لا يتعلق الأمر بالثقافة "الشعبية" مقابل "النخبوية"، ولا "الوضيع" مقابل "الراقي". يتعلق الأمر إذاً بنوع من النقد الإيديولوجي الذي ينصبّ على لغة الثقافة التي تُدعى "ثقافة الجماهير"، إلا أنّه نقد مشفوع بتحليل سيميولوجي لهذه اللغة.
يبين الجابري أنّ الفلسفة الإسلامية لم تكن قراءة متواصلة ومتجددة لتاريخها المعرفي الخاص، وإنما كانت قراءات وَظّفت المادة المعرفية نفسها لأهداف إيديولوجية متباينة، ومعلوم أن الميكانيزم الإيديولوجي ينشغل أساساً بملء الفراغات وإغفال ما يفرّق لإبراز ما يُوحّد.
النظرة الأولى إلى التاريخ؛ اتصالية، تسعى إلى مدّ خيوط الوصل بين الحاضر والماضي، والكشف عن "النفس الخالدة التي ترقد في كل حاضر"، أما النظرة التراجعية فهي انفصالية "تجعل التاريخ برمته ينتظم حول القطيعة المعاصرة"، وتجعلنا نرتبط بماضينا بمقدار انفصالنا عنه.
مأساة عصرنا، ومأساة البلاهة، لا تكمن في كونها لافكراً، وإنما في كونها لافكراً يفكّر، فهي لم تعد ذلك الجهل الذي قد يُتدارك عن طريق التربية، ولا فراغ الفكر الذي يملأه الانفتاح على السؤال، وإنما غدت تقدّم نفسها على أنها فكر...
أصبح المثقفون يختلفون، ليس حول صحة القضايا وصوابها، وإنما حول الخطابات التي تتمحور حولها، ومعايير الحقيقة ومن ثمّ سبل التوصّل إليها، حول منابر الحقيقة وفضاءات إنتاجها. مجمل القول إن الصراع الثقافي أصبح يدور اليوم حول إقرار نظام بعينه لإنتاج الحقيقة.
اللجوء إلى معالجة النصوص الإلكترونية، واستعمال محركات البحث عادات مستحدثة، إلا أنها ما فتئت تترسخ في السلوكات واللغة المتداولة إلى حدّ أن أفعالنا الذهنية أخذت تبدو أكثر فأكثر كأنّها عمليات لا يمكن أن تتم من غير سند الكمبيوتر.
ظهر كتاب "الاسم العربي الجريح" بداية السبعينيات، حيث كان المتخيل الشعبي سجين علائق قوة متشابكة، وحيث كان البحث فيه، إن لم ينظر إليه على أنه من المحرّمات، فقد كان يخضع لمنهجية أحادية الرؤية، تقليدية الطابع، وحتى إن لوّحت بالمنهج الماركسي.
كأن الكذب لم يعد إتلافاً للحقيقة بل للمعنى. كذب تكرّسه وسائل الإعلام التي تعمل على تغييب الواقع بملاحقتها وقائع جزئية تجعل منها راهناً دائماً، وتجعلنا عاجزين، لا على تمييز الصدق من الكذب فحسب، وإنما حتى عن تبيّن الدلالات وإدراك المعاني.