19 يناير 2024
ترامب والعنصرية والحزب الجمهوري
أثارت تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثم تصريحاته، بشأن دعوة أربع عضوات في الحزب الديمقراطي إلى العودة إلى البلاد التي أتين منها، موجة من الاحتجاجات، وعاصفة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد ترامب، وبين أعضاء الحزب ومؤيديه. وقد دافع ترامب عن تصريحاته العنصرية تلك، وكررها بشكل أسوأ في حفل انتخابي في نورث كارولينا، حين هاجم النائب المسلمة إلهان عمر، وردد خلفه الجمهور المؤيد له "أعيدوها"، أي إن عليها أن تعود إلى بلدها الذي جاءت منه وهو الصومال، في تحريضٍ عنصري بالغ الفجاجة والوقاحة. صحيح أن ترامب قال إنه ليس راضياً عن هذه الهتافات، ولكن من المستحيل لمن رأى الفيديو، وهو يراقب هذا الهتاف يردّد أمام عينيه، ألا يتأكد أن ترامب شعر بالبهجة من ترداد الشعار، ولم يطلب من مؤيديه التوقف عن ترداده، كما فعل جون ماكين في حملته الانتخابية ضد الرئيس السابق أوباما، حين رفض تكرار الاتهامات الموجهة ضد الأخير بأنه ليس أميركياً، وأنه ليس مولوداً في الولايات المتحدة.
ولكن الملاحظ تماماً كان صمت الحزب الجمهوري كمؤسسة أولاً، وثانياً أعضاءَ ونواباً وقياديين من داخل الحزب، إذ صمت الجميع عن تصريحات ترامب العنصرية هذه بحق نواب في الكونغرس، فكيف يمكن له أن يتصرف بحق المهاجرين أو اللاجئين. وبالتأكيد، يبدو الحزب الجمهوري في حالة انحدار لا مثيل لها تحت إدارة ترامب، فانعطافته نحو اليمين الفاشي، وتكراره العداوة ضد اللاجئين والمهاجرين والأقليات، تؤكد أن الحزب الجمهوري أصبح حزب العنصريين البيض الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، وأحقيته في السيطرة والنفوذ والتملك والتحكم. وقد كشفت الموظفة السابقة في البيت الأبيض عن مواقف عنصرية لا مثيل لها، تسكن عقل ترامب وتحكم سلوكه، فهو لا يثق بالرجل الأسود أبداً لجهة التعامل المالي، كما أنه يعتبر النساء عملياً دون القدرة على تنفيذ الأعمال بدقة، وكما هو مطلوب منهن، أما الإيطاليون فهم جيدون في الطبخ فقط ولا شيء آخر، والأيرلنديون يفقدون عقولهم بسبب شربهم الخمر بكميات كبيرة دوماً، وهكذا..
ولغة التعميم هذه تحكم تصرّفاته وأعماله، بل إذا عدنا إلى بدايات عمله في نيويورك مشيداً
للعقارات ومستثمراً في الأبنية والمشاريع العمرانية الضخمة، لوجدنا أن عدة شكاوى قضائية في المحاكم الأميركية ضد مشاريعه السكنية، تتهمه بالعنصرية والتمييز ضد الأقليات، وخصوصاً السود الذين يمنع دخولهم إلى تجمعاته السكنية، وانتهت كل هذه الشكاوى بالمسؤولية وطلب منه دفع غرامات وتعويضات ضخمة ضد من رفعوا الشكاوى.
يمكن القول إن ترامب والعنصرية مترادفان طوال حياته المهنية والسياسية القصيرة، فمن الغريب أن تُستغرب هذه التصريحات العنصرية، بل علينا دوماً توقع الأسوأ من هذا الرئيس. ولكن السؤال هو: لماذا يصرّ الحزب الجمهوري على دعمه وعدم انتقاده علناً، على الرغم من أن استطلاعات رأي كثيرة تؤكد أن لتصريحات عنصرية كهذه تأثيراً سلبياً حتى داخل الولايات الحمراء التي تصوت تقليدياً للحزب الجمهوري.
يشرح بعضهم ذلك، ويعلله بسلاطة لسان ترامب الذي لا يتورع عن توجيه الاتهامات والتفوه بكلمات نابيه ضد كل من ينتقده، أو يوجه له تعليقاً سلبياً. ويقرأها آخرون بأن ترامب ما زال يحتفظ بقاعدة جماهيرية ضخمة، وهو يمكن أن يؤلبها ضده في الولايات التي انتخبت ترامب. ومن ثم من الأفضل الصمت والسكوت والانتظار، بغض النظر عن مستقبل الحزب الجمهوري الذي يعتبر نفسه أنه حزب القيم الذي أسسه أبراهام لينكولن، وقاده في أفضل ظروفه رونالد ريغان.
ولكن، بغضّ النظر عن السبب والحجة في هذا الصمت عن العنصرية القحّة التي صدرت وتصدر عن ترامب، فإن الحزب الجمهوري خسر قيمته ومعناه حزباً سياسياً يدافع عن قيم الجمهورية والحرية. لقد تحول إلى حزب يميني شبيه بالأحزاب اليمينية الصاعدة في أوروبا التي لا يتوقع أن تصنع أي مستقبل، أو تبشر بعالم جديد من احترام حقوق الإنسان والكرامة التي تفتخر القيم الأوروبية دوماً بأنها من رعاها وأسسها.
ولغة التعميم هذه تحكم تصرّفاته وأعماله، بل إذا عدنا إلى بدايات عمله في نيويورك مشيداً
يمكن القول إن ترامب والعنصرية مترادفان طوال حياته المهنية والسياسية القصيرة، فمن الغريب أن تُستغرب هذه التصريحات العنصرية، بل علينا دوماً توقع الأسوأ من هذا الرئيس. ولكن السؤال هو: لماذا يصرّ الحزب الجمهوري على دعمه وعدم انتقاده علناً، على الرغم من أن استطلاعات رأي كثيرة تؤكد أن لتصريحات عنصرية كهذه تأثيراً سلبياً حتى داخل الولايات الحمراء التي تصوت تقليدياً للحزب الجمهوري.
يشرح بعضهم ذلك، ويعلله بسلاطة لسان ترامب الذي لا يتورع عن توجيه الاتهامات والتفوه بكلمات نابيه ضد كل من ينتقده، أو يوجه له تعليقاً سلبياً. ويقرأها آخرون بأن ترامب ما زال يحتفظ بقاعدة جماهيرية ضخمة، وهو يمكن أن يؤلبها ضده في الولايات التي انتخبت ترامب. ومن ثم من الأفضل الصمت والسكوت والانتظار، بغض النظر عن مستقبل الحزب الجمهوري الذي يعتبر نفسه أنه حزب القيم الذي أسسه أبراهام لينكولن، وقاده في أفضل ظروفه رونالد ريغان.
ولكن، بغضّ النظر عن السبب والحجة في هذا الصمت عن العنصرية القحّة التي صدرت وتصدر عن ترامب، فإن الحزب الجمهوري خسر قيمته ومعناه حزباً سياسياً يدافع عن قيم الجمهورية والحرية. لقد تحول إلى حزب يميني شبيه بالأحزاب اليمينية الصاعدة في أوروبا التي لا يتوقع أن تصنع أي مستقبل، أو تبشر بعالم جديد من احترام حقوق الإنسان والكرامة التي تفتخر القيم الأوروبية دوماً بأنها من رعاها وأسسها.