19 يناير 2024
روسيا والاستقلال السوري
قام الرئيس الروسي بوتين بزيارة مفاجئة إلى دمشق، والتقى خلالها بشار الأسد، ليس في قصر الروضة أو الشعب، حيث اعتاد الأخير استقبال ضيوفه، وإنما في مقر قيادة القوات الروسية في دمشق. هذه ليست المرة الأولى التي يهين فيها الرئيس الروسي بوتين نظيره السوري، ففي مرة شهيرة تم تداولها الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي بكثرة، منع فيها مرافق الرئيس الروسي بوتين بشار الأسد في قاعدة حميميم الأسد من التقدّم لمرافقة بوتين خلال تقديم التحية، ما أثار سخرية السوريين بشكل كبير، كيف يمنع جنديٌّ رئيس دولةٍ يفترض به أن يمثلها كون العرض العسكري يتم على أراضيها.
يرى صاحب هذه السطور أن الرئيس بوتين يقوم عمدا بهذه الإشارات، ليس من باب الاستهزاء أو عدم الاحترام فقط، وإنما، في جزء منها، لتوجيه رسائل رئيسية إلى الأسد نفسه أن من شارك في إعادة السيطرة على الأرض السورية، وهي القوات الجوية الروسية، هي من تسيطر على القرار السياسي بشكل كامل في سورية. ولذلك، لم يدافع بوتين، ولا مرة علنا، عن بشار الأسد، فهو يعرف أن تصرّفاته السياسية لا يمكن الدفاع عنها. إنه يركز دوما على سوء الاستغلال الغربي للقضية السورية، لكنه لا يجد مبرّرا في الدفاع عن الأسد، أو حمل أخطائه على ظهره، وهذا ما يفتح بابا على أسئلةٍ كثيرة، ففي وقتٍ يركز فيه النظام السوري على أن الأسد هو الرئيس مدى الحياة، وأنه الذي سيقود سورية إلى النصر، تركز السياسة الروسية أكثر فأكثر على كيف يمكن إعادة تثبيت الأسد لمرحلةٍ انتقاليةٍ، تستطيع فيها روسيا الحصول على عوائد ما بعد الحرب، ليس من سورية الهزيلة والفقيرة، وإنما من الاتحاد الأوروبي، وإذا أمكن من الولايات المتحدة.
ربما أدرك بوتين ضعف الاهتمام الدولي اليوم بسورية، واللااكتراث واللامبالاة اللذين يتعامل فيهما المجتمع الدولي اليوم مع الدم السوري في إدلب وغيرها من مدن الشمال السوري، حيث لا معنى استراتيجيا لكل ما يحدث هناك، وإذا تم ترتيب الأمر مع تركيا التي ما زالت تعارض عمليةً عسكريةً كبيرة في إدلب، فإنه يمكن قتل المئات، بل الآلاف هناك، في مقابل استعادة إدلب لفرض سيادة الأسد عليها، فالولايات المتحدة ليس لديها موقف حازم ضد العملية، والاتحاد الأوروبي
كعادته مشغول بقضاياه الداخلية، و"بريكست" لا تنتهي، ولا سياسة خارجية له موحدة، يقدر على فرضها، فضلا عن تنفيذها في سورية لا اليوم ولا مستقبلاً. وهذا مما أحبط بوتين الذي توقع أن يُكافأ على أفعاله في سورية، كما أحبط أردوغان من بعده الذي توقع أن يكافئه العالم على خياراته في بناء المنطقة الآمنة في سورية، كسيناريو لإعادة اللاجئين. لقد اكتشف بوتين أن لا قيمة للاستقلال السوري لدى الأسد اليوم، بقدر أهمية تسميته رئيسا صوريا لكل سورية مهما كان الثمن، والثمن هنا دماء مئات آلاف السوريين، وتدمير مدنهم وقراهم، ولا مستقبل لإعادة إعمار سورية من كل هذا الدمار، خصوصا في ضوء ما اكتشفه من لامبالاة المجتمع الدولي مما يجري في سورية.
لقد عبّر المبعوث الدولي الجديد في تقريره إلى مجلس الأمن عن تشاؤمه حيال جهود تعديل الدستور في سورية، بشكلٍ يتعارض تماما مع تصريحاته المتفائلة الشهر الفائت، فقد قال مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، في حديث عبر الفيديو لمجلس الأمن "لا أرى سببا لعقد اجتماع آخر للمجموعة المصغّرة"، وأعرب عن "إحباطه الشديد" إزاء عدم إحراز تقدّم، مضيفا أنّ "اللجنة الدستورية هشة وستظل كذلك". ولم يكتشف بيدرسون اختراع العجلة. الكل يعرف أن مصير اللجنة الدستورية سينتهي كذلك، فنظام الأسد لم يُبد أية رغبة بالمفاوضات، عندما كان في ظروف أصعب بكثير في عامي 2014 و2015، فكيف له أن يقدّم التنازلات اليوم، وهو يشعر بنشوة النصر.
وعليه، يعود السؤال مجدّداً، منذ أول فيتو روسي استخدمه بوتين في مجلس الأمن لحماية نظام بشار الأسد في أغسطس/ آب 2011: ماذا يريد حقا بوتين من سورية؟ أجاب وهو يتمشى في شوارع دمشق أنه فخور بعودة الحياة الآمنة إلى شوارعها، لكنه لم يجب عما إذا كان هذا الأمان يخفي خلفه الفقر والجوع والتشرّد والنزوح، وهي كلها لا قيمة لها بنظر بوتين الذي يهتم بالصورة فقط، وما دامت صورته ترفع في دمشق فوق صورة الأسد، فلا قيمة لكل من يرفعها أو يمجّدها.
ربما أدرك بوتين ضعف الاهتمام الدولي اليوم بسورية، واللااكتراث واللامبالاة اللذين يتعامل فيهما المجتمع الدولي اليوم مع الدم السوري في إدلب وغيرها من مدن الشمال السوري، حيث لا معنى استراتيجيا لكل ما يحدث هناك، وإذا تم ترتيب الأمر مع تركيا التي ما زالت تعارض عمليةً عسكريةً كبيرة في إدلب، فإنه يمكن قتل المئات، بل الآلاف هناك، في مقابل استعادة إدلب لفرض سيادة الأسد عليها، فالولايات المتحدة ليس لديها موقف حازم ضد العملية، والاتحاد الأوروبي
لقد عبّر المبعوث الدولي الجديد في تقريره إلى مجلس الأمن عن تشاؤمه حيال جهود تعديل الدستور في سورية، بشكلٍ يتعارض تماما مع تصريحاته المتفائلة الشهر الفائت، فقد قال مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، في حديث عبر الفيديو لمجلس الأمن "لا أرى سببا لعقد اجتماع آخر للمجموعة المصغّرة"، وأعرب عن "إحباطه الشديد" إزاء عدم إحراز تقدّم، مضيفا أنّ "اللجنة الدستورية هشة وستظل كذلك". ولم يكتشف بيدرسون اختراع العجلة. الكل يعرف أن مصير اللجنة الدستورية سينتهي كذلك، فنظام الأسد لم يُبد أية رغبة بالمفاوضات، عندما كان في ظروف أصعب بكثير في عامي 2014 و2015، فكيف له أن يقدّم التنازلات اليوم، وهو يشعر بنشوة النصر.
وعليه، يعود السؤال مجدّداً، منذ أول فيتو روسي استخدمه بوتين في مجلس الأمن لحماية نظام بشار الأسد في أغسطس/ آب 2011: ماذا يريد حقا بوتين من سورية؟ أجاب وهو يتمشى في شوارع دمشق أنه فخور بعودة الحياة الآمنة إلى شوارعها، لكنه لم يجب عما إذا كان هذا الأمان يخفي خلفه الفقر والجوع والتشرّد والنزوح، وهي كلها لا قيمة لها بنظر بوتين الذي يهتم بالصورة فقط، وما دامت صورته ترفع في دمشق فوق صورة الأسد، فلا قيمة لكل من يرفعها أو يمجّدها.