بعد مرور أربعين عاماً على يوم الأرض، الذي تحوّل، فعلاً، إلى حدثٍ مكوِّن في تاريخ فلسطينيي الداخل وفي صياغة روايتهم وخطابهم الوطني، ومرور 68 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني؛ لا تزال المؤسسة الصهيونية والدولة العبرية بجيشها واقتصادها وجميع مؤسساتها الضخمة تكثف الصراع إلى آخر دونم، أو شبر أرض إذا شئتم، بغية أخذه من العرب ونقله لملكية الدولة، أي في عرفهم ملكية الشعب اليهودي.
وتكتشف كم هي صادقة "نهفة" الكهل الفلسطيني الذي قال بلهجته الفلسطينية: "إحنا ما في أي مشكلة بيننا وبين أولاد عمنا (اليهود) بس لولا شوية هالأرضايات".
نعم المؤسسة الصهيونية تهتم، يومياً، بتذكيرنا أن هذا هو جوهر الموضوع: الأرض. لا المواطنة ولا الحقوق ولا حتى "الخدمة في الجيش" والقيام بـ"الواجبات" المزعومة تنقذ أرض العربي. وهذه القرى العربية الدرزية أفضل دليل على ذلك فقد صودرت أراضيها كمثيلاتها من القرى العربية الأخرى، بل وأكثر أحياناً، رغم أن أبناء الطائفة "يخدمون" في جيش الاحتلال إضطراراً بناء على "قانون الخدمة العسكرية الإجبارية" على الدروز.
وقد تحوَّل الشعار الاستعماري الاستيطاني من "أكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من العرب" الذي كان القاعدة الأيديولوجية للصهيونية في تنفيذ التطهير العرقي عام 1948 إلى شعار "أكثر ما يمكن من العرب على أقل ما يمكن من الأرض" وربما يكون هذا الشعار مؤقتا وواقعيا من باب اللياقة السياسية ولكنه لا يعني تخلّي إسرائيل والحركة الصهيونية عن مشروع الترانسفير، وكل قبول لأي معادلة مصالحة، نظرياً، مع الفلسطينيين لا يعني بالضرورة، من وجهة نظر إسرائيل، تقاسم الأرض سواء من حيث الملكية والاستخدام أو من حيث السيطرة.
داخل الخط الأخضر بقي في ملكية العرب الذين يشكلون أكثر من 18٪ من السكان أقل من 3٪ من الأرض، ومع ذلك فلا تتوانى المؤسسة الصهيونية عن ملاحقة العرب لمصادرة ونقل ملكية شبرٍ ممكنٍ مستخدمة قوتها السلطوية عبر فرض القوانين العنصرية واستخدام كافة أساليب الحكم الاستعمارية المعروفة لنزع الأرض من السكان الأصليين.
وفي السنوات الأخيرة توجِّه إسرائيل هذه السياسة نحو منطقة النقب حيث يعيش أكثر من 200 ألف عربي فلسطيني من البدو الذين يملكون ما يقارب المليون دونم يعيشون عليها وتنوي إسرائيل سلب معظمها وتركيز أصحابها في مجمعات تطهير عرقي من نوع جديد، وإقامة مستوطنات يهودية على أراضيهم بعدما رفضت المحاكم الإسرائيلية دعاواهم، مجيزة للسلطة التنفيذية المضي في مخططاتها.
وهذا يعني أننا أمام معارك وأيام أرض جديدة، وأننا، ومهما تنوَّعت وتشعَّبت قضايا التمييز والإقصاء التي نواجهها في دولة تعتبر نفسها يهودية، فإن جوهر الصراع والمواجهة يبقى على الأرض. إنها تمثِّل الوجود الفلسطيني الذي لا يخضع لمعادلات القوة، بل ويزداد حضوره قوة مع الزمن ويشكل التحدي الأكبر للمشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين.
(قيادي فلسطيني في "التجمع الوطني الديمقراطي"/ الرامة)