04 فبراير 2016
انتفاضة فلسطينية جديدة؟
على مدى سنوات، ووسائل الإعلام العربية تسأل، مع كل عدوان صهيوني على الأرض الفلسطينية، عما إذا كانت ستنشب انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. يحاول الأكاديميون وأصحاب الرأي الإجابة، ومنهم من يقول بالاحتمال الكبير لنشوب انتفاضة، ومنهم من يقلل منه. وبات واضحا أن اعتداءات إسرائيلية كثيرة، وخصوصاً على المسجد الأقصى، لم تحرك جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إذا تتبعنا مسيرة الانتفاضات الفلسطينية، نحن ننتظر الانتفاضة رقم 26، وليس رقم 3. منذ عام 1920، شهدت فلسطين خمسا وعشرين انتفاضة، وكلها لم تستطع تحرير البلاد أو تحقيق جزء من تطلعات الشعب الفلسطيني. ويلاحظ المتتبع أن هذه الانتفاضات كانت تنشب بصورة تلقائية، وبدون تخطيط مسبق، وتعمل على سد فراغ تعاني منه الساحة. لم تقم انتفاضات فلسطينية في ظل قيادات ناشطة وفاعلة، أو إبان حركة مقاومة واسعة، وإنما كانت تنشب في أوقات ضعف القيادات الفلسطينية، وخلو الساحة من حالة مقاومة أو مواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
الانتفاضة حالة شعبية تلقائية يعبر الناس بها عن أنفسهم بوسائل متعددة، مثل المظاهرات والبيانات وإغلاق الطرق وإلقاء الحجارة والكتابة على الحيطان، إلخ. وهي، غالباً، ناجمة عن شعور شديد بالإحباط واليأس من اللاعبين الأقوياء الذين يمكن أن يقدموا حلولا للمآزق التي يعاني منها الناس. ولهذا، تصنف الانتفاضة ضمن أعمال الاحتجاج، وليس أعمال المقاومة. أعمال المقاومة أكثر رقيا من الناحية العملية في مواجهة الاحتلال من الانتفاضات، لأنها تعبر عن أعمال كبيرة، من شأنها أن تكلف الاحتلال غاليا، وتضعه أمام مأزق أمني واقتصادي، قد لا يستطيع تحمله. الانتفاضات احتجاجات، بينما أعمال المقاومة ندّية، وتقوم على مبدأ الأذى المتبادل والردع المتبادل، وهي تبدأ بخطوة بسيطة، هي مقاطعة الاحتلال في مختلف مجالات الحياة، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي، وتتصاعد، بعد ذلك، لتصل إلى العمل العسكري المسلح.
ينتفض الناس نتيجة تراكم الهموم، ووعيهم بأن الحلول تبدو مفقودة، وأن الذين يملكون مفاتيح الحلول غائبون، وهم يقومون بهذا النشاط من دون قرارات سياسية أو تخمينات إعلامية، ولا يخضعون لضغط على زر، فيخرجون إلى الشوارع، يقيمون المتاريس ويحرقون الإطارات. إنه من الصعب جدا التكهن بموعد خروج الجماهير.
هناك أسباب كثيرة تجعلنا نضع احتمالا عاليا لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، منها ما يتعلق باعتداءات الاحتلال، ومنها ما يتصل بممارسات السلطة الفلسطينية. الظروف الفلسطينية صعبة ومواتية، ليس لانتفاضة فقط وإنما لثورة. لكن، من المفروض الأخذ بالاعتبار العوامل الكابحة، وأسوق منها:
أولاً، خضع الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 67 لإعادة تأهيل ثقافي منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، بحيث أخذت الثقافة الاستهلاكية تطغى على الثقافة الوطنية. شغلت السلطة الفلسطينية وإسرائيل والدول الغربية الشعب الفلسطيني بالرواتب والأموال والنعم والرفاه، بصورة صنعت هموما يومية وحياتية للمواطن الفلسطيني، فانحرف تفكيره وانشغاله عن الهم الوطني إلى الهم الشخصي الحياتي. وساهمت السلطة الفلسطينية مساهمة كبيرة في إعادة ترتيب أولويات المواطن الفلسطيني، بحيث لم يعد الوطن المحور الأساس الذي يستحوذ على الاهتمامات والنشاطات.
ثانياً، تأثر الشعب الفلسطيني كثيرا بأجواء الفساد التي طغت على الضفة الغربية وغزة، وانشغل الناس بالحديث عن ثروات أشخاص متنفذين وسرقاتهم واختلاساتهم أموال الشعب. انتشر الفساد في كل ركن وزاوية، إلى درجة أثرت سلباً، وبقوة، على النسيجين الأخلاقي والاجتماعي للناس. وإذا كان للنسيجين، الاجتماعي والأخلاقي، أن يلحق بهما عطب، فإن الشعب لا يستطيع أن يقف على أقدامه، وهذا صحيح لأي مجتمع، وليس فقط للمجتمع الفلسطيني.
ثالثاً، صُدم الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من سوء صنيع القيادات الفلسطينية، ومن سوء إدارتها الأرض المحتلة. ظن الناس أن الدولة الفلسطينية على الأبواب، وأن اللاجئين سيعودون قريبا، وأن الأرض المحتلة ستصبح سنغافورة الشرق، واكتشفوا، مع السنوات، أن كل الظنون لم تكن إلا تمنيات وأكاذيب قيادات. وقد رأوا أنهم قدموا تضحيات جساماً في انتفاضات سابقة، لكي تستفيد منها، في النهاية، قيادات فاسدة تتقن نهب الأموال والكذب والتضليل. والسؤال الذي بات يطرحه الفلسطيني على نفسه: لمن أضحي؟ ولمن أموت وأترك زوجي وأولادي؟
رابعاً، مع كل هذه الأجواء، يرى الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية تنسق مع الاحتلال، وخصوصاً في القضايا الأمنية. تلاحق فلسطينيين يقاومون الاحتلال، بذريعة أن المقاوم سيجلب رد فعل من الاحتلال يؤدي إلى خسائر فلسطينية، وأفضل وسيلة لتوفير الأمن للفلسطينيين هي منع المقاومين من المقاومة. وسبق لرئيس السلطة الفلسطينية أن قال إنه لن يسمح بنشوب انتفاضة، ما دام هو في المقدمة، وواضح من سلوك الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنها تحاول منع أي تحرك شعبي ضد الاحتلال.
خامساً، تشكل الساحة العربية عاملا كابحاً، بسبب انشغال الشعوب العربية بالهموم الداخلية التي نجمت عن الحراك العربي الذي بدأ في تونس. تترقب الساحة الفلسطينية عادة الساحة العربية، لتكون داعما لها في الضغط على الحكام العرب، ومن حالفهم من الدول الغربية، من أجل التهوين على الشعب الفلسطيني، وتخفيف ضغط الاحتلال عليه. ليس هذا الأمر موجودا الآن، والشعوب العربية بحاجة لمن يتضامن معها، ويخرجها من همومها المتراكمة.
الانتفاضة حالة شعبية تلقائية يعبر الناس بها عن أنفسهم بوسائل متعددة، مثل المظاهرات والبيانات وإغلاق الطرق وإلقاء الحجارة والكتابة على الحيطان، إلخ. وهي، غالباً، ناجمة عن شعور شديد بالإحباط واليأس من اللاعبين الأقوياء الذين يمكن أن يقدموا حلولا للمآزق التي يعاني منها الناس. ولهذا، تصنف الانتفاضة ضمن أعمال الاحتجاج، وليس أعمال المقاومة. أعمال المقاومة أكثر رقيا من الناحية العملية في مواجهة الاحتلال من الانتفاضات، لأنها تعبر عن أعمال كبيرة، من شأنها أن تكلف الاحتلال غاليا، وتضعه أمام مأزق أمني واقتصادي، قد لا يستطيع تحمله. الانتفاضات احتجاجات، بينما أعمال المقاومة ندّية، وتقوم على مبدأ الأذى المتبادل والردع المتبادل، وهي تبدأ بخطوة بسيطة، هي مقاطعة الاحتلال في مختلف مجالات الحياة، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي، وتتصاعد، بعد ذلك، لتصل إلى العمل العسكري المسلح.
ينتفض الناس نتيجة تراكم الهموم، ووعيهم بأن الحلول تبدو مفقودة، وأن الذين يملكون مفاتيح الحلول غائبون، وهم يقومون بهذا النشاط من دون قرارات سياسية أو تخمينات إعلامية، ولا يخضعون لضغط على زر، فيخرجون إلى الشوارع، يقيمون المتاريس ويحرقون الإطارات. إنه من الصعب جدا التكهن بموعد خروج الجماهير.
هناك أسباب كثيرة تجعلنا نضع احتمالا عاليا لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، منها ما يتعلق باعتداءات الاحتلال، ومنها ما يتصل بممارسات السلطة الفلسطينية. الظروف الفلسطينية صعبة ومواتية، ليس لانتفاضة فقط وإنما لثورة. لكن، من المفروض الأخذ بالاعتبار العوامل الكابحة، وأسوق منها:
أولاً، خضع الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 67 لإعادة تأهيل ثقافي منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، بحيث أخذت الثقافة الاستهلاكية تطغى على الثقافة الوطنية. شغلت السلطة الفلسطينية وإسرائيل والدول الغربية الشعب الفلسطيني بالرواتب والأموال والنعم والرفاه، بصورة صنعت هموما يومية وحياتية للمواطن الفلسطيني، فانحرف تفكيره وانشغاله عن الهم الوطني إلى الهم الشخصي الحياتي. وساهمت السلطة الفلسطينية مساهمة كبيرة في إعادة ترتيب أولويات المواطن الفلسطيني، بحيث لم يعد الوطن المحور الأساس الذي يستحوذ على الاهتمامات والنشاطات.
ثانياً، تأثر الشعب الفلسطيني كثيرا بأجواء الفساد التي طغت على الضفة الغربية وغزة، وانشغل الناس بالحديث عن ثروات أشخاص متنفذين وسرقاتهم واختلاساتهم أموال الشعب. انتشر الفساد في كل ركن وزاوية، إلى درجة أثرت سلباً، وبقوة، على النسيجين الأخلاقي والاجتماعي للناس. وإذا كان للنسيجين، الاجتماعي والأخلاقي، أن يلحق بهما عطب، فإن الشعب لا يستطيع أن يقف على أقدامه، وهذا صحيح لأي مجتمع، وليس فقط للمجتمع الفلسطيني.
ثالثاً، صُدم الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من سوء صنيع القيادات الفلسطينية، ومن سوء إدارتها الأرض المحتلة. ظن الناس أن الدولة الفلسطينية على الأبواب، وأن اللاجئين سيعودون قريبا، وأن الأرض المحتلة ستصبح سنغافورة الشرق، واكتشفوا، مع السنوات، أن كل الظنون لم تكن إلا تمنيات وأكاذيب قيادات. وقد رأوا أنهم قدموا تضحيات جساماً في انتفاضات سابقة، لكي تستفيد منها، في النهاية، قيادات فاسدة تتقن نهب الأموال والكذب والتضليل. والسؤال الذي بات يطرحه الفلسطيني على نفسه: لمن أضحي؟ ولمن أموت وأترك زوجي وأولادي؟
رابعاً، مع كل هذه الأجواء، يرى الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية تنسق مع الاحتلال، وخصوصاً في القضايا الأمنية. تلاحق فلسطينيين يقاومون الاحتلال، بذريعة أن المقاوم سيجلب رد فعل من الاحتلال يؤدي إلى خسائر فلسطينية، وأفضل وسيلة لتوفير الأمن للفلسطينيين هي منع المقاومين من المقاومة. وسبق لرئيس السلطة الفلسطينية أن قال إنه لن يسمح بنشوب انتفاضة، ما دام هو في المقدمة، وواضح من سلوك الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنها تحاول منع أي تحرك شعبي ضد الاحتلال.
خامساً، تشكل الساحة العربية عاملا كابحاً، بسبب انشغال الشعوب العربية بالهموم الداخلية التي نجمت عن الحراك العربي الذي بدأ في تونس. تترقب الساحة الفلسطينية عادة الساحة العربية، لتكون داعما لها في الضغط على الحكام العرب، ومن حالفهم من الدول الغربية، من أجل التهوين على الشعب الفلسطيني، وتخفيف ضغط الاحتلال عليه. ليس هذا الأمر موجودا الآن، والشعوب العربية بحاجة لمن يتضامن معها، ويخرجها من همومها المتراكمة.