تسبب فيروس كورونا الجديد في خسائر ضخمة، وإن كانت بدرجات متفاوتة، لأكبر اقتصادات العالم، كما لأصغرها وأفقرها، بعد أن تعطل الإنتاج في شركات ومصانع أغلب مدن ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الصين)، ليتسبب في تعطيل سلاسل الإمداد في العديد من الدول، ويتباطأ الإنتاج في كبريات الشركات، من مصنعي الطائرات والسيارات إلى منتجي ومشغلي أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية، وما بينها.
وخلال الأسبوع الماضي، خسرت أسواق الأسهم حول العالم نحو 6 تريليونات دولار، استحوذت الأسهم الأميركية على ما يقرب من ثلثيها، بعد أن أجمع خبراء الاقتصاد على حتمية حدوث تراجع في معدلات نمو الاقتصاد الأميركي والعالمي، مصحوباً بتراجع ربحية الشركات، على الأقل حتى يتم إيقاف الانتشار السريع للفيروس القاتل حول العالم.
ومع وجود احتمالات ضعيفة لارتفاع أسواق المال والبورصات خلال الفترة القادمة، لتعويض جزء من الخسائر التي تحققت الأسبوع الماضي، لا يبدو أن الأزمة في طريقها للحل قبل أن يتم التوصل إلى تطعيم يمنع انتقال الفيروس، إلا أن المؤكد أيضاً أن تأثيره سيكون متفاوتاً بين الصناعات المختلفة، كما الشركات المختلفة، وبالتأكيد بين الدول وبعضها البعض.
وعلى سبيل المثال، ومع نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ورغم الأحداث الدامية في سوق الأسهم الأميركية، والذي بلغت خسائر مؤشره الأشمل اس آند بي لأكبر 500 شركة أميركية ما يقرب من 13% منذ تحقيق أعلى مستوى له في 19 فبراير/ شباط المنتهي، حققت أسهم 3 شركات منها مكاسب، بلغت عند أكثرها استفادة من الأحداث، شركة ريجينيرون (لصناعة الأدوية بالتأكيد)، أكثر من 11% خلال نفس الفترة، وأكثر من 30% خلال شهر فبراير/شباط.
وعلى الناحية الأخرى من المؤشر، ظهرت أسهم شركات قطاع التكنولوجيا، التي قادت أسواق العالم صعوداً خلال الفترة الماضية، بعد أن تعطلت السوق الصينية، التي كانت المصدر الأهم لأغلب حلقات سلسلة القيمة المضافة فيها. وحققت أسهم أكبر شركتين في القطاع، وهما آبل ومايكروسوفت خسائر بلغ مجموعها أكثر من أربعمائة مليار دولار، خلال الأيام الأخيرة. وتشير التقديرات إلى انخفاض حجم البضائع الواردة إلى ميناء لوس أنجليس، أكبر الموانئ التجارية الأميركية، من الصين خلال شهر فبراير/شباط الماضي بنسبة 25%.
وفي صناعة السيارات، التي تعد واحدة من أكبر الأنشطة الاقتصادية حول العالم، تحتفظ شركة فولكسفاغن الألمانية، التي تنتج ما يقرب من 10 ملايين سيارة كل عام، بنحو 2100 وكيل للبيع في الصين، التي تحقق فيها الشركة 40% من مبيعاتها حول العالم، تم إغلاق 1400 منها، منذ اندلاع أزمة انتشار الفيروس.
وبعد انتشار الهلع بين مواطني أغلب دول العالم، وإلغاء الكثير من الحجوزات في الفنادق، توقعت سلسلة فنادق ماريوت العالمية تراجع إيراداتها بمبلغ 25 مليون دولار شهرياً، مقارنة بالتوقعات السابقة، وانخفض الطلب على حجوزات السفر إلى منطقة آسيا باسيفيك لدى شركة طيران يونايتد إير لاينز بنسبة 75%.
ومع تراجع معدلات السفر، بعد إلغاء 200 ألف رحلة طيران من وإلى وداخل الصين، وتباطؤ عمليات التجارة الدولية، انخفض الطلب على النفط، فخسرت أسهم شركتي اكسون موبيل وشيفرون أكثر من 70 مليار دولار. وتوقع رئيس مكتب الطيران الدولي أن تصل خسائر شركات الطيران والمطارات والصناعات المرتبطة إلى 100 مليار دولار بسبب الأزمة الحالية.
ومع انخفاض أسعار الأسهم، خسر أغنى 500 شخص في العالم ما تصل قيمته الإجمالية إلى 444 مليار دولار، ولم يسلم المواطن الأميركي العادي من الخسائر، حيث تُستثمر التأمينات والمعاشات المستقطعة من الموظفين مع مساهمة صاحب العمل، فيما يعرف بنظام 401K، في أسواق الأسهم والسندات، الأمر الذي ساهم في تحملهم خسائر كبيرة، لم يعرفوا لها سبباً إلا تناول أحد أو عشرات الصينيين شوربة الخفاش أو الثعابين!
وفي مصر، ستتأثر السياحة، التي كنا نعول عليها كثيراً لإصلاح الخلل في الحساب الجاري، مع إلغاء الحجوزات وتفضيل السائحين تأجيل السفر، وستتراجع إيرادات قناة السويس مع تباطؤ حركة التجارة العالمية، وربما تكون هناك تأثيرات سلبية أخرى، وإن كان بنسب أقل.
لكن المشكلة الكبرى التي قد تتعرض لها مصر ستكون عند استمرار انخفاض أسعار الأسهم في أسواق العالم، لأن الخبرات السابقة علمتنا أن مثل تلك الانخفاضات تدفع بالمستثمرين، من أصحاب الأموال الساخنة، الذين يحتفظون بأذون وسندات الخزانة بالجنيه المصري، إلى تسييل محافظهم الرابحة هنا، لأسباب مختلفة.
خروج الاستثمارات من سوق الأذون والسندات المصرية سيوضح بصورة كبيرة خطورة السياسة التي اتبعها البنك المركزي خلال الفترة الماضية، والتي قامت على استغلال الدولار الوارد من المستثمرين أصحاب الأموال الساخنة في مقابلة طلبات الاستيراد في مصر، وفي زيادة المعروض في السوق من الدولار، بصورة توحي بقوة الحساب الجاري المصري وميزان المدفوعات، فتقوي الجنيه أمامه، بينما هما في الحقيقة لم يتأثرا، وما زالا يعانيان عجزاً كبيراً، كان يفترض، لو لم يتدخل البنك المركزي بصورة خاطئة كما حدث، أن يحدثا انخفاضاً في سعر الجنيه، بدلاً من الارتفاع الخادع الذي حدث في الفترة الأخيرة.
لا يصح حل مشكلة عجز الحساب الجاري وعجز ميزان المدفوعات بالاقتراض، كما فعلنا ببيع أذون وسندات الخزانة المصرية، وبالاقتراض من السعودية والإمارات وصندوق النقد الدولي، لأن ذلك لا يحل المشكلة، وإنما يرحلها لفترات لاحقة. وتزيد تبعات تلك السياسة لو حدثت أزمات مالية خلال فترات الترحيل تلك، لأن تلك القروض تُسحب أو تُستحق، ويتعين ردها بالعملة الأجنبية، وهو ما أتوقع أن يكون له تأثيره خلال الفترة القادمة على سعر الدولار مقابل الجنيه، لو لم تتعاف أسواق الأسهم حول العالم في وقتٍ قريب.