بعد فوز يمين نتنياهو
ظن بنيامين نتنياهو أن منظر عتاة السياسة الأميركيين في الكونغرس، وهم يقومون ويقعدون مصفقين له، بينما كان يثير هلعهم من نتائج الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، سيحفّز شهيّة الناخب الإسرائيلي فيصوّت له بكثافة. لكن استطلاعات الرأي أفرزت نتائج مختلفة، عندما توقعت صعود التيار اليساري المشكّل بتحالف يساريي حزب العمل مع وريثة أرييل شارون، سليلة اليمين المتطرف صاحبة الاعترافات المثيرة، تسيبي ليفني، التي تقدم نفسها بثوب يساري جديد إلى جوار هيرتزوغ، فظل نتنياهو، طوال الأسبوع الماضي، يقضم أظافره، وهو يشاهد شعبيته وحلمه السياسي الذي بناه عشرين عاماً، يذوي أمام ما يظهر أنه تَغَيُّرٌ في المزاج السياسي، يمكن أن يزيحه، واليمينَ كله عن قمة السياسة الإسرائيلية، مفسحاً المجال، وبعد طول انتظار، ليسار يثير شهية الرئيس الفلسطيني على جولة جديدة من المفاوضات.
بطريقة سينمائية، تشبه عودة بطل "باب الحارة"، أبو عصام، سالماً غانماً إلى حارته، قرر عرب إسرائيل الوحدة تحت راية قائمة انتخابية واحدة، وتحت اسم له شكل بيروقراطي هو "القائمة المشتركة"، لا تحمل هذه التسمية ضغائن قومية، ولا تحتوي على كنايات سياسية أو دينية، وليس فيها ما يثير يمينيي إسرائيل أو يسارييهم. جمعت "القائمة" تحتها شيوعيين وإسلاميين.. لم يكن تجمع الأحزاب العربية رداً "قومياً" على تطرف نتنياهو، ولا رداً سياسياً على الغزوات المتكررة على غزة، لكنه جاء نتيجة خوف من قانون ليبرمان الذي أقره الكنيست، ويقضي برفع نسبة الأصوات اللازمة لدخول الكنيست، ما يهدّد الأحزاب الصغيرة، فوجد الإسلاميون والقوميون العرب أنفسَهم مصطفين برتل أحادي، خلف شيوعي شاب، اسمه أيمن عودة.
بقليل من الرياضيات، وبحسب نسب الحسم التي اقترحها ليبرمان، لن يدخل الكنيست حزبٌ يقل عدد أعضائه عن أربعة، وبالعودة إلى نتائج الأحزاب العربية السابقة، قلما تجاوز حزبٌ عربي بمفرده العدد أربعة، وفي حالات كثيرة، اقتصر الوجود الحزبي العربي على عضو واحد، كانت ردة فعل أقرب إلى الانتفاضة، لتعيد الحياة إلى ما يشبه الموات السياسي الذي اقتصر على مناكفات أحمد الطيبي وطلب الصانع لمتطرفي أعضاء الكنيست اليهود، فكان لعرب إسرائيل ما أرادوا، فتجاوزوا المرحلة الأولى بنجاح باهر، بإيصال أربعة عشر عضواً إلى الكنيست، وكان عددهم في الكنيست السابق أحد عشر عضواً.
أحدثت ردة الفعل العربية ارتكاساً إسرائيلياً على مستوى الشارع، فارتفعت نسبة المشاركة بشكل جنوني، وذهبت الأصوات بكثافة إلى اليمين، ويمين اليمين، فتحطمت استطلاعات الرأي كلها، ووجد نتنياهو نفسه، مرة أخرى، على رأس الهرم السياسي، مفاخراً بأنه سيشكل حكومة في ظرف أسبوعين فقط، وهو تصريح واقعي في ظل الاكتساح اليميني للكنيست. يُظهر هذا الهلع الاسرائيلي نظرة موحدة إلى العرب، وخوفاً من تراصهم الحزبي الذي أنتج حزباً واحداً، على الرغم من أن هذا التراص جاء رد فعل، وليس فعلاً أصيلاً أو سلوكاً سياسياً رصيناً. لم يكن الخوف من إيران، ولا من تحذيرات نتنياهو المتكررة من خسارته مقعده في رئاسة الحكومة، بل كان الخوف، وبدلالة الانعطاف في نتائج استطلاعات الشارع، من الحزب العربي الموحد.
لن يفكر نتنياهو بحكومة "وطنية"، يجمع إلى جانبه فيها اليساريين، ولديه وفرة يمينية، لكنه سيحرم، في الوقت نفسه، التكتل العربي الموحد من رئاسة المعارضة، لأنها ستذهب حكماً إلى المعسكر الصهيوني الذي يملك شكلاً يسارياً يمثله هيرتزوغ، وقلباً يمينياً تمثله تسيبي ليفني، وقد يجد التكتل العربي نفسه وسط هذا الضياع عائداً إلى مناكفات جديدة، مع متطرفي الكنيست اليهود.