04 فبراير 2016
إسرائيل... إرهاب القوة دائماً
يتحدث العالم كله عن الإرهاب، ويحصره في تنظيمات إسلامية، في مقدمتها تنظيم داعش، ولا يرى جهة أو طرفاً آخر يمارس الإرهاب على المستوى العالمي. فإذا كان الإرهاب، وفق التعريفات الأميركية، هو ممارسة القوة أو العنف ضد المدنيين، من أجل تحقيق أهداف أو أغراض سياسية، فإن أميركا تكون أول الإرهابيين. أميركا تحاصر غزة بالتعاون مع الكيان الصهيوني ودول عربية، من أجل الضغط على الجمهور في قطاع غزة، فيثور ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً، وتتمهد الطريق لعودة سلطة الحكم الذاتي إلى غزة. وتمارس أميركا الإرهاب ضد عدد من الدول العربية والإسلامية، بالعقوبات الاقتصادية والمالية والعسكرية التي تفرضها على هذه الدول، من أجل تحريض الشعوب، فتثور وتقلب الأنظمة الحاكمة. هكذا فعلت ضد ليبيا في عهد معمر القذافي وضد سورية سنوات طويلة، وضد العراق وإيران والسودان والدومينيكان وبنم... إلخ.
تحاول أميركا أن تظهر بمظهر الدولة الباحثة عن السلام، وتقوم أحياناً بنشاطاتٍ يمكن أن تعمي المراقب عن نشاطاتها الإرهابية، لكن الكيان الصهيوني يمتهن الإرهاب، ليس الآن فقط، وإنما منذ بدأ الغزو الصهيوني لفلسطين، ومنذ كان الانتداب البريطاني يمهد الطريق لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين. لقد عزم أهل الغرب، منذ حوالي مائة عام، على إنهاك شعب فلسطين لطرده من وطنه، وتسليم هذا الوطن لعصابات صهيونية مجرمة، تعلمت فنون التنكيل بالإنسان من الأوروبيين.
الاحتلال إرهاب
كان الإرهاب إحدى الأدوات الرئيسية التي استخدمتها المنظمة الصهيونية العالمية، بالتعاون مع الاستعمار البريطاني لإنشاء الوطن القومي لليهود. وتؤشر الأدلة التاريخية، بوضوح، على أن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية إبّان الانتداب البريطاني كثيرة، من أجل إرهاب شعب فلسطين، فيضطرون للهروب من بيوتهم ووطنهم، للمحافظة على حياتهم. مجزرة دير ياسين مشهورة، وكذلك مجازر حيفا والدوايمة ومسجد دهمش في اللد والطنطورة... إلخ.
اغتصاب فلسطين وإقامة دولة اليهود يعبران عن أشد أنواع الإرهاب تاريخياً، لأنهما تما، أولاً، بقوة السلاح، وثانياً لأنهما تعمدا تصفية شعب، وتجريده من وطنه، ليهيم في الأرض مشتتاً. واحتلال عام 1967 إرهاب أيضاً، لأنه تم بقوة السلاح، وحال دون عودة الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في الخارج إلى وطنهم، وما زال يمنعهم. لا تحتل إسرائيل الضفة الغربية بالزهور والورود، وإنما بقوة السلاح، وتحت مظلة حماية غربية، وبالتحديد حماية أميركية. وفي هذا الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن محاربة الإرهاب، يستمر الاحتلال الصهيوني باحتلاله الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، ويستمر أهل الغرب بتزويد الكيان الصهيوني بمختلف أنواع الأسلحة والدعم الدبلوماسي والأمني، ويستمرون أيضا بوصف الشعب الفلسطيني بأنه إرهابي.
إذلال العرب والمسلمين
كان قيام الكيان الصهيوني أكبر مصدر إذلال للعرب والمسلمين، وليس بالضرورة الحكام العرب والمسلمين، وإنما الشعوب العربية والإسلامية. ولقد قصم أهل الغرب ظهر العرب عندما قسموا الوطن العربي إلى إقطاعياتٍ، وزعوها على قبائل عربية، لكي تحكم بالنيابة عن الاستعمار وبأمره. جزأت اتفاقية سايكس بيكو أرض الشام والعراق، ثم عملت بريطانيا على تفتيت شبه الجزيرة العربية، لتتشكل إمارات صغيرة ضعيفة، تتربع على ثروة طبيعية هائلة. ورغم أنف الأمة العربية، أقام الاستعمار الغربي الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التي تعتبر أرض وقف إسلامي، وتضم، في جنباتها، بعض أقدس الأماكن الإسلامية. وعلى الرغم من أن الوطن العربي كبير بمساحته وعدد سكانه وثرواته، إلا أن الكيان الصهيوني الصغير تمكن من إلحاق الهزائم المتكررة بهذا الوطن وأهله وأذله، وتمكن من رقاب حكامه، بفضل دعم الاستعمار الغربي المستمر الذي يؤكد دائماً على بقاء الكيان القوة العسكرية التي لا تتغلب عليها القوة العربية، مهما عظمت.
يشعر العربي والمسلم بالذل والهوان والضعة والبؤس أمام الكيان الصهيوني، وأمام جبروت القوى الغربية التي تصر على إبقاء العرب والمسلمين مهزومين. لا يقدر أهل الغرب بأن العرب والمسلمين بحاجة للشعور بالكرامة والعزة والاحترام، كما بقية شعوب الأرض، ويعملون باستمرار على إهانة أهل المنطقة العربية وإذلالهم بالمزيد. تم حشر العربي في زاوية الاحتقار والازدراء، إلى درجة أنه بدأ يهرب من نفسه، ويخرج عن طوره العقلاني الراشد والرشيد. ويخطئ من كان يظن أن الإذلال يمر بلا ثمن، أو بلا رد فعل، أو تفكير بالثأر.
تولّد تنظيمات المقاومة
لم يكن متوقعاً أن يسكت أهل الحق عن انتهاك حقوقهم، ومنذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين،
بدأت تتشكل تجمعات عربية وإسلامية، من أجل المحافظة على فلسطين، والحيلولة دون اغتصابها. وقد كانت البداية مع حركة الإخوان المسلمين في مصر التي شكلت كتائب عسكرية للقتال في فلسطين إلى جانب الجيوش العربية. وعلى المستوى الفلسطيني، نشط الفلسطينيون مبكراً في إنشاء حركات أو تجمعات فلسطينية عسكرية، من أجل استرداد الحقوق المغتصبة، وإن كان الشعب قد تأخر قليلاً في الإعلان عن هذه الحركات، بعض الوقت، بسبب ظروف التشتيت والتهجير.
كان من الغباء أن يظن أحد أن شعب فلسطين سيسكت ويستسلم للإرادة الصهيونية الغربية، وكان رد الفعل متوقعاً، كما يمكن أن يحصل لدى أي شعب آخر يطرد من وطنه. ولم يكن من الذكاء أن يحسب أحد أن قضية فلسطين ستكون قضية شعب فلسطين وحدهم، دون العرب والمسلمين. فلسطين أرض مقدسة للعرب، مسلمين ومسيحيين، وهي مقدسة لعموم المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب، وهي تحرّك مشاعر الجميع من الناحية الدينية على الأقل، وتهز أركان الوجدان والانتماء العربي والإسلامي. ولهذا، لم يكتف العرب والمسلمون بظهور تنظيمات فلسطينية ترفع شعار التحرير، وإنما بادروا هم أيضاً إلى التفكير بإقامة تنظيماتهم الخاصة التي تستقطب المجاهدين من كل أركان وزوايا الوطن العربي والعالم الإسلامي. ولم يكن القادة القوميون ورجال الدين في منأى عن القضية الفلسطينية، واعتبروها دائما قضية العرب والمسلمين الأولى التي يجب العمل على حلها، وفق ما يلبي المصالح والحقوق الفلسطينية. لم يكن كل العرب والمسلمين على الوتيرة الوجدانية نفسها تجاه فلسطين، بل عمل بعضهم مع الصهاينة، لتثبيت أركان الكيان الصهيوني، وقرّروا، في النهاية، الصلح مع الكيان والتطبيع معه، وفتح سفارات له في العواصم العربية. وكان ذلك أيضاً شأن بعض الفلسطينيين الذين اعترفوا بالكيان، وأخذوا ينسقون معه وكأنه صديق حميم.
لم ينثن "الإخوان المسلمون" عن رؤيتهم الإسلامية لفلسطين والمقدسات، واستمروا في التدريس الديني الذي يعمق الانتماء للقضية الفلسطينية، ويقوّي الالتزام بتحرير فلسطين، وخصوصاً بعد الحروب الفاشلة التي خاضتها الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني. وخرجت من تحت عباءة "الإخوان" مع الزمن تنظيمات عربية وإسلامية ذهبت إلى ما هو أبعد من نهج "الإخوان" في مواجهة التحدي الغربي الصهيوني. ظهرت حركة جهادية في مصر وفي أفغانستان، ومن ثم حركات جهادية فلسطينية، لا تؤمن بالعمل الديبلوماسي والحوار السلمي، ما دام العدو يستمر بالتسلح والاستعداد للقتال. وبغض النظر عن أصول تشكيل تنظيم القاعدة، وما يثار حول دور الأميركيين والسعوديين في إنشائه، لا نستطيع أن نغفل انضمام الشيخ عبد الله عزام له بهدف تثبيت الرؤية الفلسطينية للتنظيم. هناك من يتهم الشيخ عبد الله بنسيان القضية الفلسطينية والقتال ضد الشيوعية، لكن هذه تهمة لا تثبتها الوقائع، لأنه لولا وجود إسرائيل، ولولا غيرته على فلسطين، لما ارتحل إلى أفغانستان وباكستان. ربما أخطأ في الاختيار، لكنه لم يخطئ في النوايا.
من باكستان وأفغانستان، انطلقت تنظيمات إسلامية تنقم على أهل الغرب وعلى الصهاينة
وتتوعد بالثأر. ولم يقتصر الأمر على أهل السنة، وإنما شمل أهل الشيعة، وإن اختلفت المقاربات. جاءت الثورة الإيرانية لتؤكد على التزام أهل الشيعة بالقضية الفلسطينية، ورفض وجود الكيان الصهيوني، واعتبار القضية جزءاً من العقيدة الإسلامية. ولهذا، ركزت إيران على إقامة حركة مقاومة تعبر عن الموقف الشيعي، قولاً وعملاً، وانبثق حزب الله اللبناني. تأثر بعض أهل السنة بالثورة الإيرانية، وشعروا أن قيادتهم للمسلمين ستنتهي لتبدأ قيادة أهل الشيعة، فحرصوا على بذل مزيد من الجهود للبقاء في سدة القيادة.
الغلو باسم الدين
مضى زمن، منذ بدأ أهل السنة يشكلون تنظيماتٍ من أجل تحدي أهل الغرب بالقوة، على اعتبار أن أهل الغرب هم سبب مختلف المآسي والأحزان التي يعاني منها العرب والمسلمون. وفي جدلهم ضد الغرب، تصيب التنظيمات السنية الجزء الأكبر من الحقيقة، لأن الغرب هو الذي أقام الكيان الصهيوني، وهو الذي مزّق الأوطان، ويعمل على نهب الثروات، وينصب جبابرة حاقدين استبداديين حكاماً على الشعوب. لكن الأيام شهدت منافسات شديدة بين هذه التنظيمات، أدت إلى مغالاة في الطرح السياسي والأيديولوجي، ورأى كل تنظيم أنه سيكسب الساحة العربية الإسلامية في المزايدات والأعمال التي تزهق النفوس وتهدم البيوت. ولهذا ابتعدت أغلب التنظيمات الإسلامية عن فكرة المقاومة أو الثورة، لتتبنى المغالاة والغلو والقتل والإجرام، فأخذت تسيء للدين الإسلامي وقيمه ومنهجه.
الغلو والكيان الصهيوني
لولا وجود الكيان الصهيوني وعلوه على أنظمة العرب وقدراته العسكرية الهائلة المدعومة من الاستعمار الغربي، لما تطورت كل هذه التنظيمات الإسلامية، ولما اشتدت المنافسات فيما بينها، ولما تطور سلوك همجي أرعن على حساب سلوك المقاومة والثورة. وهذا ما أخذ يميز أهل السنة عن أهل الشيعة، في أن الأخيرين تمسكوا بالعقلية والتفكير العلمي، وفضلوا انتهاج طريق المقاومة، من دون تطرف أو غلو أو معاداة متعمدة لشعوب الأرض من دون تمييز. وإذا كان من بين أهل السنة من فضّل البقاء على طريق الإسلام، فهي المقاومة الفلسطينية في غزة، ومن والاها ودعمها. حتى هذه المقاومة الفلسطينية لم تسلم من عملاء الكيان الصهيوني وأميركا العرب، وهم يعملون على تدميرها الآن، من خلال الحصار المفروض على القطاع.
فإذا أراد العالم أن يتخلص من الإرهاب والإرهابيين، فعليه أن يعالج الأمر من جذوره، وهو الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني. لولا وجود الكيان الصهيوني، لما تطورت كل هذه الحركات والتنظيمات الإسلامية، ولما كانت كل هذه الأحقاد ضد أهل الغرب. يمارس الكيان الصهيوني الإرهاب، ليل نهار، ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب والمسلمين، من خلال الحروب والاغتيالات، وهو يمسك بالوطن الفلسطيني، ويمنع اللاجئين الفلسطينييين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم. فالمطلوب ليس فقط عدم دعم الكيان الصهيوني، وإنما تصحيح الأخطاء التي ارتكبها أهل الغرب بإقامة هذا الكيان. ومن المفروض ألا يحلم أحد بالقضاء على الإرهاب، ما دام الكيان الصهيوني موجوداً، ويمارس انتهاكاته بحق المقدسات الإسلامية.
تحاول أميركا أن تظهر بمظهر الدولة الباحثة عن السلام، وتقوم أحياناً بنشاطاتٍ يمكن أن تعمي المراقب عن نشاطاتها الإرهابية، لكن الكيان الصهيوني يمتهن الإرهاب، ليس الآن فقط، وإنما منذ بدأ الغزو الصهيوني لفلسطين، ومنذ كان الانتداب البريطاني يمهد الطريق لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين. لقد عزم أهل الغرب، منذ حوالي مائة عام، على إنهاك شعب فلسطين لطرده من وطنه، وتسليم هذا الوطن لعصابات صهيونية مجرمة، تعلمت فنون التنكيل بالإنسان من الأوروبيين.
الاحتلال إرهاب
كان الإرهاب إحدى الأدوات الرئيسية التي استخدمتها المنظمة الصهيونية العالمية، بالتعاون مع الاستعمار البريطاني لإنشاء الوطن القومي لليهود. وتؤشر الأدلة التاريخية، بوضوح، على أن المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية إبّان الانتداب البريطاني كثيرة، من أجل إرهاب شعب فلسطين، فيضطرون للهروب من بيوتهم ووطنهم، للمحافظة على حياتهم. مجزرة دير ياسين مشهورة، وكذلك مجازر حيفا والدوايمة ومسجد دهمش في اللد والطنطورة... إلخ.
إذلال العرب والمسلمين
كان قيام الكيان الصهيوني أكبر مصدر إذلال للعرب والمسلمين، وليس بالضرورة الحكام العرب والمسلمين، وإنما الشعوب العربية والإسلامية. ولقد قصم أهل الغرب ظهر العرب عندما قسموا الوطن العربي إلى إقطاعياتٍ، وزعوها على قبائل عربية، لكي تحكم بالنيابة عن الاستعمار وبأمره. جزأت اتفاقية سايكس بيكو أرض الشام والعراق، ثم عملت بريطانيا على تفتيت شبه الجزيرة العربية، لتتشكل إمارات صغيرة ضعيفة، تتربع على ثروة طبيعية هائلة. ورغم أنف الأمة العربية، أقام الاستعمار الغربي الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التي تعتبر أرض وقف إسلامي، وتضم، في جنباتها، بعض أقدس الأماكن الإسلامية. وعلى الرغم من أن الوطن العربي كبير بمساحته وعدد سكانه وثرواته، إلا أن الكيان الصهيوني الصغير تمكن من إلحاق الهزائم المتكررة بهذا الوطن وأهله وأذله، وتمكن من رقاب حكامه، بفضل دعم الاستعمار الغربي المستمر الذي يؤكد دائماً على بقاء الكيان القوة العسكرية التي لا تتغلب عليها القوة العربية، مهما عظمت.
يشعر العربي والمسلم بالذل والهوان والضعة والبؤس أمام الكيان الصهيوني، وأمام جبروت القوى الغربية التي تصر على إبقاء العرب والمسلمين مهزومين. لا يقدر أهل الغرب بأن العرب والمسلمين بحاجة للشعور بالكرامة والعزة والاحترام، كما بقية شعوب الأرض، ويعملون باستمرار على إهانة أهل المنطقة العربية وإذلالهم بالمزيد. تم حشر العربي في زاوية الاحتقار والازدراء، إلى درجة أنه بدأ يهرب من نفسه، ويخرج عن طوره العقلاني الراشد والرشيد. ويخطئ من كان يظن أن الإذلال يمر بلا ثمن، أو بلا رد فعل، أو تفكير بالثأر.
تولّد تنظيمات المقاومة
لم يكن متوقعاً أن يسكت أهل الحق عن انتهاك حقوقهم، ومنذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين،
كان من الغباء أن يظن أحد أن شعب فلسطين سيسكت ويستسلم للإرادة الصهيونية الغربية، وكان رد الفعل متوقعاً، كما يمكن أن يحصل لدى أي شعب آخر يطرد من وطنه. ولم يكن من الذكاء أن يحسب أحد أن قضية فلسطين ستكون قضية شعب فلسطين وحدهم، دون العرب والمسلمين. فلسطين أرض مقدسة للعرب، مسلمين ومسيحيين، وهي مقدسة لعموم المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب، وهي تحرّك مشاعر الجميع من الناحية الدينية على الأقل، وتهز أركان الوجدان والانتماء العربي والإسلامي. ولهذا، لم يكتف العرب والمسلمون بظهور تنظيمات فلسطينية ترفع شعار التحرير، وإنما بادروا هم أيضاً إلى التفكير بإقامة تنظيماتهم الخاصة التي تستقطب المجاهدين من كل أركان وزوايا الوطن العربي والعالم الإسلامي. ولم يكن القادة القوميون ورجال الدين في منأى عن القضية الفلسطينية، واعتبروها دائما قضية العرب والمسلمين الأولى التي يجب العمل على حلها، وفق ما يلبي المصالح والحقوق الفلسطينية. لم يكن كل العرب والمسلمين على الوتيرة الوجدانية نفسها تجاه فلسطين، بل عمل بعضهم مع الصهاينة، لتثبيت أركان الكيان الصهيوني، وقرّروا، في النهاية، الصلح مع الكيان والتطبيع معه، وفتح سفارات له في العواصم العربية. وكان ذلك أيضاً شأن بعض الفلسطينيين الذين اعترفوا بالكيان، وأخذوا ينسقون معه وكأنه صديق حميم.
لم ينثن "الإخوان المسلمون" عن رؤيتهم الإسلامية لفلسطين والمقدسات، واستمروا في التدريس الديني الذي يعمق الانتماء للقضية الفلسطينية، ويقوّي الالتزام بتحرير فلسطين، وخصوصاً بعد الحروب الفاشلة التي خاضتها الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني. وخرجت من تحت عباءة "الإخوان" مع الزمن تنظيمات عربية وإسلامية ذهبت إلى ما هو أبعد من نهج "الإخوان" في مواجهة التحدي الغربي الصهيوني. ظهرت حركة جهادية في مصر وفي أفغانستان، ومن ثم حركات جهادية فلسطينية، لا تؤمن بالعمل الديبلوماسي والحوار السلمي، ما دام العدو يستمر بالتسلح والاستعداد للقتال. وبغض النظر عن أصول تشكيل تنظيم القاعدة، وما يثار حول دور الأميركيين والسعوديين في إنشائه، لا نستطيع أن نغفل انضمام الشيخ عبد الله عزام له بهدف تثبيت الرؤية الفلسطينية للتنظيم. هناك من يتهم الشيخ عبد الله بنسيان القضية الفلسطينية والقتال ضد الشيوعية، لكن هذه تهمة لا تثبتها الوقائع، لأنه لولا وجود إسرائيل، ولولا غيرته على فلسطين، لما ارتحل إلى أفغانستان وباكستان. ربما أخطأ في الاختيار، لكنه لم يخطئ في النوايا.
من باكستان وأفغانستان، انطلقت تنظيمات إسلامية تنقم على أهل الغرب وعلى الصهاينة
الغلو باسم الدين
مضى زمن، منذ بدأ أهل السنة يشكلون تنظيماتٍ من أجل تحدي أهل الغرب بالقوة، على اعتبار أن أهل الغرب هم سبب مختلف المآسي والأحزان التي يعاني منها العرب والمسلمون. وفي جدلهم ضد الغرب، تصيب التنظيمات السنية الجزء الأكبر من الحقيقة، لأن الغرب هو الذي أقام الكيان الصهيوني، وهو الذي مزّق الأوطان، ويعمل على نهب الثروات، وينصب جبابرة حاقدين استبداديين حكاماً على الشعوب. لكن الأيام شهدت منافسات شديدة بين هذه التنظيمات، أدت إلى مغالاة في الطرح السياسي والأيديولوجي، ورأى كل تنظيم أنه سيكسب الساحة العربية الإسلامية في المزايدات والأعمال التي تزهق النفوس وتهدم البيوت. ولهذا ابتعدت أغلب التنظيمات الإسلامية عن فكرة المقاومة أو الثورة، لتتبنى المغالاة والغلو والقتل والإجرام، فأخذت تسيء للدين الإسلامي وقيمه ومنهجه.
الغلو والكيان الصهيوني
لولا وجود الكيان الصهيوني وعلوه على أنظمة العرب وقدراته العسكرية الهائلة المدعومة من الاستعمار الغربي، لما تطورت كل هذه التنظيمات الإسلامية، ولما اشتدت المنافسات فيما بينها، ولما تطور سلوك همجي أرعن على حساب سلوك المقاومة والثورة. وهذا ما أخذ يميز أهل السنة عن أهل الشيعة، في أن الأخيرين تمسكوا بالعقلية والتفكير العلمي، وفضلوا انتهاج طريق المقاومة، من دون تطرف أو غلو أو معاداة متعمدة لشعوب الأرض من دون تمييز. وإذا كان من بين أهل السنة من فضّل البقاء على طريق الإسلام، فهي المقاومة الفلسطينية في غزة، ومن والاها ودعمها. حتى هذه المقاومة الفلسطينية لم تسلم من عملاء الكيان الصهيوني وأميركا العرب، وهم يعملون على تدميرها الآن، من خلال الحصار المفروض على القطاع.
فإذا أراد العالم أن يتخلص من الإرهاب والإرهابيين، فعليه أن يعالج الأمر من جذوره، وهو الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني. لولا وجود الكيان الصهيوني، لما تطورت كل هذه الحركات والتنظيمات الإسلامية، ولما كانت كل هذه الأحقاد ضد أهل الغرب. يمارس الكيان الصهيوني الإرهاب، ليل نهار، ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب والمسلمين، من خلال الحروب والاغتيالات، وهو يمسك بالوطن الفلسطيني، ويمنع اللاجئين الفلسطينييين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم. فالمطلوب ليس فقط عدم دعم الكيان الصهيوني، وإنما تصحيح الأخطاء التي ارتكبها أهل الغرب بإقامة هذا الكيان. ومن المفروض ألا يحلم أحد بالقضاء على الإرهاب، ما دام الكيان الصهيوني موجوداً، ويمارس انتهاكاته بحق المقدسات الإسلامية.