استمع إلى الملخص
- تعمل منظمات مدنية على تعزيز آلية الوساطة لتجنب اللجوء إلى القضاء وتشجيع النساء على الاستثمار الفلاحي، بينما تلعب الأمهات دوراً في حرمان البنات من حقوقهن.
- رغم ضمان القانون التونسي لحقوق النساء في الإرث، إلا أن الحرج الاجتماعي يمنعهن من المطالبة بحقوقهن، وغالباً ما تُمنح النساء أراضٍ ذات إنتاجية محدودة.
تقدّر إحصاءات استغلال الأراضي الزراعية في تونس بأن 58% من النساء مستبعدات من الإرث، وأن قسماً منهن يتنازلن عن حصصهن لمصلحة الورثة الذكور، ويكتفين بممارسة النشاط الفلاحي باعتبارهن أجيرات أو مُعينات رغم أنهن يعملن في ممتلكات العائلة، ويساهمن في تحقيق الأمن الغذائي.
وتعمل منظمات مدنية لكسر الحواجز الاجتماعية التي تعرقل حصول النساء على ميراثهن في الأراضي الزراعية، وتغيير العقليات السائدة، ودفعهن إلى الاستثمار الفلاحي كي يجعلهن عناصر إشعاع في مناطقهن يستطعن مجاراة تجارب سابقة ناجحة.
تقول رئيسة جمعية دعم المبادرات في القطاع الزراعي سلوى كنّو لـ"العربي الجديد": "مسار حصول النساء في ريف تونس على حصصهن من الإرث الأسري المتمثل في الأراضي الفلاحية طويل وشاق، ويحتاج إلى إمكانيات مالية مهمة للجوء إلى القضاء، ما يفسّر تنازل نحو 60% من الوريثات عن حقوقهن لفائدة الورثة الذكور".
وأثبتت دراسة ميدانية أجرتها الجمعية أن معظم هؤلاء النساء لم ينجحن في الحصول على نصيبهن من الميراث في الأرض إلا بعد فترة أكثر من 12 سنة أو حتى 30 سنة.
وخلال هذه الفترات الطويلة، واصل الورثة الرجال استغلال كل الأراضي والتمتع بمحصولها، في حين حُرمت النساء من نصيبهن في الميراث ومحصوله لسنوات، وأيضاً من إمكانية الاستثمار وتطوير مشاريع اقتصادية خاصة بهن.
وتذكر سلوى أن "هناك حاجة ملحّة إلى دعم هذه الفئة من النساء والوقوف إلى جانبهن من أجل مساعدتهن في تحصيل حقوقهن، والانتقال إلى مرحلة الاستثمار الفعلي واستغلال الأراضي التي يملكنها بالكامل". تتابع: "تمتهن غالبيتهن الزراعة منذ نعومة أضفارهن لكنهن لا يتجاوزن مرحلة العاملات، ويتحوّلن نادراً إلى صاحبات مشاريع أو مستثمرات، إذ يعرقل عدم حيازتهن الإرث نفادهن إلى التمويلات البنكية من أجل تنفيذ مشاريعهن الخاصة".
وفي شأن الضغوط التي اعترضت هؤلاء النساء من أجل الحصول على حصصهن في الإرث، تقول سلوى إن "مصدرها سلطة الوالدين بالدرجة الأولى، ما يشكل عنفاً ناعماً".
واستناداً إلى نساء شاركن في الدراسة، تلعب الأمهات دوراً مؤثراً في حرمان البنات أو عدم حصولهن على نصيبهن العادل من الميراث، إذ يعارضن هذا المطلب، ويعتبرن أن الأبناء الذكور أحق به، ويقفن معهم أكانوا على خطأ أو صواب.
ووفق الشهادات ذاتها، تتضامن الأمهات غالباً مع أبنائهن الذكور، ويؤثرن على الآباء إذا امتلكن النية في إسناد جزء من التركة للبنات، خصوصاً إذا كانت قيمتها كبيرة.
وإلى ضغوط الوالدين تتعرض النساء خلال مطالبتهن بالحصول على إرثهن إلى ضغوط أثناء الحصول على الإرث وبعده.
وبسبب طول إجراءات التقاضي في تحصيل الميراث وكلفته المرتفعة تحاول المنظمات المدنية المدافعة عن حقوق النساء دعم آلية الوساطة لتعزيز حصول النساء على نصيبهن في الميراث من دون اللجوء إلى القضاء.
وتهدف هذه الآلية إلى التشجيع على استعمال الوساطة التي يتولاها أشخاص يؤمنون بحقوق النساء في الإرث أكانوا رجالاً أم نساءً للحفاظ على العلاقات العائلية، وتسريع إيصال الحقوق إلى أصحابها، وتفادي إجراءات التقاضي الطويلة.
وتقول المحامية فاتن المهناوي إن "القانون التونسي يحفظ حقوق النساء في الحصول على إرث من الأراضي الزراعية، ويضع آليات عادلة لتقسيم التركة بين أصحاب الحق في شكل واضح، كما يسمح للنساء اللواتي تعتبر أوضاعهن هشة بالحصول على دعم قانوني للحصول على حقوقهن".
تضيف: "النساء غير مستضعفات قانونياً، والإشكالية لا تتعلق بتطبيق القانون بل بالحرج الاجتماعي الذي يمنع توجه النساء للقضاء من أجل استرداد حقوقهن في الميراث". وتوضح أن "النساء في المحافظات الداخلية يجدن حرجاً غالباً في اللجوء إلى القضاء لطلب قسمة عادلة للإرث الزراعي، خصوصاً أنهن يشكلن جزءاً من اليد العاملة لهذه الأراضي.
وتشير دراسة جمعية دعم المبادرات في القطاع الزراعي إلى أن "الأمر لا يتعلّق فقط بصعوبة نفاذ النساء إلى حقهن في إرث الأراضي الزراعية، بل أيضاً بعقارات ذات قيمة مادية كبيرة تؤول غالباً إلى ورثة ذكور".
وتلفت أيضاً إلى أن "النساء اللواتي حصلن على حصص من الأرض يمنحن غالباً أجزاءً ذات خصوبة وإنتاجية محدودة، أو تلك التي تعتمد الزراعات البعلية، في حين يحصل الإخوة الذكور على الأراضي المروية والخصبة، ما يصعّب استغلال النساء لها بطريقة مباشرة لأنها لا تمثل مصدر رزق فعلي، وبالتالي يجدن أنفسهن مجبرات على تركها أو بيعها في غالب الأحيان بثمن زهيد للورثة الذكور".