"املأ القارورة"... شابات لبنانيات يلتقطن أعقاب السجائر

24 اغسطس 2019
يتمنين مشاركة الجميع في هذا التحدي (العربي الجديد)
+ الخط -

ربما تكون "نقطة في بحر" لكنّ تالا وشارلي وفرح، قررن خوض تحدي تنظيف جزء من الشاطئ اللبناني من أعقاب السجائر، عسى أن تؤدي تلك "النقطة" إلى "بحر" من التآزر لحماية البيئة

في الحلقة العاشرة من المسلسل السوري "ضيعة ضايعة" (2008، تأليف ممدوح حمادة، إخراج الليث حجو) يبحث الشرطي عن خيوط للكشف عن مرتكب جريمة القتل، فيعثر، مع الشاهدين الرئيسين، على عقب سيجارة يربطه بالمجرم المفترض، قبل أن يعثروا على كثير منها، فيذهب المشهد الكوميدي إلى اعتبار هذه الأعقاب ليست على علاقة بالجريمة: "يا أمة الله... طلعوا فوامات السواغير (أعقاب السجائر) ما إلهن علاقة بالجريمة"... هادا واحد مفضّى نفاضة سيارتو هوني (أفرغ منفضة سيارته هنا)"... لكنّ رمي تلك الأعقاب جريمة فعلاً، وهي جريمة قتل بحق البيئة، مثل رمي غيرها من المواد غير القابلة للتحلل السريع، ما يضرّ بالنظام الإيكولوجي، ومعه السلسلة الغذائية لجميع الكائنات البحرية والبرية وصولاً إلى الإنسان، وهو مرتكب الجريمة والضحية في الوقت عينه.




مثل هذا الواقع، خصوصاً في لبنان الذي تكثر فيه المشاكل البيئية، سواء في ما خصّ النفايات ومطامرها ومحارقها ومكباتها، أو تلويث مجاري الأنهار، ومياه الشاطئ ورماله وصخوره، وغيرها، يستدعي اتخاذ مبادرات، وإن كانت فردية في كثير من الأحيان، لكنّها مع ذلك تحاول أن تغير بحسب قدرتها، في هذا الواقع.

على هذا الأساس، اجتمعت شابات ثلاث، خلال هذا الأسبوع، لتقديم الصورة المعاكسة عن رمي النفايات على الشواطئ، فانشغلن تحديداً بالتقاط أعقاب السجائر التي يصعب على عمال النظافة حتى، التقاطها من أرض الكورنيش البحري للعاصمة بيروت. حملت كلّ واحدة منهن قارورة مياه بلاستيكية فارغة وكانت لهن جولات في ملئها بتلك الأعقاب المختلفة الألوان والأحجام. لم يكتفين بالرصيف، بل نزلن إلى الصخور تحته، وهي من المساحات العامة القليلة للسباحة في العاصمة، وإن كانت تشوب مياهها مشاكل تلوث أيضاً.

من فرنسا في إطار التحدي العالمي (فرانس إنفو) 












هناك يتحدثن إلى "العربي الجديد" عن فكرة المبادرة، التي تعود إلى تحدٍّ عالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التقطنه وقررن خوضه، وهو تحدي #Fillthebottle أي "املأ القارورة" الذي بدأ في أوائل شهر أغسطس/ آب الجاري. تقول الشابة تالا فرح (20 عاماً) التي أنجزت السنة الثانية من اختصاص إدارة الأعمال في "الجامعة الأميركية في بيروت" إنّ هذا التحدي "بدأ في فرنسا، لكنّنا بدأنا في نشره هنا. وهو يحتّم جمع 10 آلاف عقب سيجارة لصنع لوح ركوب أمواج". تالا التي تحبّ البحر وترغب في زيادة الوعي البيئي، لديها مشروعها الخاص في صنع مايوهات (ملابس بحر) نسائية صديقة للبيئة ومستدامة، وذلك من مواد مؤلفة من فضلات بحرية (بقايا شباك صيد مثلاً) إلى جانب تصميمات أخرى، وعرضها للبيع عبر موقعها الإلكتروني الخاص أيضاً، لتتبرع بدولار واحد عن كلّ غرض يباع، إلى جمعية بيئية تهتم بتنظيف الشواطئ.



الشابات الثلاث كنّ قبل سنوات زميلات صف واحد في إحدى المدارس اللبنانية، لكنّهن اليوم يجتمعن في العطلة الجامعية، فإلى جانب تالا، أنجزت شارلي (20 عاماً) السنة الثانية من اختصاص الأنظمة المعلوماتية في العاصمة الإسبانية مدريد، بينما أنهت رنا (19 عاماً) السنة الثانية من اختصاص هندسة العلوم الطبية الحيوية في بوسطن بولاية ماساتشوستس، في الولايات المتحدة. وتريدان إنجاز التحدي مع تالا قبل سفرهما مجدداً.

شارلي ورنا وتالا من اليمين إلى اليسار (العربي الجديد) 












في هذا الإطار، تقول شارلي إنّ الوضع البيئي سيئ جداً في لبنان: "الهواء من الصعب تنشقه، والبحر من المستحيل السباحة فيه خصوصاً في بيروت، إذ نذهب إلى الجية (إلى الجنوب من بيروت) أو صور (جنوب) أو البترون (شمال) إذا رغبنا في السباحة". تضيف أنّ "النفايات هي أساس التلوث، وننشط في هذه الحملة كي نوجه رسالة أنّنا إن لم نتحرك، فالأجيال المقبلة ربما لن تكون موجودة بسبب هذا التلوث". حول تفاعل من شاهدهن من المتنزهين على كورنيش المنارة معهن تقول: "كثيرون توقفوا ليسألونا عمّا نفعل، وقد شجعونا، لكنّنا نتمنى منهم أن يشاركونا أيضاً". وعن الفوارق بين النشاط البيئي في أوروبا حيث تدرس، وفي لبنان، تضيف: "هنا، المبادرات فردية، أما هناك فيعملون معاً يداً واحدة، لأنّهم يدركون الخطر".



فكرة المعرفة البيئية تشدد عليها رنا: "لا تقع المسؤولية في التلوث ورمي النفايات على المواطنين اللبنانيين مباشرة، كونهم لا يعرفون الكثير عن البيئة، وعن ضرر النفايات بهم وبأبنائهم والأجيال المقبلة التي لن تتمكن من العيش على هذه الحال. المطلوب أن تتضمن المناهج التعليمية مواد خاصة بالبيئة كي تجهز الأطفال بتلك المعرفة البيئية. أما في الوقت الراهن، فالمطلوب إجراء حملات توعية للمواطنين لأنّ كثيرين من بينهم لا يصدقون مدى الخطر البيئي المترتب عن قطعة علكة (لبان) مثلاً، وصعوبة تحللها في المياه أو التربة طوال سنين طويلة جداً".
المساهمون