طعم السردين المعلَّب

07 سبتمبر 2018
فادي يازجي/ سورية
+ الخط -

من بين أبرز السمات التي يمكن أن تصف وضع الروائيين في سورية، القطيعة بين الأجيال في الأدب. فلا حنا مينة تأثر بشكيب الجابري، ولا وليد إخلاصي تأثر بـ حنا مينة، حتى أن عدداً من الكتاب السوريين في التسعينيات كانوا يردّدون عبارة تقول إنهم بلا آباء، وهذا صحيح، فليس في الرواية السورية أب واحد يمكن أن يقال إنه قد ترك أثراً أدبياً، وأنا أتحدث أولاً عن التقنيات وأشكال الكتابة الأدبية، في الجيل أو الأجيال التي جاءت من بعده على صعيد الرواية.

وكان حنا مينة نفسه قد قال ذات يوم إن لروايات شكيب الجابري (وهو الروائي السوري الذي نشر أول رواية له في ثلاثينيات القرن العشرين، أي في عام 1937 وعنوانها "نهم") طعم السردين المُعلّب، في استعارة واضحة إلى غربة الروائي عن الواقع السوري من جهة، وعجزه عن أن يكون له تأثير فكري أولاً، أو فنّي ثانياً في الرواية التي جاءت من بعده، أو في أدب الروائي نفسه من جهة أخرى.

وفي كل الأحوال لن تجد روائياً سورياً واحداً جاء من بعد شكيب الجابري، يمكن أن يعترف بتأثير ما من أيّ نوع للروائي في أدبه، مما يستلزم البحث من جديد في موقع الريادة الذي يناط بالجابري، وفي معنى الريادة الروائية. في حين يبدو حليم بركات مثل جزيرة معزولة تسبح وحيدة منفردة في بحر الكتابة الروائية.

وبعكس القطيعة الأدبية والفنية بين الأجيال التي يمكن أن تلاحظ في الرواية، فإننا نستطيع أن نتحدّث عن أبوة فنية لسعيد حورانية مثلاً في القصة السورية، وهناك من يمكن أن يسمى كاتباً للقصة القصيرة أو أكثر ممن تتبّعوا آثار الخيارات الفنية والفكرية له.

وكما يمكننا أن نتحدّث عن أبوة شديدة الوضوح لزكريا تامر في من جاء من بعده أيضاً، وخاصة في مجال التقنيات الفنية التي ابتكرها للتعبير عن مشاغله، وقد أصبحت درساً، وكادت تكون مدرسة تورّث لجيل القصة التالي. بل إن عالم زكريا تامر القصصي نفسه قد أضحى عالماً "واقعياً" يمكن ملاحظته في أعمال أدبية قصصية جاءت من بعده.

وفي الشعر، يظهر بدوي الجبل وعمر أبو ريشة كأبوين محتملين لعشرات بل لمئات الشعراء السوريين الذين جاؤوا من بعدهما. أما نزار قباني فهو أكثر من يمكن أن نتتبّع آثاره في الأجيال التي جاءت من بعده، ويمكن لنزار أن يكون قد تغلغل في الحياة اليومية للسوريين، وللعرب أيضاً، نساء ورجالاً، وقد قلده الآلاف من الشبّان، حتى أمكن للنقد أن يتحدث عن ظاهرة فنية في الأدب العربي اسمها القصيدة النزارية.

أين هي المشكلة إذاً في العلاقة التي اتسمت بالقطيعة بين الروائيين؟ هل هي في غياب الروائي المبتكِر الذي لم يتوفر على تقنيات جديدة يمكن أن تفتح الباب أمام الجيل اللاحق لإضافة الجديد؟ أم هي في القطيعة المعرفية والأيديولوجية بين الأجيال المتعاقبة؟ أم في أن كل واحد من الروائيين اللاحقين كان يجد طعم السردين المُعلّب في نتاج أولئك الذين سبقوه؟


المساهمون