"فخ" إعادة إعمار غزة

19 أكتوبر 2014
+ الخط -

تصوروا معي هذا السيناريو: إسرائيل تسمح ببدء إعادة إعمار قطاع غزة، ويبدأ تدفّق البضائع، وفي مقدمتها مواد البناء، ثم تزعم (من جانب واحد) أن صاروخاً أطلق من غزة، وسقط في صحراء النقب، (على الرغم من عدم وجود أي تأكيد فلسطيني). وعليه، تعلن عن إغلاق معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لغزة، وتمنع المراقبين الدوليين من الوصول إلى القطاع.

وإذا افترضنا أن إسرائيل ستسمح لعمال من غزة بالعمل داخل إسرائيل، (حسبما أُعلن أخيراً)، فإنها ستعلن، كذلك، عن سحب تصاريحهم، ومنعهم من العمل. وعلى إثر ذلك، تصاب غزة بحالة شلل شبه كاملة، فمادة الإسمنت، وحدها، تتوقف عليها أكثر من ثلاثين مهنة، تشغّل عشرات آلاف العمال.

ليس هذا السيناريو مستبعدا أبدا، فحينما وافقت إسرائيل على اتفاقية "معبر رفح"، عام 2005، اشترطت أن يقيم المراقبون الدوليون، المكلفون بمراقبة العمل فيه، في مدينة عسقلان (الإسرائيلية). وبهذا تمكنت من إحكام سيطرتها الكاملة على المعبر (على الرغم من عدم وجودها هناك)، فكانت كلما أرادت إغلاقه تكتفي بمنع المراقبين من التوجه إلى قطاع غزة، فتغلقه السلطات المصرية، حسبما تنص بنود الاتفاقية.

وها هو التاريخ يعيد نفسه، فخطة الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة تنص على إدخال مواد البناء، والبضائع، من خلال المعابر الإسرائيلية، مع وجود مراقبين دوليين في غزة، (لا أستبعد أن يقيموا في مدينة عسقلان). هذا يعني التالي: إذا أرادت إسرائيل شل حركة الحياة في غزة (لأي سبب)، فإنها، بكل بساطة، ستغلق المعبر التجاري، أو تمنع المراقبين من دخول غزة.

هذا الوضع المعقد والشائك، وإن شئنا القول (الفخ)، سيدفع فصائل المقاومة، للتفكير، ألف مرة، قبل تنفيذ أي عملية عسكرية انطلاقا من غزة، حتى لا يؤثر ذلك على حياة السكان. والمعروف أن العمل المقاوم المسلح متوقف منذ فترة طويلة في الضفة الغربية، ومن الواضح أن الظروف هناك لا تسمح باستئنافه.

وعليه، من يخططون لنا (دوائر صنع القرار في واشنطن وتل أبيب) يكونون قد نجحوا في تحقيق معادلة (الهدوء مقابل بعض الإعمار)، وليس (الهدوء مقابل الاستقلال والدولة الفلسطينية المستقلة). ولهذا السبب، سيخططون لأن تكون عملية إعادة الإعمار، بطيئة للغاية، من خلال آلية إدخال الإسمنت الأممية، حتى يتمكنوا من "ترويض" النمر الغزي، لأطول فترة ممكنة؛ وفي هذا المجال، كان ماهر الطبّاع، الخبير الاقتصادي والمسؤول في الغرفة التجارية في غزة، قد كتب في مقال بعنوان:" كوبونة الأسمنت لا تعمّر غزة"، أنه" في حال تم تطبيق آلية الرقابة العقيمة على دخول مواد البناء سوف يحتاج قطاع غزة إلى 20 عاماً لإعادة إعماره، وهذا ما صرحت به الشركة الدولية، شيلتر كلاستر، بعد تقييمها الذي استند إلى قدرة معبر كرم أبو سالم في التعامل مع مائة شاحنة من مواد البناء يوميا".

وحينما يحقق الأميركان والإسرائيليون هذا الهدف (ترويض غزة)، سيتجهون إلى تحقيق الهدف الآخر، والأهم، وهو "نزع سلاح" الفصائل، وخصوصاً حركتي "حماس، والجهاد الإسلامي"؛ ومن حقنا، هنا، أن نخشى من وجود مخطط، لإحداث اقتتال فلسطيني داخلي، كما حدث في عام 2007.

إعمار قطاع غزة، هو حق، وليس منّة من أحد، ولا يجب أن يستخدم أداة لابتزاز سكان القطاع، وعلى الغزيين وفصائلهم، وقواهم الحية، أن ترفض ما يجري، فمن الجنون القبول بهذا المخطط القذر الذي يرهن حياة الإنسان وكرامته، لتحقيق أهداف سياسية خسيسة.

والأهم من هذا كله، أن تدرك القيادات الفلسطينية أن معركتنا الأساسية ليست معركة "فتح معابر، وتخفيف الحصار، ومنح تصاريح عمال"، (على الرغم من أهمية ذلك) بل هي معركة تحرر وطني من نير الظلم والقهر، وعلى الجميع أن يتخندق خلف هذا الهدف.

لقد طال ليل الاحتلال، وآن لشمس الحرية أن تشرق.

EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة