لم تحرمنا "نكبة 48" من بيوتنا وقرانا فقط، بل من الحكايات التي رويت في الحوش الذي يجمع بيوتاً متراصة، ترويها راوية بارعة بذاكرة قوية تحفظها أمّاً عن جدّة
لاحقاً تعرّفتُ أكثر على هرتسل وبلفور وأتباعهما، وفهمت أن هذه الأسماء ليست فقط أسماء شوارع الحي الذي سكنته في طفولتي، إنما هي أسماء كلّ مَن كان السبب في كل المصائب والنكبات والنكسات في بلادي.
كنّا نجلس على الأسوار المحيطة بساحة الفرح أو قرب الشبابيك المطلّة على غرفة الصالون، لنستمتع بمراقبة الحدث ولنسمع أغاني ونراقب تصرفات الكبار المضحكة في كثير من الأحيان، لنقلّدها لاحقاً.
تعمّقت أكثر في السعي إلى بلورة هويّتنا الفلسطينية الحديثة، تلك التي تتميّز عن غيرها من الهويّات بأنّها تبلورت، جزئياً، من خلال نصوص أدبية وحكايات شعبية، في ظلّ غياب الاستقلال الذاتي، في أيّ من أماكن تواجد الفلسطينيين في فلسطين والشتات.
بعد عشر سنوات قد أُقابل أحدهما على حاجز قلنديا في مدخل رام الله كجندي في الجيش الأكثر إنسانية في العالم! وسألعن أفعالهم، لكن اليوم لم أستطِع إلّا أن أتصرّف بإنسانية مع طفلين تائهين
بعد حرب لبنان الأولى واجتياح القوّات الإسرائيلية بيروت ومغادرة المقاومة الفلسطينية لبنان إلى تونس، تنازلت نهائياً عن هويّتي "العربية الإسرائيلية" المشوّهة لأبدأ رحلة بحثي عن هويّتي الحقيقية. و"نحن شعب يريد الحياة" سيكون الفصل الثالث والأخير من سلسلة "هويّتي".
لا أحبّ أن أقارن وجع فلسطيني معيّن بوجع فلسطيني آخر، لكن أحيانا يُخيّل إليّ أنّ وجودي في الوطن نقمة وليس نعمة لأنّني أعيش حالة عبثية غير إنساني. خصوصا أنّني واعية جدا جدا لتهويد هالوطن وتغيير معالمه يوميا.
في المرات النادرة التي أزور قبر أبي، أقرأ ما كُتِبَ على الشاهد، وأعِد نفسي أن أحضر في الزيارة التالية أحد دواوين نزار قباني لأقرأه كاملا... بالطبع كبرتُ وصرت أخفي إعجابي بشعر نزار، ربما لأنّه ما عاد "على الموضة".
قالت المدرّسة لي ولزوجي في زفافنا: "أوّل مرّة التقيتكم بحضانة الجرينة لما تغاوشتي إنت وأخوكي إذا اسم إمّك أندوشي أو إيليني، وإجا أسعد لنجدتك". ضحكنا أنا وزوجي والجميع إلا أمي التي احمرّ وجهها خجلاً، لكنّها هالمرّة ما فركت أذني.
أخيرا عرفت اسم المتسوّلة التي أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من المشهد العام في الشارع المكتظّ دومًا. هي سيّدة ما زالت آثار الجمال واضحة على محياها. سمراء طويلة القامة ونحيفة، لم أنتبه إبدا إلى وجودها على أنّها فاطمة.
بعد الحرب بشهر دقّت باب البيت الذي استأجرناه من الشركة الإسرائيلية سيّدة فلسطينية وابنها، جاءا لرؤية منزلهما. وشقّتنا كانت جزءاً من بيتهما المن طبقتين، لم تتهنّ العائلة به إلا سنة واحدة، قبل أن يجبرهما الاحتلال على النزوح إلى رام الله.
كان يا ما كان، مش من زمان، كان في أربع بنات، كثير حلوات وشاطرات من خربة طوبا، جنوب جبال الخليل، وكانوا هالبنات كثير يحبوا يروحوا على مدرستهم ليتعلموا، والأهمّ ليلتقوا بصديقاتهم وأصدقائهم، لكن في يوم أتوا غيلان
كان يا ما كان بنت صغيرة ولدت بمدينة الناصرة. منذ ولادتها كانت كثيرة البكاء، لا تهدأ إلا عندما يحكي والدها لها حكايات عن قيساريا (قريته المهجّرة) والبحر. ولما بدأت بالكلام في عمر مبكر جدا، كلمة بحر أوّل الكلمات التي قالتها.