رياضة... مقارعة العضلات بالعضلات (7)

04 يوليو 2018
+ الخط -
تقال عبارة (جسمُه رياضي) عن الشخص الطويل، الضامر، ذي الأطراف المتناسقة، والحركة الرشيقة، الذي تنطبق عليه المواصفات العالمية لتشريح الجسم الجميل.

أنتم تستبعدون، بالطبع، أن تكون أجسام أبناء بلدتنا الذين يمارسون الألعاب الرياضية متناسقة، وأنا أؤيدكم، لسبب بسيط، هو أن عمليات التدريب التي تجري بهدف بناء الجسم كلها ارتجالية، وخاطئة، بسبب الظروف التي كان يمر بها كل شخص رياضي أثناء التدريب..

سأحدثكم، في هذه التدوينة، عن رجل من بلدتنا يقال له "أبو سلوم"، كان لديه دكان صغير يبيع فيه الحمص والفول والفلافل، وكان يأتيه، كل يوم، في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، قبضاي البلدة "أبو دعاس" الرجل الحقير ذو العضلات المفتولة والسلوك "الزفت".. أبو دعاس يمشي على العريض، ويسحب حذاءه على الأرض متقصداً أن يصدر صوت "طش.. طش.. طش"، وتبقى عيناه زائغتين توزعان النظرات النارية الحاقدة على الرائح والغادي.


يدخل أبو دعاس إلى المطعم دون أن يلقي السلام على أبي سلوم، أو على الزبائن، وحينما يسأله أبو سلوم: شو بتحب تاكل يا قبضاي؟ لا يجيب بلسانه، بل يقرب يديه من بعضهما، ويرسم بهما دائرة، متقصداً أن تنتفخ عضلتا زنديه، كنوع من التهديد المبطن، وهذه العبارة تعني أنه يريد صحناً من الفول، وأحياناً يضيف طلباً آخرَ، إذ يفتح إبهام يده اليمنى وسبابتها، مشيراً إلى شيء شبيه بقرص الفلافل، نافخاً عضلة يده اليمنى بما يوحي بالقول: والله إذا بتقصر معي بدي أنفضك بوكس أخلي أسنانك تتطاير.. فيذعن أبو سلوم، ويقدم له ما يطلب صاغراً..

وفي ذات يوم قرر أبو سلوم أن يواجه القبضاي أبا دعاس، ويقارعه مقارعة الند للند، فذهب من توه إلى نادي كمال الأجسام في الشارع الموازي لشارع المطاعم، ودخل، وقال لمدير النادي وهو يقدم له رزمة من النقود: بدي عضلات. قالها كما لو أنه زبون في المطعم يقول: واحد فول بطحينة يا ولد!

ضحك مدير النادي وقال له: يا أبو سلوم الجسم لازم ينبني كله مع بعض، شلون بدك تعمل عضلات وبس؟
قال أبو سلوم: أنا زلمة طشم حاشاك، ما بفهم، ولا بحب الأخد والرد. اعمل لي عضلات من فوق، واترك بقية جسمي عن بالك.

رضخ صاحب النادي لطلب أبي سلوم من مبدأ (اربط الجحش مطرح ما بيقله صاحبه)، وأحضر المدرب وقال له: شوف عمك أبو سلوم أشو بيريد، واعمل له اللي بيريده، ولا تناقشه.

بعد حوالي شهرين خرج أبو سلوم من النادي وقد أصبح كتفاه عريضين، وأصبحت عضلاته مفتولة وبارزة، وبقي له، كما في السابق، كرش، ومؤخرة كبيرة، وساقان رفيعان.

ولكن "أبو سلوم" حقق ما خطط له، إذ بمجرد ما دخل القبضاي أبو دعاس إلى المطعم نفخ عضلاته إلى الحد الأقصى، وقال له: اليوم ما عندنا فول وحمص وفلافل. نفقنا. يا الله عمي انصراف.
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...