بعد الثورة، كانت البلد ملحدة، بل وتحارب الكنيسة. لكن فيما بعد نصّ دستور 1992 على أنّها دولة علمانية (جاء في الدستور أن الحزب الشيوعي هو القوة الرئيسية للدولة والمجتمع، واستلهم مبادئه من أفكار خوسيه مارتي وماركس وأنجلز ولينين. فيما دستور 1976 كان ينص على أن نظام الدولة اشتراكي). شيوعية النظام لا تعني أن الكوبيين ملحدون، هي بلد ملوّنة الأعراق ومتعدّدة الأديان؛ هناك الكاثوليكية (الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أكبر الأديان)، والبروتستانت، وديانة سانتيرا (مزيج من الكاثوليك وديانات أفريقية، وهناك منطقة في كوبا تدعى سانتيريا تتركز فيها هذه الديانة)، وأخرى أفريقية كأوريشا. إضافة إلى نسبة قليلة من اليهود والبهائيين والمسلمين. 




لا أذان يُرفع ولا أجراس تُقرع

في وسط هافانا القديمة، شيّدت السعودية في الفترة الأخيرة جامعاً سمّته جامع الملك عبدالله. الحارس أمام المسجد، يشرح ذلك لأنّا التي أرادت الدخول لمعرفة ماهيته، ويخبرها أنه لا يمكنها أن تدخله إلا إذا كانت ترتدي غطاءً على رأسها، وأن هناك أوقاتا محددة لصلاة المسلمين. تترجم أنّا بدورها ما قال لها الحارس، وتقول: "يبدو أنه لممارسة طقوس دينية للمسلمين، لكنهم أقلية هنا، ونادراً ما نلحظ مثل هذه المباني". لكن في مكان قريب من مسجد عبدالله، هناك مبنى قديم يعود لأربعينيات القرن الماضي، يدعى "البيت العربي". شُيّد وفق هندسة أندلسية، واتخذ منه المسلمون العرب، لاسيما الدبلوماسيون، مكاناً لأداء صلاة الجمعة في كوبا. وبحسب كوبيين، فإنه لا يفتح لهذا الغرض سوى يوم الجمعة. الأذان لا يرفع في هذين المسجدين، ولعلهما الوحياين، في كوبا. كما لا تقرع أجراس الكنائس.

"السكان الأصليون"

بعدما جاءها كريستوفر كولومبوس مبحراً من شواطئ إسبانيا ليكتشف عبرها العالم الجديد، أتاها الأوروبيون، أفواجاً أفواجاً. لحق بهم آسيويون وأفارقة، لينضموا إلى السكان الأصليين. سكنت الجزيرة ثلاث قبائل (كالوسى تيكويستا وسيمينول) جميعها من شعب "تاينو"، قبل اكتشافها، يقول ألكس مخاطباً ضيوفه الأجانب، وهو يتغزّل بجمال بلاده، مشيراً إلى أشجار المانغو والكوكونات وحقول السيجار ونبتة الرام. وإلى الكهف الذي سكنه "أجدادنا الهنود".

وُضع أمام الكهف كوخ من قش يجلس فيه رجل وامرأة. تتوزع داخله وحوله الأدوات القديمة التي استخدمها الإنسان القديم الذي سكن في مثل هذا الكوخ؛ في محاكاة لحياة الأجداد الأوائل. كان "تاينو" يطلقون على الجزيرة اسم كاوبانا، التي تشير بحسب ألكس، إلى الخصوبة، ومنها جاءت تسمية البلاد بكوبا.

العرب وكوبا

العرب أيضاً موجودون في كوبا؛ يكفي أن بطل الكوبيين القومي مارتي عُرف بمديحه للعرب وخصالهم في أشعاره. يعدّون بعشرات الآلاف ومندمجون مع المجتمع الكوبي. 
وبالنسبة للقضايا العربية، فإنّ اللافت والغريب في آن، أنّ النظام في كوبا الذي لا يزال يحيا بثورته، لا يؤيد الثورة السورية.

 يظهر ذلك جلّياً بالصوت والصورة العربيَين اللذين يمرّان على محطة إخبارية، في دعاية حول"المساواة والعدالة" بالتعاون مع قناة "الميادين" الفضائية المموّلة من إيران. ويظهر أيضاً من خلال ثناء دبلوماسي تابع لأحد الأنظمة العربية الموالية لإيران على"الأمن المتشدّد في كوبا"، و"الرعاية الشاملة التي تحيط بها مواطنيها" و"عدائها للأميركيين"، عند انتقاد التعامل الأمني للجزيرة مع الزائر، والحلف "الوثيق" لنظام بلاده مع حكام الجزيرة، و"أسبقية هذا التحالف" على علاقة كوبا مع بقية الدول العربية، على حدّ قوله.

...يتبع






المساهمون