10 نوفمبر 2024
أميركا و"السعودية الجديدة" وإيران
لم تؤدِّ قمة كامب ديفيد (الأميركية - الخليجية)، في نهاية الأسبوع الماضي، إلى تجسير الفجوة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، أو الحدّ من "شكوك" السعودية تجاه إدارة الرئيس باراك أوباما، بقدر ما أنّ هذه القمّة أكّدتها ورسّختها، بوصفها أمراً معترفاً به.
الإعلان عن غياب العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، عشية القمّة، ليس فقط رسالة غاضبة، كما حلّلت صحيفة واشنطن بوست، بل هو إدراك مبكّر ومسبق ذكي لما يمكن أن يترتب على هذه القمّة من نتائج متواضعة غير مقنعة للخليجيين، وأنّ ما يمكن أن يقدّمه الرئيس أوباما من "تطمينات" أو "ضمانات" لن يمسّ الانزعاج والقلق العربي من مقاربته تجاه المنطقة، وإيران خصوصاً.
هذه القناعة السعودية بمثابة "نقطة تحول" رئيسة في السياسات السعودية، تتجاوز "حالة الإنكار"، لدى "القيادات الخليجية" تجاه مقاربة الرئيس أوباما التي تستبطن الوصول إلى تفاهمات إقليمية مع إيران، ما يعني القبول بها "قوّة إقليمية"، والإقرار بنفوذها في دول المنطقة (كالعراق وسورية ولبنان واليمن).
لم يأت التحوّل في السياسة الخارجية الأميركية من فراغ، فمن المعروف أنّ هنالك نقاشات وحوارات موسّعة جرت في واشنطن غداة "11 سبتمبر"، وأنّ هنالك تياراً أكاديمياً وسياسياً كان يناقش بعمق العلاقات الأميركية - الإيرانية، ويرى في السعودية عبر التيار السلفي (مع الترويج في هذه الأوساط أنّ القاعدة امتداد لهذا التيار) مصدراً رئيساً لتهديد المصالح الغربية ولعداء الولايات المتحدة الأميركية.
لم تختف تلك النقاشات، كما توّهم بعضهم، بل عادت إلى الظهور والهيمنة على مقاربة الرئيس أوباما، وإن لم يعلن ذلك صراحةً، بعد صعود تنظيم داعش في العراق وسورية. ومن يعيد قراءة التصريحات التي نسبها صحافيون كبار للقاءات خاصة بأوباما، مثل توماس فريدمان وجيفري غولد بيرغ، لا تخالجه الشكوك بأنّ الإدارة الأميركية فكّت فعلياً ارتباطها بالسعودية تحديداً، وأنّ الصفقة المرتقبة مع إيران أحد العناوين المهمة في المراجعات الأميركية الجوهرية تجاه المنطقة.
يرسّم أحد أبرز الخبراء في الشأن الإيراني في مؤسسة كارنيجي، كريم ساجدابور، بعض نتائج هذا المخاض في مراجعات البيت الأبيض ومراكز التفكير في واشنطن، بالقول "هنالك إدراك جديد ينمو في البيت الأبيض أنّ الولايات المتحدة والسعودية أصدقاء، لكنهما ليسا حلفاء، بينما الولايات المتحدة وإيران حلفاء، لكنهما ليسا أصدقاء"!
لا يعني ذلك، بالضرورة، أنّ العلاقة بين الرياض وواشنطن انقلبت إلى العداء، إنّما أصبحت أكثر تعقيداً، ومرتبطة بدرجة أكبر برؤية كل طرف لمصالحه ولأمنه، ولموازين القوى في المنطقة، وهو ما كانت السعودية، ومعها الدول العربية، تخشى الإقرار به، أو التعامل معه، والعمل باستقلال عن السياسات الأميركية، لكنّ هذه الدول وجدت نفسها، اليوم، أمام تقارب إيراني - أميركي، في ظل فراغ استراتيجي عربي.
نجم عن الإدراك السعودي الجديد الذي ارتبط مع تغير الحكم ونخبة القرار هناك تحوّل على درجة كبيرة من الأهمية، تمثّل بتغيير المقاربة السعودية تجاه العراق وسورية واليمن، والدخول في عملية "عاصفة الحزم"، ثم "إعادة الأمل"، ونقل هذه العملية، في مواجهة النفوذ الإيراني، إلى سورية عبر التعاون مع تركيا وقطر، ما أدّى إلى نتائج مهمة في إدلب والمناطق الشمالية.
لم تؤكّد قمّة كامب ديفيد التحولات مع واشنطن فقط، بل رسّخت القناعة السعودية بوجود "شقوق" كبيرة في علاقتها مع أصدقائها في التحالف العربي المحافظ، ما بدا واضحاً في "عاصفة الحزم"، ثم في قمّة كامب ديفيد لاحقاً.
بالنتيجة؛ التحولات التي تحدث حالياً على قدر كبير من الأهمية، وتخلق تحالفاً إقليمياً جديداً لمواجهة النفوذ الإيراني يتشكل من السعودية وتركيا وقطر، بعد أن كان "المعسكر المحافظ" ينظر إلى ما يصفه بـ "المحور التركي - القطري - الإخواني" بأنّه مصدر التهديد الأول للأمن القومي العربي، ويأخذ موقفاً حاسماً من الثورات الشعبية العربية، فإنّ التحولات السعودية الجديدة ستؤدي، بالضرورة، إلى نتائج أخرى، منها إعادة تقييم السياسات الحالية تجاه حركات الإسلام السياسي، وهو ما بدأ فعلياً في اليمن وسورية، وربما ليبيا لاحقاً.
تتغير المقاربة الخارجية السعودية بصورة مستمرة، وتأخذ أبعاداً جديدة في الملفات المختلفة في المنطقة، وتقترب من تركيا وقطر، فيما يبدو موقف حلفائها التقليديين (الأردن، الإمارات، ومصر) متأرجحاً بين الحرص على عدم بروز الفجوة مع الرياض من جهة وعدم الشعور بالرضا عن التحولات الأخيرة للحكم الجديد من جهة أخرى.
هذه القناعة السعودية بمثابة "نقطة تحول" رئيسة في السياسات السعودية، تتجاوز "حالة الإنكار"، لدى "القيادات الخليجية" تجاه مقاربة الرئيس أوباما التي تستبطن الوصول إلى تفاهمات إقليمية مع إيران، ما يعني القبول بها "قوّة إقليمية"، والإقرار بنفوذها في دول المنطقة (كالعراق وسورية ولبنان واليمن).
لم يأت التحوّل في السياسة الخارجية الأميركية من فراغ، فمن المعروف أنّ هنالك نقاشات وحوارات موسّعة جرت في واشنطن غداة "11 سبتمبر"، وأنّ هنالك تياراً أكاديمياً وسياسياً كان يناقش بعمق العلاقات الأميركية - الإيرانية، ويرى في السعودية عبر التيار السلفي (مع الترويج في هذه الأوساط أنّ القاعدة امتداد لهذا التيار) مصدراً رئيساً لتهديد المصالح الغربية ولعداء الولايات المتحدة الأميركية.
يرسّم أحد أبرز الخبراء في الشأن الإيراني في مؤسسة كارنيجي، كريم ساجدابور، بعض نتائج هذا المخاض في مراجعات البيت الأبيض ومراكز التفكير في واشنطن، بالقول "هنالك إدراك جديد ينمو في البيت الأبيض أنّ الولايات المتحدة والسعودية أصدقاء، لكنهما ليسا حلفاء، بينما الولايات المتحدة وإيران حلفاء، لكنهما ليسا أصدقاء"!
لا يعني ذلك، بالضرورة، أنّ العلاقة بين الرياض وواشنطن انقلبت إلى العداء، إنّما أصبحت أكثر تعقيداً، ومرتبطة بدرجة أكبر برؤية كل طرف لمصالحه ولأمنه، ولموازين القوى في المنطقة، وهو ما كانت السعودية، ومعها الدول العربية، تخشى الإقرار به، أو التعامل معه، والعمل باستقلال عن السياسات الأميركية، لكنّ هذه الدول وجدت نفسها، اليوم، أمام تقارب إيراني - أميركي، في ظل فراغ استراتيجي عربي.
نجم عن الإدراك السعودي الجديد الذي ارتبط مع تغير الحكم ونخبة القرار هناك تحوّل على درجة كبيرة من الأهمية، تمثّل بتغيير المقاربة السعودية تجاه العراق وسورية واليمن، والدخول في عملية "عاصفة الحزم"، ثم "إعادة الأمل"، ونقل هذه العملية، في مواجهة النفوذ الإيراني، إلى سورية عبر التعاون مع تركيا وقطر، ما أدّى إلى نتائج مهمة في إدلب والمناطق الشمالية.
لم تؤكّد قمّة كامب ديفيد التحولات مع واشنطن فقط، بل رسّخت القناعة السعودية بوجود "شقوق" كبيرة في علاقتها مع أصدقائها في التحالف العربي المحافظ، ما بدا واضحاً في "عاصفة الحزم"، ثم في قمّة كامب ديفيد لاحقاً.
بالنتيجة؛ التحولات التي تحدث حالياً على قدر كبير من الأهمية، وتخلق تحالفاً إقليمياً جديداً لمواجهة النفوذ الإيراني يتشكل من السعودية وتركيا وقطر، بعد أن كان "المعسكر المحافظ" ينظر إلى ما يصفه بـ "المحور التركي - القطري - الإخواني" بأنّه مصدر التهديد الأول للأمن القومي العربي، ويأخذ موقفاً حاسماً من الثورات الشعبية العربية، فإنّ التحولات السعودية الجديدة ستؤدي، بالضرورة، إلى نتائج أخرى، منها إعادة تقييم السياسات الحالية تجاه حركات الإسلام السياسي، وهو ما بدأ فعلياً في اليمن وسورية، وربما ليبيا لاحقاً.
تتغير المقاربة الخارجية السعودية بصورة مستمرة، وتأخذ أبعاداً جديدة في الملفات المختلفة في المنطقة، وتقترب من تركيا وقطر، فيما يبدو موقف حلفائها التقليديين (الأردن، الإمارات، ومصر) متأرجحاً بين الحرص على عدم بروز الفجوة مع الرياض من جهة وعدم الشعور بالرضا عن التحولات الأخيرة للحكم الجديد من جهة أخرى.