10 نوفمبر 2024
بعد صرخة "مراقب الإخوان" في الأردن
وصفت مصادر قيادية في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الرسالة الجديدة التي وجّهها المراقب العام للجماعة، همام سعيد، لأعضاء جماعته، بـ"الصرخة الأخيرة" لإنقاذ الجماعة من مفاعيل عمليات التحلّل الذاتي والتآكل الداخلي التي بدأت تنهش فيها في الأعوام الأخيرة. وتأتي الرسالة بعد عمليات انشقاق وتمرّد متتالية، حدثت من قيادات مهمة في الحركة، الأولى عبر تأسيس جماعة إخوان مسلمين جديدة، بقيادة المراقب العام الأسبق، عبد المجيد ذنيبات، بمباركة حكومية، لسحب البساط القانوني من تحت أقدام الجماعة الأم، والثانية، أخيراً، عبر إعلان حكماء الجماعة وقياداتها التاريخية (مثل عبد اللطيف عربيات، وإسحاق الفرحان، وحمزة منصور، وسالم الفلاحات، وعبد الحميد القضاة)، أنّ المفاوضات مع القيادة الحالية (المحسوبة على جناح الصقور) وصلت إلى "طريق مسدود"، وأنّ الحكماء، ومعهم مجموعة كبيرة من الشباب، يفكّرون بتأسيس "إطار سياسي" جديد، والخروج من جبهة العمل الإسلامي، مع البقاء في عضوية جماعة الإخوان المسلمين.
ترك همام سعيد، الذي أعلن أنّ تأسيس إطار جديد غير مسموح به، الباب موارباً في مسألة انتخابات مبكّرة لموقع المراقب العام (إذ تنتهي ولايته في إبريل/ نيسان 2016)، ودعا هيئات الجماعة للتحضير والاستعداد لانتخابات داخلية مبكرة. فهل هذه الخطوة كافية، فعلاً، للحيلولة دون تشظي الحركة عبر تأسيس الكيان الجديد، والحفاظ على التماسك الداخلي، في ظل مؤشرات مهمة على عزم الجماعة على خوض الانتخابات النيابية المقبلة، المتوقعة إما في صيف 2016 أو شتاء 2017؟
ربما تكون هذه المحاولة ناجعة في إقناع القيادات والحكماء بالعودة إلى "طاولة المفاوضات"، والاتفاق على موعد انتخابات مبكرة، لكنّها، في الحقيقة، لن تجدي على المدى البعيد في إيجاد مخرج استراتيجي للأزمة الإخوانية البنيوية التي تختزلها بعض الأطراف بموضوع إقالة المراقب العام الحالي، وتوسيع المشاركة في المكتب التنفيذي، بينما هي، في الحقيقة، تتجاوز ذلك بكثير.
ما هي إذاً المعالم الجوهرية والكبرى لأزمة "الجماعة"؟ المعلم الرئيس للأزمة يتمثل بما يمكن أن نطلق عليها "حالة الإنكار"، فهنالك تيار واسع في الجماعة ما يزال تحت تأثير "سكرة الربيع العربي" والحراكات والتظاهرات الشعبية، وفوز الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بانتخابات الرئاسة، ولديهم حالة إنكار وعدم قبول بالاعتراف بالتغييرات الكبيرة التي حصلت بعد ذلك في مصر وفي الدول العربية الأخرى، وانحراف قطار الثورات إلى سكك الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية ونجاح الثورة المضادة للمعسكر المحافظ العربي (ولو مرحلياً) في تبديد الشعاعات الأولى للربيع الديمقراطي.
ما يزال هذا التيار يتمسك بتلك اللحظة الرومانسية التي جرّت معها "إخوان" الأردن إلى رفع سقف المطالب، عبر الشعار المعروف الشهير لنائب المراقب العام، زكي بني ارشيد (المسجون حالياً على خلفية اتهامات بالإساءة لدولة الإمارات عبر صفحته الإلكترونية): "من المشاركة إلى الشراكة"، ثم جاءت عملية إطاحة مركز الجماعة القانوني عبر تأسيس جماعة جديدة، وقبل ذلك، مبادرة زمزم، مع استمرار حدة الخلافات الداخلية.
لا تشعر القيادة الحالية، ومعها تيار الصقور، بأي داعٍ للمراجعة الذاتية لمسار الجماعة، ولا
تعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر ارتكبت أي أخطاء، ولا تجد أن الظروف تقتضي إعادة تقييم الموقف في العلاقة مع الدولة، وفي صوغ معادلة جديدة، وفي تطوير رؤية الجماعة وفق المتغيّرات الجديدة، فكما صرّح، مراراً، المراقب العام الحالي أنّ الجماعة لا تحتاج إلى مراجعات، وهو ما يجعل من أي محاولة للتجديد والتطوير وإعادة النظر في المرحلة السابقة والعمل على تطوير الأدوات والهياكل والأدبيات أمراً غير مطروح لدى تيار، وهو مسألة ضرورية وأولوية لدى تيار آخر.
تتوازى هذه الأزمة مع حالة انقسام أفقي وعمودي في أطر الجماعة، وغياب الشخصيات التي تحظى بقبول عام في الداخل، مع حضور سياسي وإعلامي في الخارج، والأهم أنّ أزمة "إخوان" الأردن هي جزء من أزمة مشروع "الإخوان" عالمياً، الذي يترنّح، اليوم، بين التجديد البنيوي أو الجمود والتشظي، ويعاني من أعراض مرض صراع الأجيال وأزمة تصعيد لقيادات جديدة وإعدادها!
لو جوّلنا البصر والبصيرة في حالة "الإخوان" ليس في الأردن فقط، بل في الجزائر ومصر والعراق وسورية، نجد أنّ الجماعة تعيش حالة من التمزّق والانقسامات الداخلية والخلافات الكبيرة، سواء اتخذت طابعاً مؤسسياً أو إعلامياً وشخصياً وسياسياً؛ بينما نجد الدول والمجتمعات التي عملت على تطوير مشروعها، والتحلّي بقدر كبير من البراغماتية والمرونة في التعاطي مع المشهد السياسي، استطاعت تجاوز الأزمات الداخلية بدرجة كبيرة، كحالة حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
تتبدى العناوين الرئيسة التي تمثل معالم الطريق المطلوبة لتجاوز الأزمة في: ضرورة فصل الدعوي عن السياسي، وتأسيس عمل سياسي حزبي محترف خارج النسق التقليدي لرؤية الجماعة، عدم التقيّد بالأطر التقليدية الهيكلية، أو الأدبيات التاريخية، والخروج إلى حيّز تنظير جديد للعمل السياسي والحزبي، كما فعل راشد الغنوشي (في تونس) وسعد الدين العثماني (في المغرب) الذي قدّم رؤية تنظيرية فقهية على درجة كبيرة من الأهمية للعمل السياسي تتمثّل في التمييز بين الديني والسياسي، الأمر الذي انعكس على هياكل الحركة الإسلامية في المغرب، بين "التوحيد" و"الإصلاح" التي تُعنى بالشأن الدعوي والتربوي والديني، والحزب الذي يُعنى بالشأن السياسي.
من الطريف أنّ التيار العريض من الإسلاميين العرب الذين يجعلون من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زعيماً تاريخياً للأمة، يقفزون عن حيثيات التجربة التركية ومخرجاتها، والطريق التي سار عليها أردوغان ورفاقه، حتى وصلوا إلى هذا النفوذ السياسي الداخلي والإقليمي والعالمي، وكأنّ هذه التجربة ولدت من فراغ أو نزلت من المريخ، أو أنّهم (أي الإسلاميين العرب) يتوقعون أن يسيروا في الاتجاه المعاكس للمنهج الذي اتبعه أردوغان ورفاقه، أو أن يبقوا على خط نجم الدين أربكان (حتى أربكان كان متقدماً بالنسبة لخطاب تيار واسع منهم)، ثم يصلوا إلى نتائج أردوغان!
ترك همام سعيد، الذي أعلن أنّ تأسيس إطار جديد غير مسموح به، الباب موارباً في مسألة انتخابات مبكّرة لموقع المراقب العام (إذ تنتهي ولايته في إبريل/ نيسان 2016)، ودعا هيئات الجماعة للتحضير والاستعداد لانتخابات داخلية مبكرة. فهل هذه الخطوة كافية، فعلاً، للحيلولة دون تشظي الحركة عبر تأسيس الكيان الجديد، والحفاظ على التماسك الداخلي، في ظل مؤشرات مهمة على عزم الجماعة على خوض الانتخابات النيابية المقبلة، المتوقعة إما في صيف 2016 أو شتاء 2017؟
ربما تكون هذه المحاولة ناجعة في إقناع القيادات والحكماء بالعودة إلى "طاولة المفاوضات"، والاتفاق على موعد انتخابات مبكرة، لكنّها، في الحقيقة، لن تجدي على المدى البعيد في إيجاد مخرج استراتيجي للأزمة الإخوانية البنيوية التي تختزلها بعض الأطراف بموضوع إقالة المراقب العام الحالي، وتوسيع المشاركة في المكتب التنفيذي، بينما هي، في الحقيقة، تتجاوز ذلك بكثير.
ما هي إذاً المعالم الجوهرية والكبرى لأزمة "الجماعة"؟ المعلم الرئيس للأزمة يتمثل بما يمكن أن نطلق عليها "حالة الإنكار"، فهنالك تيار واسع في الجماعة ما يزال تحت تأثير "سكرة الربيع العربي" والحراكات والتظاهرات الشعبية، وفوز الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بانتخابات الرئاسة، ولديهم حالة إنكار وعدم قبول بالاعتراف بالتغييرات الكبيرة التي حصلت بعد ذلك في مصر وفي الدول العربية الأخرى، وانحراف قطار الثورات إلى سكك الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية ونجاح الثورة المضادة للمعسكر المحافظ العربي (ولو مرحلياً) في تبديد الشعاعات الأولى للربيع الديمقراطي.
ما يزال هذا التيار يتمسك بتلك اللحظة الرومانسية التي جرّت معها "إخوان" الأردن إلى رفع سقف المطالب، عبر الشعار المعروف الشهير لنائب المراقب العام، زكي بني ارشيد (المسجون حالياً على خلفية اتهامات بالإساءة لدولة الإمارات عبر صفحته الإلكترونية): "من المشاركة إلى الشراكة"، ثم جاءت عملية إطاحة مركز الجماعة القانوني عبر تأسيس جماعة جديدة، وقبل ذلك، مبادرة زمزم، مع استمرار حدة الخلافات الداخلية.
لا تشعر القيادة الحالية، ومعها تيار الصقور، بأي داعٍ للمراجعة الذاتية لمسار الجماعة، ولا
تتوازى هذه الأزمة مع حالة انقسام أفقي وعمودي في أطر الجماعة، وغياب الشخصيات التي تحظى بقبول عام في الداخل، مع حضور سياسي وإعلامي في الخارج، والأهم أنّ أزمة "إخوان" الأردن هي جزء من أزمة مشروع "الإخوان" عالمياً، الذي يترنّح، اليوم، بين التجديد البنيوي أو الجمود والتشظي، ويعاني من أعراض مرض صراع الأجيال وأزمة تصعيد لقيادات جديدة وإعدادها!
لو جوّلنا البصر والبصيرة في حالة "الإخوان" ليس في الأردن فقط، بل في الجزائر ومصر والعراق وسورية، نجد أنّ الجماعة تعيش حالة من التمزّق والانقسامات الداخلية والخلافات الكبيرة، سواء اتخذت طابعاً مؤسسياً أو إعلامياً وشخصياً وسياسياً؛ بينما نجد الدول والمجتمعات التي عملت على تطوير مشروعها، والتحلّي بقدر كبير من البراغماتية والمرونة في التعاطي مع المشهد السياسي، استطاعت تجاوز الأزمات الداخلية بدرجة كبيرة، كحالة حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
تتبدى العناوين الرئيسة التي تمثل معالم الطريق المطلوبة لتجاوز الأزمة في: ضرورة فصل الدعوي عن السياسي، وتأسيس عمل سياسي حزبي محترف خارج النسق التقليدي لرؤية الجماعة، عدم التقيّد بالأطر التقليدية الهيكلية، أو الأدبيات التاريخية، والخروج إلى حيّز تنظير جديد للعمل السياسي والحزبي، كما فعل راشد الغنوشي (في تونس) وسعد الدين العثماني (في المغرب) الذي قدّم رؤية تنظيرية فقهية على درجة كبيرة من الأهمية للعمل السياسي تتمثّل في التمييز بين الديني والسياسي، الأمر الذي انعكس على هياكل الحركة الإسلامية في المغرب، بين "التوحيد" و"الإصلاح" التي تُعنى بالشأن الدعوي والتربوي والديني، والحزب الذي يُعنى بالشأن السياسي.
من الطريف أنّ التيار العريض من الإسلاميين العرب الذين يجعلون من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زعيماً تاريخياً للأمة، يقفزون عن حيثيات التجربة التركية ومخرجاتها، والطريق التي سار عليها أردوغان ورفاقه، حتى وصلوا إلى هذا النفوذ السياسي الداخلي والإقليمي والعالمي، وكأنّ هذه التجربة ولدت من فراغ أو نزلت من المريخ، أو أنّهم (أي الإسلاميين العرب) يتوقعون أن يسيروا في الاتجاه المعاكس للمنهج الذي اتبعه أردوغان ورفاقه، أو أن يبقوا على خط نجم الدين أربكان (حتى أربكان كان متقدماً بالنسبة لخطاب تيار واسع منهم)، ثم يصلوا إلى نتائج أردوغان!