تركيا الجديدة بعد الانتخابات

30 اغسطس 2014
+ الخط -


على الرغم من جدلٍ بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا، إلا أننا بحاجة إلى اعتبارها فرصة للبلاد التي كانت ولفترة طويلة مسرحاً لاستقطابٍ غير مرغوب فيه، لأن هناك دائماً شيئاً مبشراً في كلّ تغيير.

يمكن القول إن مسألة الاستقطاب ليست مشكلة خاصة بتركيا. فقد فرض الاستقطاب نفسه مشكلة في العالم ككل، وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، بالتزامن مع ظهور موجة الربيع العربي. هذا ما يؤكده واقع الشرق الأوسط الذي تعصف به "الصراعات الأهلية" أكثر من النزاعات بين الدّول، فالإخوة داخل هذه الدول نفسها غرقوا في محاربة بعضهم. وفرض الاستقطاب نفسه، ليس فقط في البلدان، ولكن، أيضاً في الأديان والمذاهب، وأكبر دليل أن المسلمين يذبحون المسلمين الآن. 

على الرغم من أن تركيا لا ترتبط بقوة بتقاليد الشرق الأوسط، إلا أنّها تأثرت فعلياً من خلال الاضطرابات والاستقطاب الذي حدث داخلها. لا يمكن إنكار أن اللغة السياسية الغاضبة التي يستخدمها السياسيون ساهمت في ذلك؛ لقد قاد الغضب القطبين المتنافسين إلى الابتعاد عن بعضهما. ولذلك، يكون من الأفضل أن نرسم توقعات إيجابية للفترة الرئاسية الجديدة، ونملأ قلوبنا بالأمل.

مباشرة، قبل انتخابات الرئيس الجديد، أصر رجب طيب أردوغان، على التأكيد على تركيا الجديدة. كان لديه مشاريع جديدة. وعلى الرغم من أنه لم يوضح للنّاس الكثير، إلا أنّه استغل كل فرصة، ليقول إن سياسة إيجابية جديدة سوف تسود في تركيا وخارجها. في خطاب من شرفة منزله مباشرة بعد فوزه، حيث قال: "أرغب في أن نترك الحجج القديمة، والتوترات وثقافة الصّراع والمشكلات الظاهرية في تركيا القديمة. صدّقوني، اليوم هو أفضل بكثير من الأمس". 

وأفادت هذه الرسالة المهمة والإيجابية جداً بوضوح بأن أردوغان سوف يتبنى استراتيجية مختلفة. وتركيا بحاجة إلى ذلك، لأن الرئاسة منصب مختلفٌ جدّاً، فهو يتطلب اعتدالاً أكثر قوة وشموليّة. والأهم من ذلك، وفي مناخ من الاضطرابات في الشرق الأوسط، من الضروري  لتركيا أن تجعل سياسة الاعتدال هذه راسخة وقويّة.

من الصعب أن تصف الجهات الفاعلة الأخرى في الانتخابات الرئاسية، أي حزب المعارضة الرئيسي، على أنه مني بالخسارة. على الرغم من أن حزب الشّعب الجمهوري أساساً حزب يساري، إلا أن سياسته الأخيرة المبنية على الاعتدال، والتي بدأت تحتضن أيضاً المؤمنين، جعلته أقوى من قبل بكثير. أكمل الدين إحسان أوغلو، المرشح الرئاسي المشترك لحزبي المعارضة الرئيسيين، ذو كفاءة وجدير بالثقة، وهو خبير في سياسات الشرق الأوسط. وسوف يكون أكثر دقة أن نُرجع سبب هزيمة أوغلو في الانتخابات لقلة خبرته في السياسة الداخلية.

تظهر هذه الانتخابات الحاجة إلى وجود زعيم معتدل على الجانب الفائز وحزب يدافع عن زعيمه وأتباعه المؤمنين في الجانب الخاسر. أكدت الخريطة الانتخابية أن المدن الساحليّة بقيت، مرة أخرى، بعيدة عن الحكومة ومرشحها. ويمكن تغيير ذلك من خلال فهم أفضل لرغبات هؤلاء الناس، ورغبات حزب العدالة والتنمية بالابتعاد عن الذين يسعون إلى الحفاظ على العقلية المتعصبة والإبقاء عليها.

المرحلة المقبلة لتركيا تكمن في تحديد رئيس جديد للوزراء. وقد استقر الأمر على وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، ونجاحاته في وزارة الخارجية تظهر أنه قادر على قيادة الحكومة التركية باقتدار. نحن بحاجة إلى "تركيا الجديدة"، ليس فقط للشعب التركي، ولكن، لجميع الناس الأبرياء الذين يحتاجون إلى دعمنا.
 
تفيض حدودنا بالناس الذين يهربون من الشر في بلدانهم، وعلى تركيا الجديدة بسرعة حل المشكلات الداخلية الخاصة بها، من أجل المساهمة بفاعلية في الوقوف إلى جانب المستضعفين والبائسين في العالم. فالشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم بحاجة إلى ممثلين للحبّ الذي يمكن أن يضع حدّاً للشّر والهمجية، واستبدالهما بالحبّ. ولذلك، يجب أن يكون المبدأ الموجه لتركيا الجديدة الحب والمودة والاعتدال، في الداخل والخارج. وبالتالي، يجب أن تكون الانتخابات الرئاسية في تركيا نقطة تحوّل، ولا شك في أنّ هناك دائما شيئاً مبشراً في كلّ تغيير.

6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)