العنف الأسري في كردستان العراق من دون محاسبة

04 يوليو 2024
وقفة رافضة للعنف ضد المرأة في السليمانية، 21 نوفمبر 2008 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تقاعس السلطات في كردستان العراق**: كشفت منظمة العفو الدولية عن تقاعس السلطات في محاسبة مرتكبي جرائم العنف الأسري، مما يعرض الناجيات للخطر ويسمح للجناة بالإفلات من العقاب.
- **عقبات تواجه الناجيات في الوصول إلى العدالة**: تواجه الناجيات عقبات هائلة في الحصول على الحماية والوصول إلى العدالة، بما في ذلك الخوف من الانتقام وظروف مراكز الإيواء المشابهة للسجن.
- **نقص الإحصاءات والتشريعات الفعالة**: لا تتوفر إحصاءات شاملة عن العنف الأسري، ويواجه تشريع قانون يحمي الأسرة معارضة سياسية ودينية، مما يعقد جهود مكافحة العنف.

كشفت منظمة العفو الدولية، عن تقاعس السلطات عن ضمان محاسبة مرتكبي جرائم العنف الأسري في كردستان العراق، بما في ذلك حالات القتل والاغتصاب والضرب والحرق المروعة، كما أنها تفرض قيوداً تعسفية على حريات الناجيات اللواتي يطلبن الحماية في نظام الإيواء، رغم وجود التشريعات الإيجابية التي اتخذت في الإقليم لمكافحة العنف الأسري.

وتحدث تقرير المنظمة، الذي صدر أمس الأربعاء، بعنوان "نظام شاقّ ومزرٍ: الإفلات من العقاب ونقص تمويل المؤسسات يقوضان حماية النساء والفتيات من العنف الأسري في كردستان العراق"، عن "كيف مواجهة الناجيات من العنف للواقع الفعلي، والعقبات الهائلة في الحصول على الحماية والوصول إلى سبل تحقيق العدالة في إقليم كردستان العراق"، فيما خلص التقرير إلى "غياب الإرادة السياسية من جانب السلطات لملاحقة مرتكبي العنف الأسري، أو تقديم دعم حقيقي للنساء والفتيات اللواتي يلجأن إلى الدولة طلبًا للحماية".

عقبات الناجيات من العنف الأسري في كردستان

كما بيَّن العقبات العديدة التي تواجهها الناجيات من العنف الأسري في كردستان للوصول إلى سبل تحقيق العدالة، وأبرز العقبات هي أن الناجيات أنفسهن يجب أن يقدمن شكوى جنائية ضد المعتدين عليهن حتى تتمكن النيابة العامة من التحقيق في حالات العنف الأسري، والحصول على خدمات الحماية، بما في ذلك الوصول إلى مراكز الإيواء، لكن العديد من النساء يخشين التعرض للانتقام أو التهديدات إذا فعلن ذلك".

ونقل التقرير، عن آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، قولها: "تتعرض الناجيات من العنف الأسري في كردستان العراق للخذلان من كل ناحية. فمن لحظة هروبهن من الأوضاع المسيئة، تواجه هؤلاء النساء والفتيات بشكل متكرر عقبات شاقة في سعيهن لطلب الحماية والوصول إلى سبل تحقيق العدالة، مما يعرضهن للخطر ويسمح للجناة بالإفلات من العقاب. في الوقت نفسه، تواجه الناجيات اللواتي يلتمسن اللجوء إلى مراكز الإيواء ظروفاً أشبه بالسجن، ما يضطر النساء والفتيات في بعض الحالات إلى العودة إلى أوضاع مسيئة بشكل مروع".

ولا تتوفر إحصاءات شاملة عن العنف الأسري، لكن الأرقام التي تعلنها أحيانا، السلطات العراقية، تعتمد على الدعاوى المرفوعة إلى المحاكم ومراكز الشرطة. وفي عام 2022 تلقت المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة والأسرة في العراق 15,896، وفي عام 2023، سجل العراق مقتل 30 امرأة، فيما يؤكد نشطاء أن الأرقام أكثر من ذلك، لكن لا يتم الإعلان عنها بوضوح من قبل السلطات، في حين أن حالات عديدة لا يتم تسجيلها لدى السلطات ما يؤدي إلى طمر حقائقها وعدم محاسبة المتسببين فيها.

في السياق، قالت النائبة السابقة والسياسية ريزان شيخ دلير، إن "العنف الأسري الموجه ضد النساء والأطفال، حقيقة مؤلمة في العراق، ولدينا أرقام مفزعة عن الحالات التي تفشت في عموم البلاد، ما يدفع جدياً إلى تشريع القوانين التي تحمي الأسرة، لا سيما وأن بعض أشكال العنف تؤدي في النهاية إلى الوفاة".

وبينت لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الدعوات إلى تشريع قانون يحمي الأسرة العراقية، قوبلت بالمواجهات السياسية من قبل كتل وأحزاب ترفض وجوده، بحجة أنه يخالف بعض التعليمات الدينية، بالتالي لا بد من الاتفاق السياسي يصحبه ضغط مدني وشعبي ومن المنظمات لأجل حل هذه الإشكالية التي تؤثر على المجتمع".

من جهتها، أشارت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل إسراء سلمان، إلى أن "العام الجاري شهد تراجعاً حقيقيا على مستوى تطبيق القوانين تجاه ممارس العنف داخل الأسرة، ولاحظنا ارتفاعا بالعنف الأسري في إقليم كردستان بالرغم من أن الإقليم يختلف عن بغداد بوجود قانون للعنف الأسري ودور الإيواء، لكن لا يوجد تطبيق للقوانين في الإقليم بالطريقة الصحيحة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب العنف لغياب الرادع"، مضيفة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المنظمات والنشطاء رصدوا وجود مقابر لنساء تعرضن للعنف حتى الموت، وخصوصاً في مدينة السليمانية، لكن بالرغم من ذلك، فإن الإقليم يعتبر أفضل بكثير من بغداد وبقية المناطق العراقية، لأن العاصمة لا تمتلك قانوناً يحكم في هذه المسألة، ما يعني أن العنف في بغداد أكثر".

من جانبه، لفت المحامي الكردي هوكار علي، إلى أن "التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية يحتوي على مبالغات كثيرة، فهو ينتقد عدم مواجهة السلطات لظاهرة العنف الأسري، وهذا غير صحيح، لا سيما وأن حكومة كردستان تعلن بمعدل دوري عن أعداد الدعاوى المرفوعة والعقوبات المفروضة على مرتكبي العنف"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، بأن "ما يعيب القانون في أربيل، وحتى سير الإجراءات التحقيقية في بغداد وبقية المناطق، أنها تأخذ وقتاً طويلاً، ما يؤدي أحياناً إلى الصلح والمصالحة أو التنازل أو حل المشكلات عبر الجلسات العشائرية والتأثيرات الاجتماعية".

وانتقد تقرير "العفو الدولية"، اكتظاظ دور الإيواء للمعنفات من النساء، وخلوها من الموظفين وعدم تجهيزها بالشكل المناسب. وأكد التقرير أن "النساء والفتيات يحتجن إلى أمر من المحكمة للدخول إلى مراكز الإيواء والخروج منها، ولا يمكن الحصول على هذا الأمر إلا إذا تقدمن بشكوى جنائية ضد المعتدين عليهن. بالتالي، يستبعد هذا الشرط الناجيات اللواتي يمتنعن عن تقديم شكاوى، لأسباب تشمل الخوف من التعرض للانتقام".

وفي شهر مايو/ أيار الماضي، كشفت وزارة الداخلية العراقية عن تسجيل قرابة 14 ألف دعوى عنف أسري خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري في عموم مدن البلاد. وبحسب المتحدث باسم الوزارة العميد مقداد ميري، فإن "الاعتداء البدني كان الأعلى نسبة بين هذه الدعاوى، وبمعدل 2700 حالة عنف أسري شهرياً، وأكثر من 90 حالة باليوم الواحد. وتُشكل حالات العنف ضد الإناث وفقاً لأرقام وزارة الداخلية 73% من مجموع تلك الحالات.

وتعتمد المحاكم العراقية على المادة 41 من قانون العقوبات العراقي لعام 1969، التي تنص على حق الزوج والآباء في "التأديب في حدود الشرع والقانون"، وهي عبارة واسعة التفسيرات، وفقاً لناشطين، فيما تعارض أحزاب إسلامية نافذة في العراق قانون "مناهضة العنف الأسري"، الذي قدمه عدد من نواب البرلمان قبل سنوات ودعمته منظمات حقوقية مختلفة، بغية التصويت عليه تحت مزاعم أنه "مستنسخ من قوانين غربية يشجع فيها المرأة على التمرد"، وفقاً لتصريحات سابقة أدلى بها عدد من النواب عن تلك القوى.

المساهمون