10 نوفمبر 2024
إلى متى سيصمد الرفض الأردني؟
لا يوجد موضوعٌ اليوم في النقاشات السياسية والندوات والمؤتمرات وجلسات العصف الفكري، والتي تنشط بها مراكز الدراسات والتفكير والصالونات السياسية المتعددة، في عمّان، إلاّ موضوع صفقة القرن، وتأثيره على الأردن وفلسطين والخيارات المتاحة أمام صانع القرار الأردني، والفلسطيني، أمامه. وأحد أبرز الأسئلة المسكوت عنها في الإعلام، لكنّه حاضر بقوة في جلسات العصف الفكري والصالونات: إلى أي مدى يمكن أن يصمد الرفض الأردني لصفقة القرن، ولاءات الملك الثلاث التي أصبحت عنواناً للموقف الرسمي (رفض التوطين للاجئين، رفض الوطن البديل، والتنازل عن القدس بوصفها عاصمة للدولة الفلسطينية)؟
الأحاديث في عمّان ساخنة جداً، لأنّ الصفقة المزعومة تمسّ الأمن الوطني الأردني، بأبعاده المختلفة، سواء على صعيد الهوية الوطنية الأردنية، والمعادلة السكانية الحسّاسة، أم على صعيد الهوية الفلسطينية والعلاقة الأردنية الفلسطينية بشقها الإقليمي (مخاوف الوطن البديل)، والدور التاريخي والسياسي للهاشميين.
ثمّة أكثر من تيار وسط النخب الأردنية، وهنالك درجة من التوافق الكبير على أنّ المعركة الحقيقية مع الإدارة الأميركية ستتمثل غداة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما إذا بقي الرئيس الحالي، دونالد ترامب، وأصرّ على تمرير الصفقة، واصطدمت الأجندة الأردنية بالأميركية. أو في حال حدثت مفاجأة كبيرة وخسر الانتخابات، وحينها يرجّح كثيرون تراجع زخم الوثيقة
الأميركية التي لا تحظى بإجماع المؤسسات الأميركية، وسيتخلص الأردن من "كابوس مزعج"!
مع ذلك، فإنّ خيار بقاء ترامب باق بقوة، فضلاً أنّ لعامل الوقت الذي يجيده السياسيون الأردنيون في محاولة مماطلة تنفيذ الصفقة حدّا آخر، يتمثل في أنّ سيناريو الأمر الواقع هو الأسوأ. وبالتالي، يمكن أن يستند الجانب الإسرائيلي إلى الصفقة للمضي في ضم غور الأردن، وإحداث تغييرات جوهرية، ما يؤدي عملياً إلى تطبيق بنود الصفقة واقعياً، من دون الحاجة إلى انتظار الموافقة الفلسطينية، فضلاً عن الأردنية.
هنالك سؤالان متواريان، في ظنّي، يتفرعان عن السؤال السابق (إلى متى يصمد الأردن؟). الأول: ما هي خطة الأردن لـ "التكيّف" مع رفض صفقة القرن، خصوصا في حال بدأت الضغوط الأميركية تزداد، وأظهرت الإدارة الحالية تعنتاً وتشدّداً تجاه الأردن؟ وهو أمر يرصده وزير الخارجية الأردنية، الأسبق، مروان المعشّر، الذي يرى أنّ العلاقات الأردنية - الأميركية على صعيد القيادة تمرّ في أسوأ حالاتها منذ ثلاثين عاماً (حرب الخليج 1991)، ويلفت إلى أنّ الملك عبد الله الثاني لم يلتق ترامب خلال العامين الأخيرين، على الرغم من زياراته المتكرّرة الولايات المتحدة. السؤال الثاني: ما هو التصوّر الأردني العملي في الدفاع عن
مصالحه الحيوية في مواجهة سيناريو الأمر الواقع (الذي استندت إليه صفقة القرن، وينتهي إلى إلغاء حقيقي للدولة الفلسطينية ذات السيادة)؟
يقتضي الجواب على هذا السؤال الخروج من إطار الرؤية التقليدية التي ما تزال تحكم نخبا سياسية أردنية عديدة، والتفكير فيما بعد الإعلان عن الصفقة بوصفه مرحلة جديدة، تتطلب جدّية في الحلول والأفكار والبرامج، وتطبيقها على أرض الواقع، جزء من الجواب مرتبط بالديبلوماسية الأردنية، وجزء آخر مرتبط بالمعادلة الداخلية الوطنية.
ما يتعلّق بالديبلوماسية، هنالك طروحات عن تنشيط الديبلوماسية في التأثير على النخب السياسية الأميركية، خصوصا في المؤسسات التي ما تزال علاقتها بالأردن قوية، وترى الأردن دولة مهمةً وصديقةً في المنطقة، وكذلك الأمر مع الأوروبيين الذين لم يعلنوا تأييد الصفقة، ومع الإطار العربي والإسلامي لتصليب موقفه وتفعيله. مع ذلك، ما يزال هنالك شكّ مشروع وقوي في مدى فاعلية هذا النوع مع إدارة ترامب، ومع اليمين الإسرائيلي الذي لا يجد جدرانا حقيقية تحول دون تحقيق رؤيته، والمضي بخطوات أحادية الجانب. ويطرح آخرون جوانب غير تقليدية، منها ضرورة البحث عن شركاء وحلفاء لممانعة المشروع الأميركي - الإسرائيلي، من
خلال استراتيجية تنويع الخيارات الديبلوماسية، بمعنى البحث عن الشراكة مع قوى إقليمية، مثل إيران أو تركيا أو حتى روسيا، لكن مثل هذا الخيار يبدو ضمن حسابات مطبخ القرار والنخب السياسية عموماً غير مطروح، وبلا أفق واقعي.
في الاتجاه نفسه، غير التقليدي، يطرح سياسيون ضرورة تطوير عملية التنسيق والتعاون والتفكير مع السلطة الفلسطينية في إعادة قراءة الواقع الحالي الفلسطيني، وطرح سيناريوهات تؤثر جذرياً على نظرية الأمن الإسرائيلي، وتشكك في جدواها، منها تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بالتنسيق الأمني، وطرح سيناريوهات المقاومة السلمية على الطاولة، وهو خيارٌ يعني تغييراً جذرياً في حسابات الفلسطينيين أولاً، والأردنيين ثانياً.
ويتعلق الشق الثاني بالمعادلة الداخلية الأردنية، إذ تمسّ صفقة القرن السيناريو المقلق في هذه المعادلة، فعلى المدى المتوسط (وليس البعيد) إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رسمياً، ينعكس على العلاقات الأردنية الداخلية والمعادلة التقليدية (الأردنيون من أصول أردنية وفلسطينية)، وكذلك على قرابة مليون فلسطيني موجودين في الأردن، ولا يمتلكون الهويات الوطنية الأردنية، كيف يتم التعامل معهم واقعياً؟
على صعيد المشهد السياسي، يطرح بعضهم سيناريو الحكومة اليمينية الأردنية، بوصفها موقفاً واضحاً ضد محاولات الوطن البديل، ويحذّر حالياً من التلاعب بقانون الانتخاب، ويرى أنّ في ذلك رسالة طمأنة للداخل، وتأكيدا على الرفض للخارج. على النقيض من ذلك، يُطرح خيار الحل السياسي الديمقراطي لتمتين الجبهة الداخلية وتقويتها وتطويرها، لتكون المؤسسات السياسية الرسمية، وغير الرسمية، قادرة على الوقوف والتعبير عن المصالح الوطنية، وتمكّن النظام من مواجهة أي ضغوط محتملة، وتسنده بجبهة صلبة في الداخل.
في المحصلة، من الواضح أن تبعات صفقة القرن بدأت تفرض نفسها بقوة كبيرة على تفكير صانع القرار والنخب السياسية، وتحتل النقاش الوطني العام، وهي بالضرورة تحمل، في طياتها، إعادة تفكير تتجاوز الأطر التقليدية، وتنبئ بأن الأردن بات على مفترق طرق جديدٍ وتحد كبير.
ثمّة أكثر من تيار وسط النخب الأردنية، وهنالك درجة من التوافق الكبير على أنّ المعركة الحقيقية مع الإدارة الأميركية ستتمثل غداة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما إذا بقي الرئيس الحالي، دونالد ترامب، وأصرّ على تمرير الصفقة، واصطدمت الأجندة الأردنية بالأميركية. أو في حال حدثت مفاجأة كبيرة وخسر الانتخابات، وحينها يرجّح كثيرون تراجع زخم الوثيقة
مع ذلك، فإنّ خيار بقاء ترامب باق بقوة، فضلاً أنّ لعامل الوقت الذي يجيده السياسيون الأردنيون في محاولة مماطلة تنفيذ الصفقة حدّا آخر، يتمثل في أنّ سيناريو الأمر الواقع هو الأسوأ. وبالتالي، يمكن أن يستند الجانب الإسرائيلي إلى الصفقة للمضي في ضم غور الأردن، وإحداث تغييرات جوهرية، ما يؤدي عملياً إلى تطبيق بنود الصفقة واقعياً، من دون الحاجة إلى انتظار الموافقة الفلسطينية، فضلاً عن الأردنية.
هنالك سؤالان متواريان، في ظنّي، يتفرعان عن السؤال السابق (إلى متى يصمد الأردن؟). الأول: ما هي خطة الأردن لـ "التكيّف" مع رفض صفقة القرن، خصوصا في حال بدأت الضغوط الأميركية تزداد، وأظهرت الإدارة الحالية تعنتاً وتشدّداً تجاه الأردن؟ وهو أمر يرصده وزير الخارجية الأردنية، الأسبق، مروان المعشّر، الذي يرى أنّ العلاقات الأردنية - الأميركية على صعيد القيادة تمرّ في أسوأ حالاتها منذ ثلاثين عاماً (حرب الخليج 1991)، ويلفت إلى أنّ الملك عبد الله الثاني لم يلتق ترامب خلال العامين الأخيرين، على الرغم من زياراته المتكرّرة الولايات المتحدة. السؤال الثاني: ما هو التصوّر الأردني العملي في الدفاع عن
يقتضي الجواب على هذا السؤال الخروج من إطار الرؤية التقليدية التي ما تزال تحكم نخبا سياسية أردنية عديدة، والتفكير فيما بعد الإعلان عن الصفقة بوصفه مرحلة جديدة، تتطلب جدّية في الحلول والأفكار والبرامج، وتطبيقها على أرض الواقع، جزء من الجواب مرتبط بالديبلوماسية الأردنية، وجزء آخر مرتبط بالمعادلة الداخلية الوطنية.
ما يتعلّق بالديبلوماسية، هنالك طروحات عن تنشيط الديبلوماسية في التأثير على النخب السياسية الأميركية، خصوصا في المؤسسات التي ما تزال علاقتها بالأردن قوية، وترى الأردن دولة مهمةً وصديقةً في المنطقة، وكذلك الأمر مع الأوروبيين الذين لم يعلنوا تأييد الصفقة، ومع الإطار العربي والإسلامي لتصليب موقفه وتفعيله. مع ذلك، ما يزال هنالك شكّ مشروع وقوي في مدى فاعلية هذا النوع مع إدارة ترامب، ومع اليمين الإسرائيلي الذي لا يجد جدرانا حقيقية تحول دون تحقيق رؤيته، والمضي بخطوات أحادية الجانب. ويطرح آخرون جوانب غير تقليدية، منها ضرورة البحث عن شركاء وحلفاء لممانعة المشروع الأميركي - الإسرائيلي، من
في الاتجاه نفسه، غير التقليدي، يطرح سياسيون ضرورة تطوير عملية التنسيق والتعاون والتفكير مع السلطة الفلسطينية في إعادة قراءة الواقع الحالي الفلسطيني، وطرح سيناريوهات تؤثر جذرياً على نظرية الأمن الإسرائيلي، وتشكك في جدواها، منها تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بالتنسيق الأمني، وطرح سيناريوهات المقاومة السلمية على الطاولة، وهو خيارٌ يعني تغييراً جذرياً في حسابات الفلسطينيين أولاً، والأردنيين ثانياً.
ويتعلق الشق الثاني بالمعادلة الداخلية الأردنية، إذ تمسّ صفقة القرن السيناريو المقلق في هذه المعادلة، فعلى المدى المتوسط (وليس البعيد) إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رسمياً، ينعكس على العلاقات الأردنية الداخلية والمعادلة التقليدية (الأردنيون من أصول أردنية وفلسطينية)، وكذلك على قرابة مليون فلسطيني موجودين في الأردن، ولا يمتلكون الهويات الوطنية الأردنية، كيف يتم التعامل معهم واقعياً؟
على صعيد المشهد السياسي، يطرح بعضهم سيناريو الحكومة اليمينية الأردنية، بوصفها موقفاً واضحاً ضد محاولات الوطن البديل، ويحذّر حالياً من التلاعب بقانون الانتخاب، ويرى أنّ في ذلك رسالة طمأنة للداخل، وتأكيدا على الرفض للخارج. على النقيض من ذلك، يُطرح خيار الحل السياسي الديمقراطي لتمتين الجبهة الداخلية وتقويتها وتطويرها، لتكون المؤسسات السياسية الرسمية، وغير الرسمية، قادرة على الوقوف والتعبير عن المصالح الوطنية، وتمكّن النظام من مواجهة أي ضغوط محتملة، وتسنده بجبهة صلبة في الداخل.
في المحصلة، من الواضح أن تبعات صفقة القرن بدأت تفرض نفسها بقوة كبيرة على تفكير صانع القرار والنخب السياسية، وتحتل النقاش الوطني العام، وهي بالضرورة تحمل، في طياتها، إعادة تفكير تتجاوز الأطر التقليدية، وتنبئ بأن الأردن بات على مفترق طرق جديدٍ وتحد كبير.