30 يناير 2016
إلى أي مدى تحققت الوحدة الأوروبية؟
هارون يحيى (تركيا)
في عام 1993، وفقًا لمعاهدة ماستريخت التي أقرها الاتحاد الأوروبي، أصبحت 12 دولة وحدة سياسية، بهدف توحيد شعوب أوروبا وحل مشكلاتهم. دَعَم تلك الوحدة الدستور الموحد، والعملة الموحدة، والأجهزة التشريعية والتنفيذية المركزية. وانضمت النمسا والسويد وفنلندا للاتحاد في أثناء التوسعة الرابعة للاتحاد الأوروبي، وانضمت الكتلة الشرقية السابقة إلى الاتحاد الأوروبي في التوسعات الخامسة والسادسة والسابعة، وأصبح الاتحاد الأوروبي أحد القوى البارزة في العالم بأعضائه الثمانية والعشرين، وبتعداد 500 مليون إنسان، واقتصاد يصل إلى 20 ترليون دولار. إلا أن هذا الاتحاد السياسي برغم ضخامته، لا يمكنه أن يُدعم كما ينبغي بتضامن اجتماعي وثقافي، ولا يمكن بناء سلسلة تشمل القيم التي تحتضن جميع سكان الاتحاد الأوروبي ودمجهم، ولا يمكن اتخاذ الخطوات التي بشأنها رفع الصالح العام والسلام والسعادة للمجتمعات الأوروبية، بما يسمح لهم جميعا بالاستمتاع بالعدل والمساواة.
أحد أهم الأسباب وراء ذلك الخلل التضارب بين أكبر كتلتين منذ نشأة الاتحاد، أي الكتلة التي تقودها فرنسا وألمانيا وتمثل أوروبا القارية، والأخرى التي تقودها إنجلترا وإيطاليا وتمثل أوروبا الساحلية. تضخم ذلك الاختلاف والانقسام في أثناء الأزمة الاقتصادية عام 2008، عندما كانت إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان على حافة الانهيار الاقتصادي.
جاءت ألمانيا (قائدة أوروبا) باقتصادها القوي في الطليعة خلال فترة الأزمة الاقتصادية، حيث كان نفوذها ذا التأثير الأكبر على الأقوال والأفعال السياسية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحول الاتحاد الأوروبي إلى بناء مكون من دول غير متكافئة وبموازين قوة وثروة ورفاهية مختلفة بشدة.
يجب أن يكون الهدف الأساسي لأي اتحاد، أن تعمل الدول سوية في تناغم وتنسيق حتى تستغل الموارد، ويجب معرفة نقاط الضعف، وأن تتوزع المسؤوليات بالتساوي حتى يُصبح الاتحاد كتلة واحدة قوية، لكن تظهر الحالة الحالية للاتحاد بأنه أصبح بعيدا عن الأسباب المنطقية للاتحاد، فمن غير المفيد التحدث عن الاتحاد حينما يتحول بناؤه إلى بعض الدول التي حققت التفوق وحملت التضحيات على عاتقها، بينما بعض الدول الأخرى تبحث عن المساعدات.
إحدى العناصر الأخرى المهمة لمفهوم الوحدة هي وجود قرار مركزي قوي بشأن عمل آلية تجعل الاتحاد يعمل وفقًا لمبادئ عامة مشتركة، ويجب أن يكون لتلك السلطة المركزية السلطة في اتخاذ جميع القرارات الهامة والإلزامية أثناء تطبيق الإجراءات الحاسمة لبقاء الاتحاد، وستأخذ فكرة الاتحاد الأوروبي ثقلها، حينما تُنفذ الدول مصالحها القومية ومتطلباتها الذاتية وسياساتها المُستقلة. من ذلك المنظور، فإن النظام القضائي والمفوضية الأوروبية بعيدون عن القوة والسلطة.
اتخذت كوادر المفوضية الأوروبية (وبطريقة تشابه أرستقراطية القرن التاسع عشر) مظهرا نخبويا منفصلا تماما عن العامة، مما يُضعف الشعور بحماية القرار المركزي الذي يمثل السلطة، حيث تضر الصورة السلبية مثل الصراع الداخلي والتفرق في صفوف المديرين التنفيذيين بمبدأ مركزية السلطة، إلا أن سياسة إظهار المحبة والسلام والوحدة والأخوة لدى الأوروبيين من شأنها حل تلك المشكلة.
كشفت أزمة اللاجئين مشكلة التطرف التي يتوجب على الاتحاد الأوروبي معالجتها بسرعة، وبسبب عدم وجود نظام، صارت أزمة اللاجئين عشا للدبابير، حيث يصارع اليوم وسط أوروبا عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال البائسين، من أجل البقاء في ظل الشتاء القارس في ظروف بائسة، بينما لدى البلاد الأوروبية ومفوضاتها القدرة على إنقاذ هؤلاء الأبرياء، ولكنهم غير قادرين على الوصول إلى اتفاق موحد وتنفيذه.
إن أزمة اللاجئين أزمة فنية فقط وحلها بسيط، إذ أن تركيا برغم مواردها المحدودة، تستضيف أكثر من 2 مليون لاجئ، فتحولت المخيمات إلى معسكرات والمعسكرات إلى مدن بخدمات متكاملة. وعلى الجانب الآخر، تستمع إلى 28 صوتًا بارزًا من 28 دولة في الاتحاد الأوروبي بخصوص تلك المشكلة البسيطة، ولم يستطيعوا اتخاذ إجراء أو وضع خطة يتفقون عليها جميعا.
الحل الذي عمل الاتحاد الأوروبي به، هو أن يُرسل اللاجئين القادمين إلى أوروبا إلى تركيا، حيث تطالب أنجلينا ميركل، تركيا بوقف السماح للاجئين بدخول تركيا، ولكن مثل ذلك الطلب يُعارض فلسفة الاتحاد الأوروبي وقانون الأمم المتحدة للاجئين عام 1951 الموقع في جنيف، بالإضافة لمعارضة الطلب لإعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الموقع عام 1948.
تُظهر تفاصيل اجتماع وزراء داخلية ووزراء عدل الاتحاد الأوروبي، والمنعقد بتاريخ العاشر من نوفمبر، الضعف في مركزية اتخاذ القرار وقوة العقوبات، حيث طالب وزير الشؤون الخارجية للوكسمبورغ في ذلك الاجتماع بأن يتم توزيع 160 ألف لاجئ، كما طالبت السويد بمساعدة الاتحاد الأوروبي لها بإرسال اللاجئين إلى دول أخرى، وانتقدت السلطات الألمانية كلًا من إيطاليا واليونان على عدم تفعيلهم لنظام تسجيل اللاجئين، وانتقدت النمسا اليونان على عدم قدرتها على الدفاع عن حدودها مع تركيا، كما كان هم فرنسا أن تُعيد وفي أسرع وقت اللاجئين غير المؤهلين للحصول على حق اللجوء السياسي إلى بلادهم، وكان رد فعل أسيلبورن على تهديد ألمانيا والسويد بشأن إغلاقهم لحدودهم بأنه يتوجب على أعضاء الاتحاد الأوروبي أن يخجلوا من أنفسهم، مطالبة بأن يتم تكثيف الجهود من أجل عدم فقد ثقافة الإنسانية، والتي هي أحد مبادئ الاتحاد الأوروبي الأساسية.
أزمة اللاجئين في غاية الأهمية، فقد تكون الفرصة الأخيرة للاتحاد الأوروبي لمعرفة نقاط ضعفه ومشكلاته الداخلية ومعالجتها بسرعة، إذ يجب أن تأخذ جميع دول الاتحاد الأوروبي ذلك التحذير باهتمام، حتى لا يضيع مجهود أكثر من نصف القرن من أجل الاتحاد.
أحد أهم الأسباب وراء ذلك الخلل التضارب بين أكبر كتلتين منذ نشأة الاتحاد، أي الكتلة التي تقودها فرنسا وألمانيا وتمثل أوروبا القارية، والأخرى التي تقودها إنجلترا وإيطاليا وتمثل أوروبا الساحلية. تضخم ذلك الاختلاف والانقسام في أثناء الأزمة الاقتصادية عام 2008، عندما كانت إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان على حافة الانهيار الاقتصادي.
جاءت ألمانيا (قائدة أوروبا) باقتصادها القوي في الطليعة خلال فترة الأزمة الاقتصادية، حيث كان نفوذها ذا التأثير الأكبر على الأقوال والأفعال السياسية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحول الاتحاد الأوروبي إلى بناء مكون من دول غير متكافئة وبموازين قوة وثروة ورفاهية مختلفة بشدة.
يجب أن يكون الهدف الأساسي لأي اتحاد، أن تعمل الدول سوية في تناغم وتنسيق حتى تستغل الموارد، ويجب معرفة نقاط الضعف، وأن تتوزع المسؤوليات بالتساوي حتى يُصبح الاتحاد كتلة واحدة قوية، لكن تظهر الحالة الحالية للاتحاد بأنه أصبح بعيدا عن الأسباب المنطقية للاتحاد، فمن غير المفيد التحدث عن الاتحاد حينما يتحول بناؤه إلى بعض الدول التي حققت التفوق وحملت التضحيات على عاتقها، بينما بعض الدول الأخرى تبحث عن المساعدات.
إحدى العناصر الأخرى المهمة لمفهوم الوحدة هي وجود قرار مركزي قوي بشأن عمل آلية تجعل الاتحاد يعمل وفقًا لمبادئ عامة مشتركة، ويجب أن يكون لتلك السلطة المركزية السلطة في اتخاذ جميع القرارات الهامة والإلزامية أثناء تطبيق الإجراءات الحاسمة لبقاء الاتحاد، وستأخذ فكرة الاتحاد الأوروبي ثقلها، حينما تُنفذ الدول مصالحها القومية ومتطلباتها الذاتية وسياساتها المُستقلة. من ذلك المنظور، فإن النظام القضائي والمفوضية الأوروبية بعيدون عن القوة والسلطة.
اتخذت كوادر المفوضية الأوروبية (وبطريقة تشابه أرستقراطية القرن التاسع عشر) مظهرا نخبويا منفصلا تماما عن العامة، مما يُضعف الشعور بحماية القرار المركزي الذي يمثل السلطة، حيث تضر الصورة السلبية مثل الصراع الداخلي والتفرق في صفوف المديرين التنفيذيين بمبدأ مركزية السلطة، إلا أن سياسة إظهار المحبة والسلام والوحدة والأخوة لدى الأوروبيين من شأنها حل تلك المشكلة.
كشفت أزمة اللاجئين مشكلة التطرف التي يتوجب على الاتحاد الأوروبي معالجتها بسرعة، وبسبب عدم وجود نظام، صارت أزمة اللاجئين عشا للدبابير، حيث يصارع اليوم وسط أوروبا عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال البائسين، من أجل البقاء في ظل الشتاء القارس في ظروف بائسة، بينما لدى البلاد الأوروبية ومفوضاتها القدرة على إنقاذ هؤلاء الأبرياء، ولكنهم غير قادرين على الوصول إلى اتفاق موحد وتنفيذه.
إن أزمة اللاجئين أزمة فنية فقط وحلها بسيط، إذ أن تركيا برغم مواردها المحدودة، تستضيف أكثر من 2 مليون لاجئ، فتحولت المخيمات إلى معسكرات والمعسكرات إلى مدن بخدمات متكاملة. وعلى الجانب الآخر، تستمع إلى 28 صوتًا بارزًا من 28 دولة في الاتحاد الأوروبي بخصوص تلك المشكلة البسيطة، ولم يستطيعوا اتخاذ إجراء أو وضع خطة يتفقون عليها جميعا.
الحل الذي عمل الاتحاد الأوروبي به، هو أن يُرسل اللاجئين القادمين إلى أوروبا إلى تركيا، حيث تطالب أنجلينا ميركل، تركيا بوقف السماح للاجئين بدخول تركيا، ولكن مثل ذلك الطلب يُعارض فلسفة الاتحاد الأوروبي وقانون الأمم المتحدة للاجئين عام 1951 الموقع في جنيف، بالإضافة لمعارضة الطلب لإعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الموقع عام 1948.
تُظهر تفاصيل اجتماع وزراء داخلية ووزراء عدل الاتحاد الأوروبي، والمنعقد بتاريخ العاشر من نوفمبر، الضعف في مركزية اتخاذ القرار وقوة العقوبات، حيث طالب وزير الشؤون الخارجية للوكسمبورغ في ذلك الاجتماع بأن يتم توزيع 160 ألف لاجئ، كما طالبت السويد بمساعدة الاتحاد الأوروبي لها بإرسال اللاجئين إلى دول أخرى، وانتقدت السلطات الألمانية كلًا من إيطاليا واليونان على عدم تفعيلهم لنظام تسجيل اللاجئين، وانتقدت النمسا اليونان على عدم قدرتها على الدفاع عن حدودها مع تركيا، كما كان هم فرنسا أن تُعيد وفي أسرع وقت اللاجئين غير المؤهلين للحصول على حق اللجوء السياسي إلى بلادهم، وكان رد فعل أسيلبورن على تهديد ألمانيا والسويد بشأن إغلاقهم لحدودهم بأنه يتوجب على أعضاء الاتحاد الأوروبي أن يخجلوا من أنفسهم، مطالبة بأن يتم تكثيف الجهود من أجل عدم فقد ثقافة الإنسانية، والتي هي أحد مبادئ الاتحاد الأوروبي الأساسية.
أزمة اللاجئين في غاية الأهمية، فقد تكون الفرصة الأخيرة للاتحاد الأوروبي لمعرفة نقاط ضعفه ومشكلاته الداخلية ومعالجتها بسرعة، إذ يجب أن تأخذ جميع دول الاتحاد الأوروبي ذلك التحذير باهتمام، حتى لا يضيع مجهود أكثر من نصف القرن من أجل الاتحاد.
مقالات أخرى
23 يناير 2016
14 يناير 2016
02 يناير 2016