25 يناير 2024
ثورة تشرين وهزيمة الطغمة في العراق
يبدو أن الكتل والأحزاب والمليشيات المسلحة الحاكمة في العراق، لم تستوعب بعد طبيعة ثورة تشرين العظيمة، ففي الوقت الذي شملت فيه هذه الثورة معظم المدن العراقية، واشتركت فيها جميع فئات الشعب، إضافة إلى كل النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الفلاحية وطلاب المدارس والجامعات وألوف النساء، ما زالت هذه الكتل والأحزاب تتعامل معها على أنها شبيهة بالتظاهرات المحدودة أو المناطقية، والتي تمكّنت من إنهائها، بالتحايل عليها بوعود وردية وبعض الإصلاحات الشكلية، أو بإلصاق تهم باطلة تبرّر لها استخدام القوة العسكرية. وكان جديدها إنهاء انتفاضة البصرة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، بل إنها ما زالت ترى أن هذه الثورة ذات مطالب خدمية، تخصّ توفير بعض متطلبات الحياة الضرورية، كالماء والكهرباء، في حين تحصّن الثوار في جميع الساحات بشعاراتٍ سياسيةٍ غاية في الأهمية، في مقدمتها "الشعب يريد إسقاط النظام" أو "نريد وطن من دونكم".
وفق هذا السياق، لن تتخلى هذه الطغمة الفاسدة عن أساليبها القمعية لإنهاء الثورة، على الرغم من الفشل الذي واجهته في ساحات التحرير والخلاني والسنك، وكذلك في مدن الناصرية والعمارة والديوانية والبصرة وكربلاء والنجف وبابل. حيث صمد الثوار بصدورهم العارية أمام القوة العسكرية والرصاص الحي الذي استشهد فيها مئات وجرح آلاف. وهذا ما يفسّر إصرار هذه الطغمة على تشكيل حكومة من داخلها، أو من شخصياتٍ مستقلة تدور في فلكها، لتبقى
ممسكةً بالسلطة وأدواتها القمعية وقواتها العسكرية. وبالتالي، لا يُستبعد لجوء هذه الطغمة للحل الأمني، على حد تعبيرهم، واكتساح ساحات التحرير بالقوة لإنهاء هذه الثورة العظيمة، خصوصا أنها تلقى الدعم والتأييد من أميركا وإيران، اللتين تخشيان مجيء حكومة وطنية من رحم ساحات التحرير، تنهي نفوذهما في العراق، وربما في عموم المنطقة. في حين كان من المفترض على هذه الطغمة الاستسلام للأمر الواقع، والاستجابة لمطالب الثوار، وافساح المجال أمامهم لتشكيل حكومة وطنية مستقلة، بديلة لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، تتمكّن من إنقاذ العراق من محنته التي طال أمدها، والنهوض به من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والتعليمية والثقافية.
تواصل هذه الثورة، وهي تدخل شهرها الثالث، نشاطاتها السلمية لإسقاط هذه العملية السياسية برمتها، من حكومةٍ فاسدةٍ وبرلمانٍ مزوّر ودستور ملغوم وقضاء مسيّس ومؤسسات محاصصة طائفية وعرقية، ومليشيات مسلحة. الأمر الذي بات يهدّد السلطة بالانهيار الكامل، أو هروبها خارج العراق، خشية من زحف الثوار إلى المنطقة الخضراء من جميع المدن العراقية. أما خريطة الطريق للثوار، فقد ترجمتها مطالبهم التي كتبت بجميع اللغات، فمنها ما تحقق، مثل إسقاط الحكومة، والموافقة على تعديل قانون الانتخابات جزئيا، وذلك باعتماد الدوائر المتعدّدة والترشيح الفردي، واعتبار الفائز هو صاحب الأصوات الأعلى، ومنها ما زال يراوح مكانه، مثل تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة بعيدة عن المحاصصة الطائفية لمنع عمليات التزوير أو بيع صناديق الاقتراع أو حرقها، بدل تشكيل هيئة مزوّرة من القضاة بالقرعة، ومنها ما لم
يتحقق بعد، مثل إجراء انتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتحدة، ومنع جميع الأحزاب والكتل الطائفية والعنصرية والإرهابية من الاشتراك فيها، وخصوصا التي شاركت في العملية السياسية منذ الاحتلال. ويبقى الهدف المركزي قائما، وهو رحيل هؤلاء الأشرار وتشكيل الحكومة الوطنية المستقلة والكفوءة، والتي يتم في ظلها تحقيق مطالب الثورة من دون استثناء، إذ بدون تحقيق هذا الإنجاز سيعيد هؤلاء الأشرار إنتاج أنفسهم في سدة السلطة.
يشيع بعضهم ويروج وينصح بحقن الدماء، ويطالب الثوار بقبول أنصاف الحلول، بمنح فرصة جديدة للحكومة المرتقبة لمعالجة آفات الفساد المالي والإداري، وإنهاء المحاصصة الطائفية، وحصر السلاح بيد الدولة وحل المليشيات المسلحة وإنهاء الامتيازات والمحسوبية. ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن هذه الوعود فقدت مصداقيتها، جرّاء تنصل جميع الحكومات السابقة منها. بل سبق لمثلِها أنْ تم توظيفها لخدمة محاولات الالتفاف على مطالب الثوار ودماء الشهداء. إذ كيف يمكن تنفيذ مشروع إصلاحي، في ظل عملية سياسية طائفية، وفي ظل أحزاب وكتل فاسدة ومليشيات مسلحة وقضاء مرتش؟ ثم كيف يمكن سن قوانين أو تعديل دستور يتعاكس مع مصالحهم أو يحدّ من وجودهم أصلا في سدة الحكم؟ ثم أين كان هؤلاء قبل ثورة تشرين العظيمة؟ ثم هل هذه هي المرة الأولى أم الثانية أم الثالثة أم العاشرة التي يتخلى فيها هؤلاء الأشرار عن وعودهم؟
أية حكومة، وطنية مستقلة أو حكومة تكنوقراط أو ذات كفاءة واختصاص، لن تستطيع تحقيق أي مشروع إصلاحي في ظل هيمنة الأجندات الأجنبية وأدواتها المحلية المتخمة بالسلاح، فالحكومات مشروطة بوطنيتها بوجود دولة مستقلة ذات سيادة، أرضا وجوا ومياها وحدودا إقليمية، لتكون قادرةً على اتخاذ قراراتٍ لا مرجعية لها غير المصالح الوطنية، والتحصّن ضد التدخلات الأجنبية، وخصوصا من أميركا وإيران اللتين تعملان على تدمير العراق، دولة ومجتمعا. هذه المواصفات، كما هو معلوم للجميع، غير متوفرة حاليا في العراق، يضاف إلى ذلك وجود العراق في ذيل قائمة الدول الفاشلة، كون حكومته فقدت سلطتها على ترابها الوطني، وعلى تأمين حدودها وتفشّي الفساد الإداري والمالي في أجهزتها ومؤسساتها وغياب النظم القضائية مقرونة باختلالات بنيوية وركود اقتصادي وانهيار قيمة النقد الوطني. ناهيك عن الصراعات الدينية والعرقية بين الكتل والأحزاب الحاكمة التي تهدّد الوحدة الوطنية وهجرة السكان ونزوحهم في الداخل من منطقة إلى أخرى.
أما التهديد بالفراغ الدستوري وغياب الدولة والمؤسسات، إذا أصر الثوار على رفض أية حكومة تشكّلها الأحزاب الحاكمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الفوضى واحتمالات الحرب الأهلية، فهذا يدخل في باب الابتزاز والإرهاب السياسي، الذي تعودت الكتل والأحزاب الطائفية على استخدامه، كلما وجدت نفسها في مأزق، فهذه ليست المرة الأولى التي تمارس الحكومة المستقيلة أو المنحلة تصريف الأعمال، سواء ضمن الفترة التي حددها الدستور بثلاثين يوما بموجب المادة 61، أو وفق الفقرة السابعة التي تسمح بهذه الطريقة أو تلك أن تكون المدة مفتوحة، وفقا لأحكام المادة 76 من هذا الدستور. وخير دليل على ذلك عدم حدوث فراغ
دستوري ثمانية أشهر، بين شهر مارس/ آذار، تاريخ تكليف نوري المالكي بتشكيل الحكومة بعد انتخابات سنة 2010، إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، حيث مارست فيها الحكومة المنتهية تصريف أعمال الدولة من دون أية مشكلات ذات قيمة، أو تميزت في خطورتها عن المشكلات التي كانت قبل الانتخابات، وفي كل الأحوال، الخشية من الفراغ الدستوري وفقدان الحكومة سلطتها المركزية المحدّدة، السماح لقوى أخرى بملء الفراغ، مثل المليشيات المسلحة أو المجموعات الإرهابية المنظمة، العراق يعيش في هذا الفراغ منذ الاحتلال، ومن يحكم العراق فعلا هي المليشيات نفسها التي يُخشى منها. بل تغوّلت هذه المليشيات بعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية قبل ثماني سنوات، وتمركزها في قواعد حصينة في طول البلاد وعرضها.
نعم، الثورة في العراق في طريقها إلى الانتصار لتوفر جميع عناصر القوة فيها، من قيادة وتنظيم وإدارة وآلية عمل وإرادة فولاذية، إلى جانب بروزها ثورة وطنية تحظى بتأييد عموم الشعب العراقي وإسناده في جميع ساحات التحرير والاعتصامات. يقابلها استمرار السلطة في غطرستها وعنجهيتها، وفسادها وسرقتها أموال الدولة، والعبث بشؤون البلاد والعباد. حتى بات دفاع أزلامها وأقلامها المأجورة عنها أمرا صعبا ومخجلا.
هذه الثورة التي خرجت من رحم شعب عظيم، له مواقف مشهودة في مقاومة الظلم والطغيان والدول المحتلّة، لم تأت من فراغ وليست مقطوعة الجذور عن ماضيها المشرّف، على الرغم من القفزة النوعية التي حققتها. ومثل هذه الثورة، وبهذه المواصفات، لا بد لها من تحقيق نصرها النهائي عاجلا وليس آجلاً، خصوصاً وأن الثوار قد أثبتوا قدرتهم على الصمود واستعدادهم للتضحية والفداء، وإعلانهم شعارا في جميع ساحات التحرير، يقول للذين يهدّدون باستخدام القوة، ستجدون ألف ثائر في الأمام وألفا آخر ينتظر.
تواصل هذه الثورة، وهي تدخل شهرها الثالث، نشاطاتها السلمية لإسقاط هذه العملية السياسية برمتها، من حكومةٍ فاسدةٍ وبرلمانٍ مزوّر ودستور ملغوم وقضاء مسيّس ومؤسسات محاصصة طائفية وعرقية، ومليشيات مسلحة. الأمر الذي بات يهدّد السلطة بالانهيار الكامل، أو هروبها خارج العراق، خشية من زحف الثوار إلى المنطقة الخضراء من جميع المدن العراقية. أما خريطة الطريق للثوار، فقد ترجمتها مطالبهم التي كتبت بجميع اللغات، فمنها ما تحقق، مثل إسقاط الحكومة، والموافقة على تعديل قانون الانتخابات جزئيا، وذلك باعتماد الدوائر المتعدّدة والترشيح الفردي، واعتبار الفائز هو صاحب الأصوات الأعلى، ومنها ما زال يراوح مكانه، مثل تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة بعيدة عن المحاصصة الطائفية لمنع عمليات التزوير أو بيع صناديق الاقتراع أو حرقها، بدل تشكيل هيئة مزوّرة من القضاة بالقرعة، ومنها ما لم
يشيع بعضهم ويروج وينصح بحقن الدماء، ويطالب الثوار بقبول أنصاف الحلول، بمنح فرصة جديدة للحكومة المرتقبة لمعالجة آفات الفساد المالي والإداري، وإنهاء المحاصصة الطائفية، وحصر السلاح بيد الدولة وحل المليشيات المسلحة وإنهاء الامتيازات والمحسوبية. ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن هذه الوعود فقدت مصداقيتها، جرّاء تنصل جميع الحكومات السابقة منها. بل سبق لمثلِها أنْ تم توظيفها لخدمة محاولات الالتفاف على مطالب الثوار ودماء الشهداء. إذ كيف يمكن تنفيذ مشروع إصلاحي، في ظل عملية سياسية طائفية، وفي ظل أحزاب وكتل فاسدة ومليشيات مسلحة وقضاء مرتش؟ ثم كيف يمكن سن قوانين أو تعديل دستور يتعاكس مع مصالحهم أو يحدّ من وجودهم أصلا في سدة الحكم؟ ثم أين كان هؤلاء قبل ثورة تشرين العظيمة؟ ثم هل هذه هي المرة الأولى أم الثانية أم الثالثة أم العاشرة التي يتخلى فيها هؤلاء الأشرار عن وعودهم؟
أية حكومة، وطنية مستقلة أو حكومة تكنوقراط أو ذات كفاءة واختصاص، لن تستطيع تحقيق أي مشروع إصلاحي في ظل هيمنة الأجندات الأجنبية وأدواتها المحلية المتخمة بالسلاح، فالحكومات مشروطة بوطنيتها بوجود دولة مستقلة ذات سيادة، أرضا وجوا ومياها وحدودا إقليمية، لتكون قادرةً على اتخاذ قراراتٍ لا مرجعية لها غير المصالح الوطنية، والتحصّن ضد التدخلات الأجنبية، وخصوصا من أميركا وإيران اللتين تعملان على تدمير العراق، دولة ومجتمعا. هذه المواصفات، كما هو معلوم للجميع، غير متوفرة حاليا في العراق، يضاف إلى ذلك وجود العراق في ذيل قائمة الدول الفاشلة، كون حكومته فقدت سلطتها على ترابها الوطني، وعلى تأمين حدودها وتفشّي الفساد الإداري والمالي في أجهزتها ومؤسساتها وغياب النظم القضائية مقرونة باختلالات بنيوية وركود اقتصادي وانهيار قيمة النقد الوطني. ناهيك عن الصراعات الدينية والعرقية بين الكتل والأحزاب الحاكمة التي تهدّد الوحدة الوطنية وهجرة السكان ونزوحهم في الداخل من منطقة إلى أخرى.
أما التهديد بالفراغ الدستوري وغياب الدولة والمؤسسات، إذا أصر الثوار على رفض أية حكومة تشكّلها الأحزاب الحاكمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الفوضى واحتمالات الحرب الأهلية، فهذا يدخل في باب الابتزاز والإرهاب السياسي، الذي تعودت الكتل والأحزاب الطائفية على استخدامه، كلما وجدت نفسها في مأزق، فهذه ليست المرة الأولى التي تمارس الحكومة المستقيلة أو المنحلة تصريف الأعمال، سواء ضمن الفترة التي حددها الدستور بثلاثين يوما بموجب المادة 61، أو وفق الفقرة السابعة التي تسمح بهذه الطريقة أو تلك أن تكون المدة مفتوحة، وفقا لأحكام المادة 76 من هذا الدستور. وخير دليل على ذلك عدم حدوث فراغ
نعم، الثورة في العراق في طريقها إلى الانتصار لتوفر جميع عناصر القوة فيها، من قيادة وتنظيم وإدارة وآلية عمل وإرادة فولاذية، إلى جانب بروزها ثورة وطنية تحظى بتأييد عموم الشعب العراقي وإسناده في جميع ساحات التحرير والاعتصامات. يقابلها استمرار السلطة في غطرستها وعنجهيتها، وفسادها وسرقتها أموال الدولة، والعبث بشؤون البلاد والعباد. حتى بات دفاع أزلامها وأقلامها المأجورة عنها أمرا صعبا ومخجلا.
هذه الثورة التي خرجت من رحم شعب عظيم، له مواقف مشهودة في مقاومة الظلم والطغيان والدول المحتلّة، لم تأت من فراغ وليست مقطوعة الجذور عن ماضيها المشرّف، على الرغم من القفزة النوعية التي حققتها. ومثل هذه الثورة، وبهذه المواصفات، لا بد لها من تحقيق نصرها النهائي عاجلا وليس آجلاً، خصوصاً وأن الثوار قد أثبتوا قدرتهم على الصمود واستعدادهم للتضحية والفداء، وإعلانهم شعارا في جميع ساحات التحرير، يقول للذين يهدّدون باستخدام القوة، ستجدون ألف ثائر في الأمام وألفا آخر ينتظر.
مقالات أخرى
26 نوفمبر 2023
15 يوليو 2022
05 أكتوبر 2021