10 نوفمبر 2024
الدرس الأردني
أسقطت الاحتجاجات الشعبية الأردنية حكومة هاني الملقي، وذهب معها مشروع قانون معدّل لضريبة الدخل، تمّ إقراره بعيداً عن النقابات والقوى المجتمعية والسياسية، وأوقفت قرار رفع أسعار المحروقات، ثم أتت برئيس وزراء معروف بعقيدته الديمقراطية وتوجّهه الإصلاحي، مزوّداً بكتاب تكليفٍ ملكيٍّ غير تقليدي، يتحدّث عن "عقد اجتماعي" جديد.
نجمت هذه التطورات والتحولات المفاجئة عن تحرّك الطبقة الوسطى وجيل الشباب المعولم، وأحدثت مناخاً إيجابياً جديداً، بعدما كانت هنالك حالةٌ من السوداوية وعدم اليقين بالمستقبل تعشعش في المشهد المحلي، نتيجة الشعور بإغلاق أفق الإصلاح، وبسيادة ظواهر سلبية، مثل التنمّر على القانون، والفساد الإداري، وضغوط مالية واقتصادية، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وهروب الاستثمارات.
إذا تجاوزنا الحالة الأردنية، فإنّ الصدى العربي لهذه الحركة الشعبية الشبابية كان مدويّاً، ما يفسّر التحرك السريع لدول الخليج العربي التي عقدت، أول من أمس، قمة رباعية، خصصت لدعم الأردن، بعدما كان الرسميون الأردنيون والشعب يتساءلون، بمرارة خلال الأعوام الماضية، عن أسرار توقف الدعم العربي المعتاد للاقتصاد الأردني وأسبابه.
لكن النتيجة الأكثر أهمية، على الصعيد العربي، تتمثّل في الدرس الأردني الحقيقي بأنّ شروط الربيع العربي وديناميكياته وأسبابه وقيمه التي تولدت معه بالمطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة لم تمت، وبأنّ حالة التيئيس، وشيطنة حق الشعوب والمجتمعات في البحث عن مستقبلٍ أفضل وأشرف والسعي إليه لم تجد، وأنّ ترميم السلطوية العربية بنزعةٍ فاشيةٍ أكثر شدةً لن يجدي، مهما كانت قوة وفعالية الماكينة السياسية والإعلامية والمالية التي تقف وراء الثورة المضادة.
انتظر الشارع الأردني سبعة أعوام بعد انفجار ثورات الربيع العربي، إذ لم يكن الحراك الداخلي المحلي الذي تماهى معها مكتملاً بطبيعته وبحجمه ومستواه. وعندما ظن سياسيون كثيرون أنّ أحداث سورية واليمن وليبيا ألغت مشروع التغيير السلمي الديمقراطي الحضاري، وأن الحروب الأهلية والداعشية والفاشية هي سيدة المشهد، جاءت أحداث الأردن لتبثّ الأمل من جديد لدى المجتمعات، وتؤكد أنّ القيم المشروعة والمطالب الأساسية التي ولدت تلك الاحتجاجات السلمية في البداية، في أغلب الدول العربية، لا تزال فاعلة ومؤثرة، وتنتظر الإشارة للعودة.
وجّه شاب أردني رسالة إلى رئيس الوزراء الجديد، عمر الرزاز، تتمثل بسؤال عبر "السوشال ميديا"، ويتمحور السؤال في ما إذا كان بالفعل هنالك بديل للشباب العربي غير التفكير في الهجرة، فأجاب عليه الرئيس فورا، وطلب منه أن يمحو مشروع الهجرة من باله، ويفكر في بناء المستقبل. وقيمة سؤال هذا الشاب أنّه يختصر ما وصل إليه الشباب الأردني (بل العربي) من حالة الإحباط واليأس، وهي الشرط الذهبي لنجاح مشروع "داعش"، وانهيار المنظومات الأخلاقية المجتمعية.
يعترف رئيس الوزراء الإصلاحي، عمر الرزاز، الذي رفع معنويات الشارع وسقوف توقعاته، بأن الطريق طويلة، وأنه لا يمتلك عصا سحرية في التغيير. وهو نفسه (أي الرزاز) الذي كتب دراسة مهمة في بداية الربيع العربي، بعنوان "الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد"، (حصلت على جائزة أفضل بحث علمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 2012 في الدوحة)، حذر فيها من أن الانتقال إلى الديمقراطية لن يكتمل في ظل اقتصاديات رعوية عربية، واعتبر الإصلاحين الاقتصادي والسياسي المنشودين صنويْن.
بالضرورة هي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، والمسار محفوف بالمخاطر وحقول الألغام، الداخلية والخارجية، واحتمالية الخطأ والوقوع في المنزلقات كبيرة، لكن المهم اليوم أن الطبقة الوسطى عادت إلى تثبيت وجودها وحضورها وإيمانها بضرورة التغيير والإصلاح أولاً، وهي التي من المفترض أن تكون سنداً للتحول المطلوب. وثانياً أنّ الربيع العربي الديمقراطي لم يمت، على الرغم من كل ما سبق. ويمكن أن تضاف إليه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ألغت الديمقراطية من مصطلحات السياسة الخارجية الأميركية، فما حدث في الأردن عاد ليُحدث شرخاً عميقاً في القناعات الرسمية العربية بأنّ لحظة الربيع العربي كانت "غمامة صيفٍ عابرةٍ"، وأن شيطنته نجحت وآتت أكلها.
نجمت هذه التطورات والتحولات المفاجئة عن تحرّك الطبقة الوسطى وجيل الشباب المعولم، وأحدثت مناخاً إيجابياً جديداً، بعدما كانت هنالك حالةٌ من السوداوية وعدم اليقين بالمستقبل تعشعش في المشهد المحلي، نتيجة الشعور بإغلاق أفق الإصلاح، وبسيادة ظواهر سلبية، مثل التنمّر على القانون، والفساد الإداري، وضغوط مالية واقتصادية، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وهروب الاستثمارات.
إذا تجاوزنا الحالة الأردنية، فإنّ الصدى العربي لهذه الحركة الشعبية الشبابية كان مدويّاً، ما يفسّر التحرك السريع لدول الخليج العربي التي عقدت، أول من أمس، قمة رباعية، خصصت لدعم الأردن، بعدما كان الرسميون الأردنيون والشعب يتساءلون، بمرارة خلال الأعوام الماضية، عن أسرار توقف الدعم العربي المعتاد للاقتصاد الأردني وأسبابه.
لكن النتيجة الأكثر أهمية، على الصعيد العربي، تتمثّل في الدرس الأردني الحقيقي بأنّ شروط الربيع العربي وديناميكياته وأسبابه وقيمه التي تولدت معه بالمطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة لم تمت، وبأنّ حالة التيئيس، وشيطنة حق الشعوب والمجتمعات في البحث عن مستقبلٍ أفضل وأشرف والسعي إليه لم تجد، وأنّ ترميم السلطوية العربية بنزعةٍ فاشيةٍ أكثر شدةً لن يجدي، مهما كانت قوة وفعالية الماكينة السياسية والإعلامية والمالية التي تقف وراء الثورة المضادة.
انتظر الشارع الأردني سبعة أعوام بعد انفجار ثورات الربيع العربي، إذ لم يكن الحراك الداخلي المحلي الذي تماهى معها مكتملاً بطبيعته وبحجمه ومستواه. وعندما ظن سياسيون كثيرون أنّ أحداث سورية واليمن وليبيا ألغت مشروع التغيير السلمي الديمقراطي الحضاري، وأن الحروب الأهلية والداعشية والفاشية هي سيدة المشهد، جاءت أحداث الأردن لتبثّ الأمل من جديد لدى المجتمعات، وتؤكد أنّ القيم المشروعة والمطالب الأساسية التي ولدت تلك الاحتجاجات السلمية في البداية، في أغلب الدول العربية، لا تزال فاعلة ومؤثرة، وتنتظر الإشارة للعودة.
وجّه شاب أردني رسالة إلى رئيس الوزراء الجديد، عمر الرزاز، تتمثل بسؤال عبر "السوشال ميديا"، ويتمحور السؤال في ما إذا كان بالفعل هنالك بديل للشباب العربي غير التفكير في الهجرة، فأجاب عليه الرئيس فورا، وطلب منه أن يمحو مشروع الهجرة من باله، ويفكر في بناء المستقبل. وقيمة سؤال هذا الشاب أنّه يختصر ما وصل إليه الشباب الأردني (بل العربي) من حالة الإحباط واليأس، وهي الشرط الذهبي لنجاح مشروع "داعش"، وانهيار المنظومات الأخلاقية المجتمعية.
يعترف رئيس الوزراء الإصلاحي، عمر الرزاز، الذي رفع معنويات الشارع وسقوف توقعاته، بأن الطريق طويلة، وأنه لا يمتلك عصا سحرية في التغيير. وهو نفسه (أي الرزاز) الذي كتب دراسة مهمة في بداية الربيع العربي، بعنوان "الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد"، (حصلت على جائزة أفضل بحث علمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 2012 في الدوحة)، حذر فيها من أن الانتقال إلى الديمقراطية لن يكتمل في ظل اقتصاديات رعوية عربية، واعتبر الإصلاحين الاقتصادي والسياسي المنشودين صنويْن.
بالضرورة هي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، والمسار محفوف بالمخاطر وحقول الألغام، الداخلية والخارجية، واحتمالية الخطأ والوقوع في المنزلقات كبيرة، لكن المهم اليوم أن الطبقة الوسطى عادت إلى تثبيت وجودها وحضورها وإيمانها بضرورة التغيير والإصلاح أولاً، وهي التي من المفترض أن تكون سنداً للتحول المطلوب. وثانياً أنّ الربيع العربي الديمقراطي لم يمت، على الرغم من كل ما سبق. ويمكن أن تضاف إليه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي ألغت الديمقراطية من مصطلحات السياسة الخارجية الأميركية، فما حدث في الأردن عاد ليُحدث شرخاً عميقاً في القناعات الرسمية العربية بأنّ لحظة الربيع العربي كانت "غمامة صيفٍ عابرةٍ"، وأن شيطنته نجحت وآتت أكلها.